بقلم: د.عبد الخالق حسين
في الوقت الذي تتباهى فيه شعوب الأرض بما حققته من رقي في مختلف مجالات الحضارة، في الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان والمساواة والتقدم العلمي، وما بلغته من مستوى معيشي، واكتشاف الأدوية لمعالجة الأمراض، وغيرها من الاختراعات والاكتشافات المفيدة للبشرية، تتباهى شعوبنا العربية، التي تعتبر نفسها (خير أمة أخرجت للناس) أنها اخترعت رمي الحذاء، كأمضى سلاح في الصحافة العربية بدلاً من القلم. فراحت وسائل إعلام الأمة تمجد هذه الفعلة الشنيعة واعتبرتها من أعظم الاختراعات، وتغنى به بعض الشعراء العرب ومجده أدباؤهم، وقدم كثيرون من الأثرياء جوائز مالية، بل وحتى تطوع البعض تقديم بناتهم للفاعل المجرم منتظر الزيدي، كمكافئة على جريمته اللا أخلاقية هذه.
كما وطالبت جماهير في الأردن بتسمية أحد شوارع عاصمتهم عمان، باسم (شارع حذاء الزيدي)، إضافة إلى إقامة التماثيل لهذا الحذاء في مدن عربية تخليداً لهذا العمل.
وقد حذرنا في كتاباتنا من مغبة تمجيد هذه الفعلة الشنيعة، وقلنا أن مردودها سيكون معكوساً على سمعة العرب وسلوك الشباب، إلا إن مؤيدي ثقافة الحذاء، وكعادتهم في هذه الحالات، اتهمونا بالخيانة الوطنية والعمالة لأمريكا والصهيونية، ذات الاتهامات الجاهزة التي أدمنوا عليها في مواجهة من لا يسايرهم في عملهم وطريقة تفكيرهم.
ومن عواقب ثقافة الحذاء هذه أن تفشت عدواها في كل مكان، فمن فرط إعجاب الشارع العربي بهذا "الاختراع" راح شباب الأمة يقلدون "البطل القومي" برمي أحذيتهم على مدرسيهم في المدارس، كما واتخذتها الجاليات العربية في الغرب ممارسة في مظاهراتها الاحتجاجية ضد سلطة الدولة المضيفة، واعتبروها علامة من علامة الفخر والتحدي.
وكما توقعنا من مردود معاكس على سمعة العرب، من هذا العمل، شاهدنا قبل أيام، على شاشات التلفزة واليوتيوب، مظاهرة في اسطنبول احتجاجاً على حرب الإبادة التي تشنها المملكة السعودية ضد الحوثيين في شمال اليمن، إذ قام المتظاهرون بضرب صور الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، خادم الحرمين بالأحذية. (رابط الفيديو أدناه).
وأخيراً وليس آخراً، اللهم لا شماتة، وكما نقلت وكالات الأنباء، أن مخترع رمي الحذاء، منتظر الزيدي، نفسه تعرض لرمي الحذاء على وجهه إثناء لقاء صحفي في فرنسا مروجاً لاختراعه، إذ أفادت الأنباء: " قام الصحفي العراقي سيف الخياط، برشق فردتي الحذاء باتجاه الصحفي العراقي الآخر منتظر الزيدي، و ذلك خلال ندوة كانت مقامة على شرف الأخير في نادي الصحافة العربي في العاصمة الفرنسية باريس يوم 1-12-2009، في خطوة فاجأت الحضور وأشعلت لهيب المواجهة بين المؤيدين لهذا الحذاء أو ذاك الحذاء، على حد وصف أحد الحضور."
وبدون أدنى خجل كان رد فعل الزيدي هو اتهام زميله الصحفي بـ"سرقة براءة اختراعه". أما "سارق براءة الاختراع" سيف الخياط، فقال خلال اتصال هاتفي مع مراسل مؤسسة "اتجاهات حرة"، قائلاً "انه فعل مساوٍ في المقدار و معاكس في الإتجاه، وعلى الضمير العربي و القومي أن يقيّم الفعل بتجرّد عن الدلالة".
إن رشق الزيدي بالأحذية هو نتيجة حتمية وثمرة سيئة من ثمار جهوده وعقليته واختراعه، وعليه أن لا يلوم إلا نفسه وأولئك الذين دفعوه لارتكاب هذه الفعلة الشنيعة. وهذه مناسبة لمؤيدي ثقافة الحذاء أن يعيدوا النظر في تأييدهم وترويجهم لهذا السلوك. كما ونؤكد للذين مجدوا المجرم على فعلته، أن هذا الإنسان سوف لن يتمكن من العيش حياة طبيعية، بل سيقضي كل ما تبقى من حياته مرعوباً وخائفاً من تلقي الأحذية على وجهه في اليقظة وفي المنام، في أي مكان وزمان، ومهما تظاهر بإخفاء مخاوفه، فحياته تحولت إلى كابوس دائم. فمن يزرع الشر لا يحصد إلا الشر.
ورحم الله أحمد شوقي حين قال: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا |