CET 00:00:00 - 05/12/2009

مساحة رأي

بقلم: صبري الباجا
تمهيد
تعتبر علاقة النظام المصري ــ وليس علاقة مصر ــ باسرائيل أكبر من أن تكون علاقة سلام أو صداقة بين دولتين تربطهما إتفاقية سلام ، أو علاقات الجيرة الجغرافية ، والأغرب أن تتم هذه العلاقات الحميمية في ظل الرفض الشعبي المصري لإسرائيل وسياساتها العدوانية تجاه الفلسطينين ، وتجاوزات ساستها مرحلة التلاسن علي مصر إلي درجة تهديد أمنها القومي ( كما في تصريحات أفيجدور لبرمان الذي أصبح وزيرا لخارجيتها ) ، فضلا عن الممارسات العسكرية الاسرائيلية المستفزة علي الحدود المصرية والتي أوقعت عددا من الجنود المصريين مابين قتيل وجريح !!

التواطؤ
ويبدوا أن كل من الطرفين ( النظام المصري ) و (إسرائيل ) قد ركنتا للتفاهمات الثنائية كصفقة بينهما ودون أن تضعا في الاعتبار أية أهمية أو حساب لمشاعر الشعب المصري (!) :
إسرائيل سعيدة باستخدامها لقوتها العسكرية دون رد فعل وثقتها واطمئنانها إلي صمت النظام المصري بل و تسخيره لتحقيق أهدافها . والنظام المصري معتمدا علي جهاز الأمن الداخلي القادر علي قمع أية إعتراضات جماهيرية مضادة للسياسات الاسرائيلية مقابل تأييد اسرائيلي بمساعدته علي الاستمرار في الحكم ( عن طريق التمديد أو التوريث ) .
ولقد شهدنا الممارسات القمعية التي مارسها أمن النظام المصري في مواجهة الاحتجاجات الشعبية ضد االحرب الوحشية التي طبقتها اسرائيل في حرب غزة الأخيرة وتبني النظام المصري وجهة النظر الاسرائيلية، وهو الأمر الذي دفع كاتبا مثل د.حسن نافعة لأن يتهم النظام المصري صراحة بالتواطؤ عندما كتب :
" لا أعتقد أن هناك كلمة أخرى غير( التواطؤ ) يمكن أن تصف سلوك النظام الرسمى المصرى خلال الأزمة الحالية." مضيفا : " أن سلوك النظام المصرى على الصعيدين الدبلوماسى والإعلامى، صب لصالح إسرائيل ، وفي توثيق للأداء المصري علي الصعيدين الدبلوماسي والإعلامي ذكر الكاتب :

 علي الصعيد الدبلوماسى:
ــ لم يقم النظام المصرى بتوظيف أى من أدوات الضغط، التى يملكها، كالتهديد بسحب أو استدعاء السفير المصرى من تل أبيب وقطع إمدادات الغاز، إذا لم توقف إسرائيل عدوانها فورا، واستخدم لغة دبلوماسية تتسم بالميوعة .
 ــ سعيه، بالتنسيق مع كل من السعودية والأردن، لعرقلة المبادرات الرامية لعقد قمة عربية طارئة خوفا من أن تتخذ القمة مواقف متشددة لا يريدها وليس مستعدا للتجاوب معها، مما ساعد مرة أخرى على منح إسرائيل وقتا إضافيا لتنفيذ مهامها.

