كتبت: مادلين نادر
هل فكرت يوما ما في أن تكون مجبرا علي الجلوس بالمنزل لأنك لا تستطيع الخروج والتنقل خارج المنزل؟!! هذا بالفعل ما يحدث مع الأشخاص المعاقين حركيا في مجتمعنا, فبعد أن تحدثت مع بعض هؤلاء الأشخاص قررت الاقتراب أكثر من معاناتهم وجلست علي كرسي متحرك لمدة يوم. دعوني أروي لكم ما حدث في يوم علي كرسي متحرك ببعض المواصلات العامة بالقاهرة.
خرجت يوم الخميس 2009/11/12 في الساعة الثانية عشرة إلا ربعا من البيت في شارع سعيد بالظاهر بالكرسي المتحرك توقفت أمام الرصيف وارتفاعه الذي يصل لأكثر من 30سم الذي يجب اجتيازه للبدء في رحلة البحث عن مواصلات, وحينما شاهدتني سيدة ترتدي نقابا ومعها طفلها الصغير في الشارع وأنا أعاني بالكرسي للنزول من علي الرصيف بادرت مسرعة قائلة: أساعدك يا بنتي تنزلي.. ربنا يشفيكي ويشيل عنك كربك وتركت ابنها جانبا وحملت الكرسي من الأمام للنزول من علي الرصيف.
بدأت أتحرك بالكرسي في الشارع وهذا الأمر لم يكن بالهين فهناك صعوبة في تحريك الكرسي علي الأرض لأنها غير ممهدة وهناك تكسير شديد في الأرض وكنت أخشي علي الكرسي من التحطم خاصة وأن شراء كرسي جديد أمر مكلف فسعره لا يقل علي 700 جنيه في المتوسط, كانت الوسيلة الوحيدة في هذا المكان التي من الممكن ركوبها هي التاكسي, أول تاكسي أشير إليه نظر إلي الكرسي المتحرك وقال بشيء من اللامبالاة لا.. العربية ضيقة مش هتكفي!
مر أكثر من تاكسي كان الرفض هو ردهم إلي أن توقف لي تاكسي وقام بحمل الكرسي ووضعه علي شبكة السيارة وربطه بشكل محكم. ثم تحدثت معه أثناء الطريق عن أسباب عدم وقوف أي تاكسي لي, وعن سيارات المعاقين, قال: أصل دلوقتي الساعة 12 وصعب حد يقف لك في الزحمة. ممكن فعلا عربية المعاقين تكون كويسة بالنسبة لك أنا سمعت إنها بتبقي سعرها مخفض 20 ألف جنيه عن العربيات العادية, وأجهزة التحكم والقيادة فيها بتكون باليد فقط, هتكون أفضل لأنه صعب تركبي المترو أو الأتوبيس, هو ده الحل الوحيد مفيش غيره..!! أنا أعرف ناس اشتروها.
ونزلت من التاكسي في محاولة لركوب المترو محطة الأوبرا وتوقفت أمام السلم وبعد دقائق أتي إلي ثلاثة من الشباب ورجل كبير في السن وعرضوا علي المساعدة في نزول السلم الطويل فوافقت ولكن كنت متخوفة من صعوبة حمل الكرسي علي السلم, فكان ردهم ماتخافيش ووجدتهم يتحدثون سويا كيف يحملون الكرسي دون أن يأخذوا رأيي في شيء.
وبعد نزول السلم أدركت استحالة استكمال ركوب المترو بهذا الشكل ففي كل خطوة أحتاج ثلاثة أو أربعة أشخاص يحملونني بالكرسي فقررت العودة مرة أخري للصعود ولكني توقفت أيضا أمام السلم الطويل وهنا اقترح علي أحد الشباب أن أرتاد الأسانسير الموجود بالمحطة وهو مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة وذهب ليسأل عن مكان الأسانسير الأسانسير موجود بمحطات قليلة في الخط الثاني للمترو فقط وفي هذه الأثناء عرضت علي سيدة في الثلاثينيات المساعدة في صعود السلم ولكني كنت أعتقد أنني سأذهب إلي الأسانسير فشكرتها علي مبادرتها وقلت سأستخدم الأسانسير لكني وجدت الرد الأسانسير معطل فقام الأشخاص الخارجون من محطة المترو اثنان من العساكر ورجل في الخمسينيات من عمره بعرض المساعدة علي بأن يقوموا بحملي لطلوع السلم, وقبل أن أومئ إليهم بالموافقة كان رد فعلهم أسرع فقاموا بحملي بالكرسي قبل أن أوافقهم الرأي وحينما بدا علي الضيق بسبب ذلك قال لي الرجل الذي في عمر الخمسين الذي كان يساعد معهم ماتضايقيش نفسك يا بنتي, هتعملي إيه قضاء ربنا ماتزعليش نفسك أصل مفيس حل تاني..!!.
