بقلم / ماجد سمير
مر أيام على رحيل "عبده على ما تفرج" من البيت بعد هجمة سداد مستحقات النور والميه والغاز المباغتة، من يومها والكل بيدور عليه والناس يأست من رجوعه أمه بتقول إنه عمره ما عملها قبل كدا بس هو زهق يا عيني من اللي هو فيه، بقى مش عارف يا ولداه يسد على طلبات البيت والحال بقى ضيق قوي، زينات من ساعة جوزها ما مشي وهي ساكتة مش بتتكلم عن غيابه مع حد، بس باين على وشها إنها ذي ما يكون كبرت 30 سنة من شيل الهم والنكد
ويوماتي بقت بتنزل تقعد على الفرشة بتاعة الخضار، التجار ليهم فلوس ولازم أنزل أشوف حل لحد ما الراجل يرجع، أمال يعني هناكل ونشرب منين دايماً بتقول كدا، حال البيت أتغير الضحك والقعدة مع باتعة صاحبة الكشك اللي ناصية الحارة خلاص مابقاش بيحصل.
وفي يوم الصبح بدري صحيت عائلة "على ما تفرج" ذي العادة بدري، الولاد عطا وعطية هيفطروا ويروحوا المدرسة وعطوان لسة نايم، زينات هاتصحيه لما تنزل تقعد على فرشة الخضار أما أم عبده فتقريباً مانامتش من ساعة ما ابنها مشي قاعدة على باب البيت ليل نهار عنيها مبتنزلش من على الأول الحارة يمكن تلمح ابنها وهو جاي.
وقبل ما الولاد يخلصوا الفطار العجوز أم عبده خرجت فتحت الباب وقعدت نفس القعدة زينات قالتها خشي ياما الجو برد عليكي الحكاية مش ناقصة، ردت العجوز وهي بتلف جسمها بالباطنية: هيحصل إيه أكتر من اللي حصل، وفجأة بطلت العجوز الكلام وبصت على أول الشارع وقالت أبوكو جه يا ولاد أنا شايفاه في أول الشارع.... أبوكو جه، لم يصدقها أحد فهي لا ترى لأبعد من متر ولكن باتعة صاحبة الكشك اللي دايماً في المدارس بتفتح بدري تبيع حلويات وأكياس كشري بيسهر فتحي أبنها طول الليل يطبخها، صرخت بصوت عال جداً يا أم عبده..... يا عطا أبوكو رجع تعالى يا واد يا عطا...... تعالي يا زينات
بسرعة نزلوا كلهم عطا كان أسرعهم نط من فوق جدته اللي كانت بتحاول تقوم وبتسند على العكاز ولاقا أبوه جه لابس نفس اللبس اللي مشي بيه بعد ما قلع الجلابية وعطاها لبتاع الغاز، اتخض من منظر أبوه وشه أصفر جداً وتحت عينه اليمين في أثر ضرب جامد باين من ألوان الطيف على وشه، وشِفّته اللي تحت باين فيها ورم وأثر جرح عليه دم ناشف، زينات صرخت مالك يا عبده مين اللي عمل فيك كدا، عبده مش بيرد وأول ما شاف أمه عند مدخل البيت حط راسه على صدرها وبكى بشدة ومرارة، العيال شافت أبوهم بيعيط مسكوا في "الكلسون" بتاعه وقعدوا يصرخوا زينات قعدت على الأرض بتبكي وباتعة وأخدها في حضنها وبتقول لها الحمد لله أنه رجع بالسلامة والحاجات دي بسيطة تتداوى بسرعة، عبد الله بتاع الحدايد والبوبات اللي ساكن في البيت اللي قداهم صحي هو ومراته وعياله نزلوا جري، صرخ عبد الله: مالوا عبده فيه إيه، أول ما شافه سأله مين اللي ضربك كدة قول لي يا صاحبي مين اللي عمل فيك كدة؟؟ عبده مش بيرد دخل جوة البيت والكل دخل وراه، ماكلمش حد راح داخل الأوضة بتاتعته وقفل الباب من جوه خبطوا عليه ماردش برضه على حد
على طول الخبر أنتشر في الحتة والكل عرف إن "عبده على ما تفرج" ناس كتير جات على البيت علشان تقابله لكن هو مش بيقابل حد، زينات اعتذرت لهم، "أبو نادم" قال لهم المهم يا جماعة رجعوه وشوية وها يروق ويبقى كويس.
ظل الوضع كما هو عليه متغيرش منه إلا أن عبد الله وفتحي ابن باتعة بعد فترة بقوا بيدخلوا يقعدوا مع "على ما تفرج" كل يوم قبل بيحاولوا إنهم يفوقوه من اللي هو فيه أو يقنعوه بنزول القهوة اللي صوت التليفزيون بتاعها واصل عندهم جايب نشرة الأخبار من الجزيرة بتتكلم عن اشتباكات بين الشرطة المصرية والمتظاهرين عند الجامعة، لكن مفيش فايدة "على ما تفرج" ساكت بيبص لهم وما بيتكلمش وعنيه بتتملي دموع، سكوته خلى دمعة العيال وأمهم وأمه "مانشفتش" من الحزن عليه.
مع الوقت حالة "على ماتفرج " إتحسنت شوية بقى بينزل الفرشة لكن مش بتكلم مع حد أكتر من حديث البيع والشراء مجرد تمثال بيأكل وبيشرب وبيتشغل، آله مش بتشكي ولابتحكي، الوضع الجديد إتعود عليه الكل حتى عبد الله وفتحي أصحابه القريبين زياراتهم وقعدتهم معاه قلت جداً "على ما تفرج عينه مليانة حزن غريب وسوادها اللي كان جميل أصبح كأنه حداد وبيقول كلمة واحدة "مفيش فايدة". |