«لوتشيا» عمرها ٢١ سنة، ترتدى الحجاب بألوان مبهجة وتظهر منه ملامحها العربية المختلطة. لقد درست الاقتصاد ولكن تعين عليها أن تعمل كمتطوعة بإحدى المؤسسات الإسلامية النسائية بلندن حتى تتوفر لديها الخبرة الكافية.
وتريد «لوتشيا البرعى» العمل فى مكان أفضل، غير أنها لا تجد فرصة العمل، «ليس بسبب الحجاب، ولكن بسبب قلة خبرتى» على حد قولها.
وتقول: «بعض الشركات عقولها متفتحة وتقبل المحجبات، وقد تقدمت للعديد منها للحصول على وظيفة، ولم تتسن لى فرصة لأننى حديثة التخرج، ولكن هناك بعض الوظائف الحكومية يكون الحجاب غير مقبول بها».
وهذه الفتاة واحدة من بين ٢ مليون مسلم يعيشون فى بريطانيا، وهى مثل أغلبيتهم من أصول مختلطة، فوالدها مصرى ووالدتها إسبانية، وعلى الرغم من ارتدائها الحجاب فإنها لم تواجه أى معاناة داخل لندن نفسها، لكن خارج العاصمة الوضع مختلف نظراً لاختلاف الثقافات والأديان، «حيث يتعامل البعض بشكل سيئ مع الحجاب» حسب تأكيدها.
وتضيف: «أحيانا يتحدث البعض من ورائى بأننى صغيرة السن، فلماذا أرتديه (الحجاب)، ويصل الأمر إلى حد اتهامى بالجنون، ولكن بالنسبة للنقاب فالموضوع صعب جداً».
ويتفق «حسن أحمد»، الذى يعمل كمدير تسويق بمؤسسة «هبلين للشباب المسلم»، مع الرأى السابق بشأن عدم تقبل الحجاب خارج العاصمة البريطانية، قائلاً: «خارج لندن لا يعرفون ولا يفهمون مختلف الثقافات، وينظرون للجانب السلبى للإسلام، ويعتبرون أن بريطانيا احتلها الإسلام نظراً لوجود الحجاب والنقاب والمساجد الكثيرة وهؤلاء قلة صغيرة من المتطرفين»،
مستطرداً: «لكن الوضع مختلف فى لندن نفسها لأن هناك مهاجرين كثراً، ونظراً لزيادة ارتداء النساء الحجاب والنقاب أصبح هذا شيئاً مألوفا»، مؤكداً صعوبة تكرار حادث «مروة الشربينى» فى المملكة المتحدة، لأن بريطانيا لديها ثقافة مختلفة عن غيرها من الدول الأوروبية فى التعامل مع المسلمين، ولديها قانون يحميهم.
ويشير حسن إلى أنه بعد أحداث ٧يوليو (تفجيرات أنفاق لندن عام ٢٠٠٥) و١١ سبتمبر (انهيار برجى مركز التجارة العالمى بنيويورك عام ٢٠٠١)، أصبح المسلمون فى الدول الغربية تحت مجهر الأضواء أكثر، وبدأ يظهر تعريفهم من الحجاب والنقاب، مكرراً القول بوجود «تسامح كبير فى لندن وقبول للثقافات الاخرى واحترامها، وذلك بحكم كثرة المهاجرين من مختلف العالم».
وعلى الرغم من أن حسن يرى أن لندن بها قبول للثقافات الأخرى، فإن «نيقول جوزيف» - سائق - يرفض ما يطلبه بعض المسلمين بتطبيق الشريعة الاسلامية، مبرراً ذلك بقوله: «هذا بلدنا، والمسلمون لابد أن يحترموا قوانينه».
ويضيف: «هم مهاجرون من خارج بريطانيا، وأعتاد ذلك وليس لدى مشكلة فيه، ولكن لابد أن يتفهموا طبيعة البلد الذى يعيشون به».
وتختلف معه «ماريا اشتون»، وتقول: «إنى أحترم المسلمين والإسلام كثيراً»، وذلك على الرغم من مرورها بتجربة شخصية مريرة مع أحد المسلمين، وأضافت: «تزوجت من مسلم مصرى وتركنى انا وابنى (وليم محمد) لمدة ٢٠ عاماً عائداً لبلاده، فاضطررت أن أربى ابنى وعلمته المسيحية، فكيف سأعلمه الإسلام ووالده أكثر إدراكا منى له».
