بقلم: عماد توماس
لم يكن صموئيل حبيب مجرد قسًا مسيحيًا يرعى عدد من شعب كنيسته روحيًا، لكنه كان رجلاً تنمويًا يهتم بالجانب النفسي والاجتماعي والروحي، لم يكن منحصرًا تفكيره في عدد طائفته الإنجيلية المحدود لكنه تتطلع لعمل شراكة حقيقية مع أبناء الطوائف المسيحية الأخرى وجيرانه من المسلمين.
قصة حياة صموئيل حبيب هي مشوار كفاح في طريق ممتد من الآمال والعقبات، هي رحلة قطار توقف في العديد من المحطات، هي قصة تحدى المستحيل من أجل الأفضل لمصر، المجتمع والكنيسة. سبعون عامًا هي عمر المشوار ولكن أحداثه تتجاوز عدد السنين. ولا يمكن لهذه السطور القليلة أن توفي لهذا الرجل حقه.
محطة البداية
في عام 1928 وُلد صموئيل حبيب في مدينة الواسطى بمحافظة بني سويف، التي كانت على موعد تاريخي أن تخرج لنا مؤسس الهيئة الإنجيلية الأول الدكتور القس صموئيل حبيب، وتخرّج في كلية اللاهوت الإنجيلية بالعباسية عام 1952، وصار أستاذًا في نفس الكلية ووصل لمنصب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر.
تزوج الراحل الكريم من السيدة فوزية صموئيل وهى عضو في المجلس الملي الانجيلى، وأنجب الدكتور رفيق حبيب الحاصل على دكتوراه الفلسفة في الآداب، تخصص علم نفس اجتماعي، كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1988. وله العديد من الدراسات والمؤلفات، ونتيجة لبعض كتابته قيل أنه كان سبباً أساسياً في التوتر بين الطوائف المسيحية في منتصف التسعينات ، فكتابه "سيكولوجية التدين لدى الأقباط بمصر" أدى إلى توتر العلاقات بين الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية، وكتابا "الاحتجاج الديني والصراع الطبقي" و"المسيحية السياسية" تسببا في توتر العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية، ثم أصدر كتاب "المسيحية والحرب" الذي استنكر السنودس الانجيلى ما جاء فيه من أفكار غير صحيحة وضد فكر الكنيسة الإنجيلية كتابياً ونظامياً، كذلك كتاب "الإحياء الديني" الذي يمس الفكر اللاهوتي للكنيسة الإنجيلية وغيرها من الكنائس، ودافع والده القس صموئيل عن ابنه قائلا: انه يعبر عن نفسه ولا يعبر عن رأى الكنيسة الإنجيلية.
محطة الخدمة
ذهب للخدمة في المناطق الريفية الفقيرة، اهتم بتنمية الفرد فعمل على مشروع لمحو الأمية وزيادة نسبة المتعلمين، وفي منتصف الخمسينيات انتشر هذا المشروع في المناطق المجاورة, وقام القس صموئيل حبيب بتدريب و تعليم القيادات المحلية على شن حملات ضد العادات الريفية السيئة. أنشأ برنامجًا لتدريب القيادات على اقتصاديات المنزل وتحسين العلاقات الأسرية وإقامة مشروعات لزيادة الدخل.
اعترفت الحكومة المصرية عام 1960 بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، التي تعمل في مجال التنمية وتقدم خدماتها للمسيحيين والمسلمين بدون أي تفرقة. وتعمل على تحسين الأوضاع المعيشية في المجتمعات الفقيرة و منح الأفراد قروض للمشروعات الصغيرة
وتقدم الهيئة سنويًا جائزة للتمييز في العمل الاجتماعي التطوعي باسم شخصيتنا هذا الأسبوع الدكتور القس صموئيل حبيب.
محطة النشر والتأليف
اهتم بالنشر، وقام بنشر أول مجلة تهتم بالفلاح المصري بعنوان "النور" بالإضافة لرئاسته لتحرير عدة مجلات كنسية منها مجلة أجنحة النسور، الهدى.
له العشرات من المؤلفات فقد كان رجلاً بارعًا وقديرًا في الكتاب في مختلف المجالات، فكتب عن المرأة ودافع عنها من أجل حقها في المساواة، وكتب عن رفع الوعي وتعليم الثقافة الجنسية الصحيحة، وكتب كتب في الروحانية المسيحية، كتب للشباب وللطفل، كتب عن قضايا التنمية.