خرجت للشارع مرة أخري وكان علي أن أجتاز شارع التحرير للعبور إلي الجهة الأخري فكانت مشكلة جديدة وهي أن هناك حاجزا بين الاتجاهين مرتفعا لا أستطيع بمفردي تحريك الكرسي وعبوره, فانتظرت مساعدة المارة واضطروا أيضا لحمل الكرسي. وحينما وقفت في انتظار أي وسيلة مواصلات لم يقف لي أتوبيس فأصبح لا يوجد أمامي سوي البديل المكلف جدا وهو التاكسي, ورغم ذلك بعض سائقي التاكسي كانوا ينظرون إلي الكرسي ويشيرون بأيديهم بالرفض, ثم وقف تاكسي وركبت ثم وصلت به إلي موقف الأتوبيسات في عبدالمنعم رياض - التحرير - في الساعة الواحدة والنصف ظهرا, وما إن وصلت أمام أحد أتوبيسات النقل العام رقم 109 المتجه إلي إمبابة حتي احتجت للمساعدة لدفع الكرسي للأمام وسط الزحام, ووجدت درجات السلم مرتفعة والباب الأمامي به عمود حديدي في المنتصف يصعب معه مرور الكرسي فكان البديل استخدام الباب الخلفي وكانت هناك مشقة أخري فأنا أنتظر مبادرة الآخرين لمساعدتي, بالفعل بادر أحد الرجال في الأربعين من عمره يقف إلي جوار الأتوبيس وقام بدعوة آخرين من داخل الأتوبيس لمساعدته في حمل الكرسي منهم رجل يرتدي جلباب, وكانت هناك صعوبة لأن الباب لا يحتمل حجم الكرسي بالإضافة إلي الأشخاص الحاملين للكرسي.. وبعد أن قاموا بإدخالي إلي الأتوبيس وجدت أنه لا يوجد مكان بداخله للكرسي فقررت النزول مرة أخري وللأسف بنفس الطريقة, لكن النزول كان أسوأ بكثير فلقد شعرت أنني سأقع حتما لارتفاع درجات سلم الأتوبيس.. وكان من يحملون الكرسي يقولون ماتخافيش مفيش حاجة مش هتقعي وكان الحل الوحيد هو أن أغمض عيني في انتظار ما قد يحدث فليس بإمكاني شئ آخر لأفعله فأنا مضطرة لذلك!!!
وبعدها شعرت بأنني نجوت من إصابة محققة بسبب حملي بالكرسي بهذه الطريقة وعلي درجات الأتوبيس المرتفعة.. وقررت العودة بعد أن وجدت أنه لا أمل في وجود وسيلة مواصلات جيدة بالنسبة لي وأنا علي كرسي متحرك. فلا بديل لي إلا الجلوس بالمنزل لحين تغيير هذا الواقع الأليم الذي لا نعرف متي سيتغير؟!
.. وماذا عن الآخرين؟!
تحدثنا إلي بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية حول هذه المشكلة التي تعوقهم عن ممارسة الأنشطة الحياتية اليومية بشكل طبيعي.
* ميرفت إبراهيم طالبة بكلية الآداب بجامعة حلوان, إعاقة حركية تستخدم كرسي متحرك تقول: أكثر شيء متعب في المواصلات هو السلم خاصة في مترو الأنفاق فمثلا حينما أريد الركوب في اتجاه محطة المرج فإني أضطر إلي الذهاب لمحطة عين حلوان, وأركب المترو اللي رايح حلوان بالرغم من إني عايزة اتجاه المرج لكني مضطرة أعمل كده علشان ماقدرش أعدي السلم لأن الخط الأول للمترو لا يوجد به أسانسيرات إطلاقا, والخط الثاني للمترو في محطات قليلة بها أسانسير مثل كلية الزراعة والعتبة, وأضطر النزول في أي محطة منهم ثم آخذ تاكسي للعودة بي إلي المكان الذي أريد الذهاب إليه بالفعل.