وتضيف وعيناها تدمعان: «غياب زوجى كل هذه الفترة الطويلة، لم يمنعنى وبرفقتى ابنى، من زيارته أثناء مرضه وقبل وفاته لأننى أحترم المسلمين».
وفى الوقت ذاته تؤكد «سارة جوزيف» التى اعتنقت الإسلام منذ ٢١ عاماً، أنها لم تتعرض لأى مضايقات لارتدائها الحجاب، موضحة أنها اعتنقت الإسلام بعدما رأت بمرور الوقت أنه يجيب على كثير من أسئلتها.
وبعد تفهم «سارة» لتعاليم الإسلام وجدت أنه من الضرورى شرح تلك التعاليم، وجاءت فكرة إنشاء مجلة «أمل» التى ترأس تحريرها للدفاع عن الدين الإسلامى ولنفى ارتباطه بالعنف والإرهاب، ولتناول أساليب الحياة الخاصة بالمسلمين وعاداتهم.
وفى «مانشستر» تلك المدينة التى تبعد ٢٢٠ ميلاً عن لندن ويبلغ عدد المسلمين فيها ١٢% من ٤٥٠ ألف نسمة هم جملة سكانها، تقول «فاطمة مصطفى»، محاسبة بإحدى الجمعيات الأهلية، إن الحجاب لم يسبب لها مشكلة بأى شكل من الأشكال مع أحد، سواء فى العمل أو فى الحياة اليومية.
الشىء نفسه أكدته الدكتورة هبة محمد بكلية إدارة الأعمال فى مدينة برمنجهام، التى يعيش فيها نحو ٢٠٠ ألف مسلم، لكنها ذكرت أن إحدى صديقاتها المنتقبات تعيش بعيداً عن لندن، وقام أحد الأشخاص بخلع نقابها عنوة، مشيرة إلى أن هذه حالة قد تكون فردية.
وعلى الرغم مما تشير إليه «هبة»، فإن مارى بارستن، المتحدث باسم الحكومة البريطانية، يؤكد أن أهم أولويات حكومة بلاده هو تحقيق أكبر قدر من التعايش والتفاهم بين الثقافات والأديان المختلفة، مشيراً الى أن حكومة بلاده وضعت فى ذهنها بعد «أحداث مروة الشربينى» أهمية العمل أكثر للتصدى لمثل هذه التهديدات، داعياً الى ضرورة تهميش الفئات التى تستغل تلك الأحداث.
بينما فسر «مقبل على»، المسئول عن البرنامج الإسلامى بوزارة الخارجية البريطانية، تقبل المجتمع البريطانى للثقافة الإسلامية بأنه ناتج عن زيادة ارتداء النساء للحجاب، خاصة بين الشابات، حيث أدى هذا الأمر الى تحقيق الاندماج فى المجتمع، لافتا إلى أن هناك الكثير من المسلمين يشاركون فى الحياة الاجتماعية، منوها بوجود ١٢ مسلماً فى البرلمان البريطانى من أصول مختلفة.
ويشاركه الرأى «بول ماريوت»، المشرف على برنامج «منع العنف والتطرف» بمدينة برمنجهام قائلاً: «بعد أحداث ٧ يوليو التى جاءت كصافرة إنذار للمجتمع البريطانى لبدء الاهتمام بتحقيق التناغم بين فئات المجتمع المختلفة، بدأ العمل ببرنامج (منع العنف والتطرف) فى ٢٠٠٧ بهدف تحسين ظروف المسلمين فى بريطانيا، خاصة وضع المرأة المسلمة وتحفيزها للمشاركة فى المجتمع».
ووضع المرأة المسلمة فى بريطانيا هو محل اهتمام «شاهيستا جوهر»، المدير التنفيذى لشبكة المرأة المسلمة، المتحدث بصوت المسلم فى بريطانيا، والتى تقول: «الهدف من شبكة المرأة المسلمة هو توسيع مشاركة المسلم فى عملية صنع القرار فى بريطانيا».
وتضيف أنها من خلال عضويتها فى مجموعة «المنصحين الوطنية» للحكومة البريطانية، توجه النصح الى الحكومة فى الموضوعات التى تعطى دفعة لزيادة مشاركة المرأة المسلمة، وزيادة صوتها ومشاركتها فى المجتمع الاقتصادى والحياة الاجتماعية. |