على الصعيد الإعلامى:
بدت مصر الرسمية، من خلال إعلامها، وكأنها تبرر ما ترتكبه إسرائيل من مذابح من خلال محاولة إلقاء المسؤولية على حماس. فهل هناك إيحاء بالتواطؤ أكثر من هذا؟

الرئيس بنفسه يشارك :
وفي ذات المشهد شارك السيد الرئيس محمد حسني مبارك بتصريحة الشهير آنذاك :
"يجب ألا تخرج حماس منتصرة في هذه الحرب"
وهو ما جعل البعض يتسائل وقتها: لماذا يخاطر النظام المصري ويراهن علي كسب الود الإسرائيلي ؟!!.
يومها كان التفسير الاحتمالي أنها مقدمــة لشـراكـة اسـرائيليــة في حكم مصر فالنظام المصري لم يعد له شيء يحرص عليه لدي الشعب المصري بعد أن استشعر مدي السخط الشعبي وأن آخـرته اقتربت ، ووجد عليه لزامـا أن يمهد الأرض سر يعا لوريثه القادم ــ المرفوض شعبيا ــ لكي يجيء محمولا ومحميا بقـوة التأييد الاسرائيلي باعتبارها القوي الوحيدة والراغبة في ذلك ، وبدا أن اليقين قد وصل به الي أن لا استمرار لحكمه في مصرالا بمشاركة اسرائيلية أو علي الأقل بموافقـة صريحة منها ، فقدم ما قدم كعربون اتفاق مبدئي لشراكة اسرائيلية مع ابنه الوريث في حكم مصر .

إسرائيل و ... رئيس مصر القادم !!
من سيخلف مبارك ؟ سؤال يشغل بال الكثير من الدول ، والمهتمين بستقبل مصر وتختلف التكهنات حول ذلك القادم ، لكن ذلك لم يتعدي دور التخمينات ، ولم يصدر عن أي من الدول الخارجية تأييدا ــ بالتصريح أو التلميح ــ لشخص محدد ، وقد أجابت سكوبي السفيرة الأمريكية بالقاهرة : " ذلك شأن مصري داخلي " عندما سؤلت عن الشخص الذي تراه أمريكا مناسبا لخلافة مبارك !! .
لكن بالنسبة لإسرائيل الأمر كان مختلفا!!!!

اسرائيل تصوت لصالح لجمال مبارك!!
في دراسة صادرة عن "مركز بيجن ـ السادات للدراسات الإستراتيجية" بمناسبة مرور 30 عاماً على مُعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عن السيناريوهات المُحتملة في حالة غياب الرئيس المصري محمد حُسني مُبارك عن الحُكم بشكل مُفاجئ.
قالت الدراسة : أنه في حالة غياب الرئيس مُبارك بشكل مُفاجئ قد يتمزق النُظام، وتتقلص فُرص جمال مبارك في الفوز بالمنصب الرفيع وسيرفُضه المصريون في حالة إجراء انتخابات نزيهة نكاية في والده ونظامه الحاكم، وأن الإخوان قد يستغلون حالة الفراغ السياسي في زيادة نفوذهم والتحالـُف مؤقتاً مع تيارات المُعارضة لإذكاء الغضب الشعبي وتنظيم المُظاهرات للوصول إلى السُلطة والتخلـُص من قوى المُعارضة العلمانية، كما اعتبرت الدراسة إن هـذا السيناريـو سيؤدي إلى قطع العلاقات مع إسرائيل وربما يُسفر عن صدام عسكري في شبه جزيرة سيناء ، وانتهت الدراسة بنصيحة مباشرة لمتخذي القرار في إسرائيل بــ :
" أنه يجب على إسرائيل أن تؤيد من سيخلف الرئيس مُبارك في الحُكم إذا ما كان خليفته على هوى إسرائيل، وأن هذا الدعم لخليفة الرئيس سوف لا يكون علانية بل بطريق رسمي غير مباشر من خلال تشجيع أوروبا وواشنطن مصر اقتصادياً لتثبيت إقدام الوافد الجديد.
وكانت منذ أسابيع قد تسرّب معلومات عن وثيقة أعدتها اسرائيل تحمل توصيات إلى الإدارة الأميركية بشأن مستقبل السلطة في القاهرة. توصيّات تركّز على دعم جمال مبارك لوراثة والده، وتحذّر من وصول غيره إلى السلطة، وذكرت مصادر دبلوماسيّة مطلعة في القدس المحتلة، أن وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، تسلمت من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال لقائهما في القدس ، وثيقة تحمل عنوان «رؤية إسرائيل لمستقبل الحكم في مصر». وقالت المصادر إن نتنياهو سلّم كلينتون وثيقة تتحدث عن ما تسميه «مخاطر» بعض القيادات المصرية التي قد تكون مرشحة لتولي الحكم بعد الرئيس حسني مبارك، وترى في أن المرشح الأفضل للسلام هو نجل الرئيس، جمال مبارك.
والثابت في هذا المجال هو أن الإعلام الإسرائيلي يقدم جمال مبارك في أغلب الأحوال في صورة مقبولة مع حرص خبيث علي ألا يبدو متلبسا بالترويج له بشكل مباشر
أما الصحفية الإسرائيلية «سمدار بيري» المقربة من دوائر صنع القرار في مصر فقد كتبت تقول في يديعوت أحرونوت بشكل مباشر إن تل أبيب تفضل مبارك الابن وتفضله عن بقية المرشحين .
وكانت هاآرتس قد أبرزت في نهاية مارس من العام الحالي أنه بينما يعتبر المصريون أن ليبرمان خطر علي السلام فإن الجانب الإسرائيلي يري أن تغير السلطة بعد مبارك الأب سيمثل خطراً علي السلام .

