بقلم: نبيل عمر
هل نحن أمة في غيبوية؟!
هل كان أنيس منصور دقيقا في وصفه لنا - في حواره مع الصحفية اللامعة نشوة الحوفي- بأن مصر أمة استفحل فيها المرض وانتهي عمرها الافتراضي؟!
إذا كان ذلك غير صحيح.. فلماذا لم ننتبه لما يجري في الصعيد ضد مسيحيين علي يد بلطجية من المتعصبين؟، ولماذا نترك المتعصبين والمتطرفين الدينيين يشعلون النار فينا جهارا نهارا ويمزقون بلادنا ويجرجروننا جرا إلي الهاوية؟!
كيف نتألم ونشكو من ترويع المصريين علي يد الجزائريين في الخرطوم وإصابة 21 مصريا أغلبهم بإصابات طفيفة، ولا نشكو ولا نتألم من ترويع المصريين في فرشوط وديروط وملوي وغيرها من مدن الصعيد وقراه بالرغم من سقوط قتلي وعشرات المصابين؟!
وإذا كان الأمن السوداني قد أخذ علي غرة فلم يوفر للمشجعين المصريين الحماية الكافية في موجات الاعتداء الأولي..فما هي أعذار الأمن المصري في عدم حماية أرواح وممتلكات المسيحيين من موجات اعتداء ممتدة من المنيا إلي قنا؟!
أين فضائيات الصراخ والعويل لمناصرة هؤلاء الذين يتعرضون للترويع حتي الآن؟!..هل ذنبهم أنه ليس بينهم المطرب محمد فؤاد ولا النجم أحمد بدير ولا الممثلة ريهام سعيد ولا أعضاء من الحزب الوطني ولا نواب في مجلس الشعب يستنجدون بمذيع فضائي صديق؟!، وإذا كان هؤلاء المصريون الضحايا من البسطاء وليسوا من الفنانين "المرعوبين" ولا يعرفون أرقام تليفونات "الفضائيين"..فهل ندعهم يواجهون وحشية التطرف والتعصب الأعمي؟!
يا تري ألا يوجد مثقف مصري أو فنان أو حتي السيد علاء مبارك "يعمل مداخلة" مع قناة فضائية ويشجب "الاعتداءات" الهمجية علي أهلنا من المسيحيين في الصعيد؟! لماذا لم تفرد برامج التليفزيون ساعات من البث المباشر لتغطية وقائع اعتداء هؤلاء المتطرفين والمتعصبين المسلمين علي عشرات المصريين المسيحيين؟! لماذا لم يتقدم الخبراء "الكلامنجية" ويحللون الأزمة المصرية المصرية كما حللوا الأزمة المصرية الجزائرية لعلنا نعثر علي "دواء ناجع" لحالة الكراهية التي شبت في ثيابنا وتحت جلودنا ضد بعضنا البعض؟!
هذه تساؤلات مشروعة حين نقارن بين ما حدث في الخرطوم وما حدث في فرشوط.. وإذا كانت مصر الرسمية تطالب الجزائر بمحاسبة الذين "صنعوا" جريمة الخرطوم، فمن حقنا أن نطالب "السلطات المصرية" بمحاسبة الذين "ارتكبوا" جرائم فرشوط وديروط وملوي وغيرها.
لكن الأهم من المحاسبة هو "دولة القانون"..لا "المصالحات العرفية"، دولة القانون لا تتسامح مع الذين يهددون سلامة الدولة، أما الجلسات العرفية فهي خطر مستتر يزحف ويزلزل أركان الدولة.. وأتصور لو أن الحكومة المصرية تعمل بالقانون وليس بالعرف في الأحداث الطائفية، لما انحدرنا إلي هذا الدرك بمخاطره المرعبة.
ولو دققنا النظر في أخر أحدث العنف الطائفي..سنجد أن الناس في فرشوط تصرفت كما لو أن القانون مات..وشبع موتا! فالحكاية أن شابا عمره 21 سنة اغتصب صبية عمرها 12 سنة، جريمة حدثت من قبل وسوف تحدث فيما بعد ولن تتوقف، لكن لأن الشاب مسيحي والصبية مسلمة، انقلبت الجريمة الجنسية إلي جريمة دينية، كما لو أن الصبية اغتصبت لأنها مسلمة، فكيف لا يثأر المسلمون لشرفهم المنتهك من كل المسيحيين الذين يعيشون في مدينة فرشوط، علي أساس أن كل المسيحيين هم الذين ارتكبوا هذه الجريمة" المدبرة"، وليس مجرد فرد منفلت الأعصاب والقيم..
وبالطبع لو كان الشاب مسلما ما تجمع المسلمون ومارسوا عنفا مقيتا ضد ملكيات الأقباط فحرقوا منها 40 محلا، كما ضربوا كل مسيحي صادفهم في الطريق..
لا يستطيع أي عاقل أن ينكر أن حريق الغضب من الجريمة سوف يشتعل لا محالة، خاصة في مجتمع صعيدي شرف البنت عنده أهم من حياته، لكن هذا الغضب لن يطول "أهل" الجاني وأصحابه وأصدقاءه واقاربه وجيرانه وسكان شارعه أو منطقته، وإنما سيقتصر علي "المجرم" هاتك الأعراض فقط، وربما عائلته المباشرة التي لم تعرف كيف تربي أبنها..
ولو فرضنا جدلا أن الشاب كان مسلما والصبية كانت مسيحية..فكيف تكون الأوضاع؟!..بالقطع كان مسار الأحداث قد تبدل تماما، وتركت القضية برمتها في "يد" الأمن والإجراءات القانونية..ربما هاج بعض شباب الأقباط وتجمهروا وهتفوا واعتبروا الجريمة محاولة من الشاب أن يتزوج البنت قسرا ليحولها إلي الإسلام..ربما جاءت ردود أفعال صاخبة من منظمات الأقباط في المهجر من أول بيانات إدانة إلي رسائل استغاثة إلي الرئيس الأمريكي ضد شباب المسلمين الذين يغتصبون الفتيات القبطيات بالآلاف.
لكن الواقع كان يحمل "تفاصيل" مختلفة، وهي أن الجاني مسيحي وأن الضحية مسلمة، وهنا يتواري القانون أو ينزوي ويقعد كسيحا في ركن معتم، ويدع الغوغاء يكسرون ويضربون ويهينون ويروعون كل مسيحي في مدينة فرشوط، إلي درجة أن البنات القبطيات يخشين الخروج من بيوتهن خوفا من "الانتقام الجنسي" للمسلمين! هل هذا معقول؟!
أين دولة القانون؟! أين كانت أجهزة الأمن وهذه الأحداث العنيفة تقع؟!..ولماذا لم تمنعها من البداية؟!، ولماذا لم تظهر ان للقانون سيفا ودرعا قادرا علي حماية كل مصري يعيش داخل حدود الدولة المصرية حتي لو كان مجرما، فالمجرم يحاسبه القانون لا الناس، ولا يجوز التحجج بأن الثأر طبيعة صعيدية، فاغتصاب البنت رغم بشاعته ليست جريمة عائلة ضد عائلة ولا فرد ضد فرد، ورد الفعل جريمة جماعة متعصبة متطرفة لا تري إلا نفسها فقط هي صاحبة الوطن..
وصاحبة القانون فيه وبالمناسبة المسيحيون ليسوا شركاء في الوطن، وإنما هم أصحابه مثل المسلمين تماما، فالشراكة يمكن فضها، لكن "الملكية الجماعية" لا تفض!
ما يحدث في الصعيد جرائم يجب عقاب مرتكبيها بشدة وصرامة مهما كان عددهم، حتي يشعر الناس أننا فعلا في دولة القانون والمواطنة..
وبقي سؤال لكم جميعا: هل أحداث الخرطوم أهم من أحدث فرشوط؟!، للعلم إذا لم نستطع رد حقوق المسحيين في فرشوط ، فلن نستطيع أخذ حقوق المصريين من الجزائريين! |