* محمود عبدالكريم - طالب بكلية التجارة - لديه شلل أطفال بالقدمين ويستخدم عكازين يقول: السائقون لا يقفون لي وينظرون إلي وكأني سأعطلهم, وإذا حدث ووقف لي أتوبيس يكون مزدحما لا أجد مكانا للجلوس وبالرغم من وجود أماكن مكتوب عليها داخل الأتوبيس مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة إلا أن أحدا لا يلتزم..!! أما التاكسي بيزود السعر لأنه يعلم أنه ليس لي بديل غيره أو ما أخرجش من البيت أصلا.
* بسمة - شابة بالمنيا - شلل أطفال, تستخدم عكازا - تقول: بالرغم من وجود قرار 772 - 29 بتاريخ 2005/11/1 يمنح المعاق, تخفيضا في قطارات السكك الحديدية 75% من أجور السفر, إلا أنني أجد صعوبة في ركوب القطار بمفردي خاصة وأن الأرصفة بالقطار عالية. ده غير إن أي حد بيحاول يسندني ده بيكون مؤلم جدا لظهري. حتي إن الإمساك بالعكاز مجهد ومع التقدم في العمر يعتبر أمرا شاقا. ياريت يكون في تسهيلات لنا.. لأن عدم وجودها يجعلنا نتوقف عن الحياة بشكل طبيعي.
* مي عزيز شابة - إعاقة حركية, تستخدم عكازين - قالت: لأني من محافظة المنوفية أضطر لعدم العودة لمنزلي إلا كل فصل دراسي بدلا من العودة كل شهر مثلما تفعل زميلاتي لأني لا أستطيع التحرك في المواصلات بمفردي فأنتظر حضور والدتي للجامعة لاصطحابي للمنوفية.
* ع.ر شاب - ضعف إبصار شديد - يقول: في قوانين كتير موجودة بتسهيلات في وسائل المواصلات العامة لكنها غير مطبقة فمثلا يوجد قرار لمحافظ القاهرة بشأن ركوب بعض فئات من المعاقين لأتوبيسات هيئة النقل العام مجانا. لكن الآن أتوبيسات النقل العام أصبحت قليلة وحل محلها أتوبيسات خاصة لا تطبق الاشتراكات المجانية أو المخفضة. أما بالنسبة للمترو فهناك بروتوكول تعاون بين وزارة التضامن الاجتماعي ورئيس هيئة السكك الحديدية قرار رقم 60 - 4444/1/123/02 بتاريخ 2006/9/30 بتخفيض نسبة تذاكر المترو بنسبة 75% للمعاقين, ولقد حاولت منذ عدة أشهر الاتصال بالخط الساخن للمترو لأنه لا يطبق في كل المحطات, لكن رد علي الموظف وقال: فعلا في قانون لكن في فرق بين إصدار القانون وتطبيقه.. وازدادت دهشتي لما قالي يا ابني إحنا لما بنتعامل مع مكفوفين بنرفق بحالهم وبنخليهم يعدوا ببلاش أصلا من باب العطف عليهم مفيش داعي إنهم يدفعوا خالص, حرام...!!!.
الدكتور أشرف مرعي رئيس مؤسسة ناس للأفراد المعاقين بمصر الجديدة - يستخدم كرسيا متحركا - يتحدث حول هذا الموضوع, ويقول: إن القرارات المتعلقة بتسهيلات المواصلات للمعاقين في الواقع يستحيل تطبيقها..! لذلك نحن ندرس هذه المشكلة في محاولة لوضع حلول عملية لها. ومن وجهة نظري التحرك يكون في وسائل المواصلات المختلفة ففي مترو الأنفاق يجب وجود أسانسيرات بالمحطات المختلفة بدلا من السلالم الكثيرة جدا, وبالنسبة للمحطات التي يوجد بها أسانسيرات يجب أن تنتزع شعار معطل الذي لازمها لسنوات طويلة.
الأمر الثاني خاص بأتوبيسات النقل فمن المفترض أن وزارة النقل تقوم بطرح أتوبيسات جديدة سنويا, فلماذا لا تكون مجهزة وبها مواصفات تسهل علي الشخص المعاق حركيا استخدامها فيكون الأتوبيس دون درجات, ويكون في شريحة تخرج من الأتوبيس لسهولة حركة الكرسي المتحرك عليها للصعود والنزول من الأتوبيس. وأن يكون هناك مساحة متسعة داخل الأتوبيس للكرسي, بالإضافة إلي أن امتداد التخفيضات التي من المفترض أنها موجودة بأتوبيسات النقل العام إلي أتوبيسات القطاع الخاص الموجودة بكثرة حاليا.
نقلا عن جريدة وطني |