CET 08:31:40 - 04/12/2009

مساحة رأي

بقلم: نبيل عمر
هل نحن أمة في‮ ‬غيبوية؟‮!‬

هل كان أنيس منصور دقيقا في‮ ‬وصفه لنا‮ - ‬في‮ ‬حواره مع الصحفية اللامعة نشوة الحوفي‮- ‬بأن مصر أمة استفحل فيها المرض وانتهي عمرها الافتراضي؟‮!‬
إذا كان ذلك‮ ‬غير صحيح‮.. ‬فلماذا لم ننتبه لما‮ ‬يجري في‮ ‬الصعيد ضد مسيحيين علي‮ ‬يد بلطجية من المتعصبين؟،‮ ‬ولماذا نترك المتعصبين والمتطرفين الدينيين‮ ‬يشعلون النار فينا جهارا نهارا ويمزقون بلادنا ويجرجروننا جرا إلي الهاوية؟‮!‬
كيف نتألم ونشكو من ترويع المصريين علي‮ ‬يد الجزائريين في‮ ‬الخرطوم وإصابة‮ ‬21‮ ‬مصريا أغلبهم بإصابات طفيفة،‮ ‬ولا نشكو ولا نتألم من ترويع المصريين في‮ ‬فرشوط وديروط وملوي‮ ‬وغيرها من مدن الصعيد وقراه بالرغم من سقوط‮ ‬قتلي‮ ‬وعشرات المصابين؟‮!‬
وإذا كان الأمن السوداني‮ ‬قد أخذ علي‮ ‬غرة فلم‮ ‬يوفر للمشجعين المصريين الحماية الكافية في‮ ‬موجات الاعتداء الأولي‮..‬فما هي‮ ‬أعذار الأمن المصري‮ ‬في‮ ‬عدم حماية أرواح وممتلكات المسيحيين من موجات اعتداء ممتدة من المنيا إلي قنا؟‮!‬
أين فضائيات الصراخ والعويل لمناصرة هؤلاء الذين‮ ‬يتعرضون للترويع حتي الآن؟‮!..‬هل ذنبهم أنه ليس بينهم المطرب محمد فؤاد ولا النجم أحمد بدير ولا الممثلة ريهام سعيد ولا أعضاء من الحزب الوطني‮ ‬ولا نواب في‮ ‬مجلس الشعب‮ ‬يستنجدون بمذيع فضائي‮ ‬صديق؟‮!‬،‮ ‬وإذا كان هؤلاء المصريون الضحايا من البسطاء وليسوا من الفنانين‮ "‬المرعوبين‮" ‬ولا‮ ‬يعرفون أرقام تليفونات‮ "‬الفضائيين‮"..‬فهل ندعهم‮ ‬يواجهون وحشية التطرف والتعصب الأعمي؟‮!‬
يا تري‮ ‬ألا‮ ‬يوجد مثقف مصري‮ ‬أو فنان أو حتي السيد علاء مبارك‮ "‬يعمل مداخلة‮" ‬مع قناة فضائية ويشجب‮ "‬الاعتداءات‮" ‬الهمجية علي أهلنا من المسيحيين في‮ ‬الصعيد؟‮!‬ لماذا لم تفرد برامج التليفزيون ساعات من البث المباشر لتغطية وقائع اعتداء هؤلاء المتطرفين والمتعصبين المسلمين علي عشرات المصريين المسيحيين؟‮!‬ لماذا لم‮ ‬يتقدم الخبراء‮ "‬الكلامنجية‮" ‬ويحللون الأزمة المصرية المصرية كما حللوا الأزمة المصرية الجزائرية لعلنا نعثر علي‮ "‬دواء ناجع‮" ‬لحالة الكراهية التي‮ ‬شبت في‮ ‬ثيابنا وتحت جلودنا ضد بعضنا البعض؟‮!‬
هذه تساؤلات مشروعة حين نقارن بين ما حدث في‮ ‬الخرطوم وما حدث في‮ ‬فرشوط‮..‬ وإذا كانت مصر الرسمية تطالب الجزائر بمحاسبة الذين‮ "‬صنعوا‮" ‬جريمة الخرطوم،‮ ‬فمن حقنا أن نطالب‮ "‬السلطات المصرية‮" ‬بمحاسبة الذين‮ "‬ارتكبوا‮" ‬جرائم فرشوط وديروط وملوي‮ ‬وغيرها‮.‬
لكن الأهم من المحاسبة هو‮ "‬دولة القانون‮"..‬لا‮ "‬المصالحات العرفية‮"‬،‮ ‬دولة القانون لا تتسامح مع الذين‮ ‬يهددون سلامة الدولة،‮ ‬أما الجلسات العرفية فهي‮ ‬خطر مستتر‮ ‬يزحف ويزلزل أركان الدولة‮..‬ وأتصور لو أن الحكومة المصرية تعمل بالقانون وليس بالعرف في‮ ‬الأحداث الطائفية،‮ ‬لما انحدرنا إلي هذا الدرك بمخاطره المرعبة‮.‬
ولو دققنا النظر في‮ ‬أخر أحدث العنف الطائفي‮..‬سنجد أن الناس في‮ ‬فرشوط تصرفت كما لو أن القانون مات‮..‬وشبع موتا‮!‬ فالحكاية أن شابا عمره‮ ‬21‮ ‬سنة اغتصب صبية عمرها‮ ‬12‮ ‬سنة،‮ ‬جريمة حدثت من قبل وسوف تحدث فيما بعد ولن تتوقف،‮ ‬لكن لأن الشاب مسيحي‮ ‬والصبية مسلمة،‮ ‬انقلبت الجريمة الجنسية إلي جريمة دينية،‮ ‬كما لو أن الصبية اغتصبت لأنها مسلمة،‮ ‬فكيف لا‮ ‬يثأر‮ ‬المسلمون لشرفهم المنتهك من كل المسيحيين الذين‮ ‬يعيشون في‮ ‬مدينة فرشوط،‮ ‬علي أساس أن كل المسيحيين هم الذين ارتكبوا هذه الجريمة‮" ‬المدبرة‮"‬،‮ ‬وليس مجرد فرد منفلت الأعصاب والقيم‮..‬
وبالطبع لو كان الشاب مسلما ما تجمع المسلمون ومارسوا عنفا مقيتا ضد ملكيات الأقباط فحرقوا منها‮ ‬40‮ ‬محلا،‮ ‬كما ضربوا كل مسيحي‮ ‬صادفهم في‮ ‬الطريق‮..‬
لا‮ ‬يستطيع أي‮ ‬عاقل أن‮ ‬ينكر أن حريق الغضب من الجريمة سوف‮ ‬يشتعل لا محالة،‮ ‬خاصة في‮ ‬مجتمع صعيدي‮ ‬شرف البنت عنده أهم من حياته،‮ ‬لكن هذا الغضب لن‮ ‬يطول‮ "‬أهل‮" ‬الجاني‮ ‬وأصحابه وأصدقاءه واقاربه وجيرانه وسكان شارعه أو منطقته،‮ ‬وإنما سيقتصر علي‮ "‬المجرم‮" ‬هاتك الأعراض فقط،‮ ‬وربما عائلته المباشرة التي‮ ‬لم تعرف كيف تربي‮ ‬أبنها‮..‬
ولو فرضنا جدلا أن الشاب كان مسلما والصبية كانت مسيحية‮..‬فكيف تكون الأوضاع؟‮!..‬بالقطع كان مسار الأحداث قد تبدل تماما،‮ ‬وتركت القضية برمتها في‮ "‬يد‮" ‬الأمن والإجراءات القانونية‮..‬ربما هاج بعض شباب الأقباط وتجمهروا وهتفوا واعتبروا الجريمة محاولة من الشاب أن‮ ‬يتزوج البنت قسرا ليحولها إلي الإسلام‮..‬ربما جاءت ردود أفعال صاخبة من منظمات الأقباط في‮ ‬المهجر من أول بيانات إدانة إلي رسائل استغاثة إلي الرئيس الأمريكي‮ ‬ضد شباب المسلمين الذين‮ ‬يغتصبون الفتيات القبطيات بالآلاف‮.‬
لكن الواقع كان‮ ‬يحمل‮ "‬تفاصيل‮" ‬مختلفة،‮ ‬وهي‮ ‬أن الجاني‮ ‬مسيحي‮ ‬وأن الضحية مسلمة،‮ ‬وهنا‮ ‬يتواري‮ ‬القانون أو‮ ‬ينزوي‮ ‬ويقعد كسيحا في‮ ‬ركن معتم،‮ ‬ويدع الغوغاء‮ ‬يكسرون ويضربون ويهينون ويروعون كل مسيحي‮ ‬في‮ ‬مدينة فرشوط،‮ ‬إلي درجة أن البنات القبطيات‮ ‬يخشين الخروج من بيوتهن خوفا من‮ "‬الانتقام الجنسي‮" ‬للمسلمين‮!‬ هل هذا معقول؟‮!‬
أين دولة القانون؟‮!‬ أين كانت أجهزة الأمن وهذه الأحداث العنيفة تقع؟‮!..‬ولماذا لم تمنعها من البداية؟‮!‬،‮ ‬ولماذا لم تظهر ان للقانون سيفا ودرعا قادرا علي حماية كل مصري‮ ‬يعيش داخل حدود الدولة المصرية حتي لو كان مجرما،‮ ‬فالمجرم‮ ‬يحاسبه القانون لا الناس،‮ ‬ولا‮ ‬يجوز التحجج بأن الثأر طبيعة صعيدية،‮ ‬فاغتصاب البنت رغم بشاعته ليست جريمة عائلة ضد عائلة ولا فرد ضد فرد،‮ ‬ورد الفعل جريمة جماعة متعصبة متطرفة لا تري‮ ‬إلا نفسها فقط هي‮ ‬صاحبة الوطن‮..
‬وصاحبة القانون فيه وبالمناسبة المسيحيون ليسوا شركاء في‮ ‬الوطن،‮ ‬وإنما هم أصحابه مثل المسلمين تماما،‮ ‬فالشراكة‮ ‬يمكن فضها،‮ ‬لكن‮ "‬الملكية الجماعية‮" ‬لا تفض‮!‬
ما‮ ‬يحدث في‮ ‬الصعيد جرائم‮ ‬يجب عقاب مرتكبيها بشدة وصرامة مهما كان عددهم،‮ ‬حتي‮ ‬يشعر الناس أننا فعلا في‮ ‬دولة القانون والمواطنة‮..‬
وبقي‮ ‬سؤال لكم جميعا‮: ‬هل أحداث الخرطوم أهم من أحدث فرشوط؟‮!‬،‮ ‬للعلم إذا لم نستطع رد حقوق المسحيين في‮ ‬فرشوط‮ ‬،‮ ‬فلن نستطيع أخذ حقوق المصريين من الجزائريين‮!‬

نقلا عن جريدة الوفد
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٢ صوت عدد التعليقات: ١٧ تعليق

الكاتب

نبيل عمر

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

من الخرطوم إلي فرشوط‮.. ‬يا قلبي‮ ‬لا تحزن‮!‬

جديد الموقع