من أهم كتبه كتاب "الموعظة على الجبل" ويناقش فيها وهل يمكن تطبيق ما جاء بها حرفيًا؟
وكتاب "مفاهيم خاطئة" ويصحح فيه أخطاء العادات والتقاليد الموروثة، وكتاب "الصلاة حوار يغير الحياة" ويناقش فيه المعنى الأصيل للصلاة، وهل هي مجرد "حركات" جسدية أم حالة روحية تصل بين الإنسان وخالقة.
وفي كتابه الفريد "الإنجيل والحضارة" يناقش علاقة الدين بالحضارة التي نشأ فيها وهل من ضرورة للفصل بين الدين والحضارة، أم أن الدين هو جزء من حضارة المجتمع القائم عند ظهور هذا الدين.
ويعتبر الدكتور القس صموئيل حبيب من أوائل من كتبوا باللغة العربية في علم الإدارة المسيحية والتي كان يقوم بتدريسها في كلية اللاهوت، فكتب كتاب "الإدارة الكنسية" يشرح فيه مفهوم الإدارة ومكانها في الكتاب المقدس ودورها في الكنيسة.
وكتب الراحل الكريم أيضًا كتاب "كيف تكون موضوعيًا" وهو هو أحد كتب الإدارة حيث عالج قضية الذاتية والموضوعات حيث تظهر آثارها في دول العالم النامي بدرجة أوضح مما في الدول المتقدمة. كما يهدف الكتاب إلى معاونة رجال الإدارة بتقديم الرؤية بتقديم الرؤية العلمية والعملية السليمة التي يسطرها في هذا الكتاب.
وفي كتابه "موسوعة الثقافة الجنسية" يناقش قضية الحياة الجنسية. وأهمية الثقافة الجنسية قبل الارتباط. وعن "كيف تتعامل مع شخصيات صعبة" عالج حبيب هذه القضية الاجتماعية من واقع خبراته الكثيرة والمتنوعة التي تتصل بعلاقات البشر وكيفية التعامل بينهم وبين البعض, حيث توجد شخصيات صعبة غير مريحة في التعامل معها, هو كتاب مهم لأنه يتعامل مع قضية كل يوم أو كل ساعة.
وعن "فن الحوار" عالج الكتاب قضية اجتماعية راهنة ترتبط بعلاقات الناس وكيف يتفاهمون على شيء معين وخاصة في وقتنا المعاصر, فالحوار هو فن وله آدابه وأساليب تنميته وأهمية استمراره, تحكمه عوامل النضوج والإحساس بالمساواة والاقتناع به كوسيلة فعالة تبني الثقة,
وكتب صموئيل حبيب كتاب "لاهوت التحرر" إشارة إلى تجربة "لاهوت التحرير" التي ظهرت في أمريكا اللاتينية حيث وصلت المعاناة إلى حد لا يصدقه عقل مما دعا الكنيسة للنزول للواقع الإنساني. وكتب "المسيح ثائرًا" الذي قدم من خلاله رؤية جديدة للمسيح، فتحدث عن "لاهوت المسيح" و"إنسانية المسيح" أيهما أهم؟ وشارك أيضًا في موسوعة "دائرة المعارف" وغيرها من الكتب.
محطة التكريم
في يناير سنة 1995 سافر القس صموئيل حبيب مع الشيخ سيد طنطاوي –في ذلك الوقت كان مفتى الديار المصرية- ليتسلم درجة الدكتوراة الفخرية في السلام التي منحته إياها إحدى جامعات اللاهوت المسيحية الأمريكية.
قام المخرج خيري بشارة بإخراج فيلم عن حياته بعنوان "طريق التحدي " وهو فيلم تسجيلي يحكى قصة كفاحه، يوضح فيها للأجيال معنى تحدي المواقف الصعبة والأزمات و كيف نجتازها بدون الإحساس الفشل.
محطة النهاية
في عام 1997 وأثناء رحلة رعوية للولايات المتحدة الأمريكية، باغتته أزمة صحية فانتقل على إثرها إلى الرفيق الأعلى، وجاء جثمانه إلى مصر وشيعت جنازته من الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة، وكانت جنازته مهيبة شارك فيها العديد من مختلفي الطوائف المسيحية وممثليين للأزهر وللحكومة المصرية. لتفقد الكنيسة والمجتمع مصريًا أصيلاً عاش من أجل الكنيسة والوطن. |