اسرائيل تصوت ضد البرادعي كرئيس لمصر!!
وإذا كان ما سبق هو بمثابة تأييد اسرائيلي مباشر لصالح جمال مبارك ،غير أن الأمر تعدي دور التأييد والمساندة إلي الاعتراض علي البديل المحتمل لمنافسة جمال مبارك ، وتمثل ذلك في تعرض الدكتور محمد البرادعي لحملة هجوم إسرائيلية في أعقاب ما تردد عن ترشحه للانتخابات الرئاسية في مصر المقررة عام 2011، حيث صرح إيلي شاكيد السفير الإسرائيلي الأسبق بمصر لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إن البرادعي ليس له أي قوة أو سلطة داخل المؤسسة السياسية والعسكرية في مصر، ولذلك فمن المشكوك فيه أن يمثل أي تحدي حقيقي لمبارك أو لأحد من وارثيه المحتملين المختبئين الآن، وعلى رأسهم نجله جمال مبارك ووزير الدفاع حسين طنطاوي ورئيس المخابرات العامة عمر سليمان.
ولم تخف "يديعوت" في تقريرها الذي نشرته مؤخرا الشماتة الإسرائيلية في البرادعي في أعقاب مغادرته منصبه، قائلة إنه بعد 12 عاما من عمله على مدى ثلاث ولايات أنهى أمس محمد البرادعي وظيفته كمدير عام وكالة الطاقة الذرية، لافتة إلى أن البرادعي مصري الجنسية أصبح على مدى تاريخه الوظيفي شخصية من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل داخل إسرائيل.
ونسبت الصحيفة إلى مصادر أمنية وسياسية بتل أبيب هجومها على البرادعي وسياساته تجاه إسرائيل، قائلة إنه كان يقوم بخدمة "أجندات سياسية" وإقحامها في عمل الوكالة وقراراتها الصادرة عنها، والتي يشترط فيها النزاهة والموضوعية.

وإذا كان ماسبق يعتبر بمثابة تصويت مبكر لإسرائيل في صندوق إنتخابات الرئاسة المصرية عام 2011 ، فإن الأمر الذي يستحق التأمل هو تسارع بعض اقلام كتبة النظام المصري ــ في الصحف القومية والمحسوبين علي قائمة خدمة الأهداف الإسرائيلية بترديد نفس المزاعم الإسرائيلية وإن كانت بإسلوب أكثر بذاءة وإسفاف وأشد انحطاطا .

كاليفورنيا / الولايات المتحدة
s.elbaga@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق