أكد دومينيك فورجلر، سفير سويسرا فى القاهرة أن حظر بناء المآذن فى بلاده جاء عبر استفتاء شعبى، وأن ذلك ليس موجهاً ضد المسلمين أو الإسلام، مشيراً إلى أن حكومة بلاده رفضت فى بادئ الأمر فكرة «المبادرة» التى تتحول إلى استفتاء إذا تم توقيع أكثر من ١٠٠ ألف صوت لمنع بناء المآذن ولكن تحت الضغط الشعبى وافقت بعد ذلك.
وقال فورجلر إن البرلمان رفض أيضاً هذه الفكرة ولكن لأن الديمقراطية فى سويسرا مباشرة - على حد قوله - فإن الشعب السويسرى هو الذى اختار ذلك.
وأضاف أن سويسرا فى المرحلة المقبلة ستحاول شرح الموضوع للعالم، وبخاصة الدول الإسلامية، حتى تقرب بين وجهات النظر.. وإلى الحوار:
■ بداية ما هى القصة الحقيقية وراء منع بناء مآذن المساجد فى سويسرا، ومتى بدأت؟
- بادئ ذى بدء أود أن أذكر أن موضوع المآذن أكبر من كلمة المآذن فقط، والبداية جاءت من إحدى القرى السويسرية عندما أراد سكان هذه القرية بناء مئذنة لمسجد القرية حتى يبدو المسجد وكأنه جامع أى يأخذ الشكل المتعارف عليه، ولكن السلطات البلدية هناك رفضت لأسباب شكلية لأنها لا تتماشى مع الشكل المعمارى هناك.
إذن موضوع المآذن كان يتعلق فقط بقانون البناء هناك وشأنها شأن أبراج الكنائس، ولك أن تعلم أن السلطات البلدية فى القرية رفضت تحت ضغط من السكان، وبعد ذلك طعن المسلمون فى هذه القرية على القرار، ووافق القاضى على هذا الطعن للمسلمين ببناء المئذنة، وبعد ذلك قام الذين بدأوا هذه «المبادرة» - يقصد من طلبوا عدم بناء المئذنة - فى الحديث عن أنه لا يتسنى لقاض أن يقرر أنه يمكن بناء مئذنة من عدمه، وعليه سوف نلجأ إلى القانون السويسرى الذى يتيح اللجوء إلى «المبادرات» لاتخاذ القرارات.
■ ماذا تقصد بـ«المبادرات»؟
- الاستفتاء.. الذى يبدأ بمبادرة من مجموعة من الأشخاص ثم تطرح فى البرلمان وتصبح استفتاء وهم بذلك استخدموا آلية المبادرة الشعبية فى سويسرا بجمع ما لا يقل عن ١٠٠ ألف توقيع، وهو ما يتيح المطالبة بتعديل مادة من مواد الدستور أو إدخال مادة جديدة، وبالفعل نجحوا فى جمع الأصوات، وكان لزاماً على الحكومة أن تلتزم بإجراء الاستفتاء بخصوص هذا الموضوع ولكن الحكومة أعربت عن رفضها لفكرة «المبادرة» والبرلمان تناول الموضوع وأعلن رفضه.
■ لماذا لم يصدر «قرار سيادى» بإنهاء هذا الموضوع؟
- من الناحية النظرية يمكن ذلك، ولكن ليس عن طريق الحكومة بل عن طريق البرلمان الذى يمكنه أن يقرر أن هذا الموضوع أو ذاك غير قابل للاستفتاء الشعبى لأسباب إنسانية، وبعض النواب فى البرلمان قالوا إن هذا الإجراء فيه بعض التمييز وفيه عدم احترام لعقائد الآخرين ولكن من الناحية الأخرى ظهرت أصوات تؤكد أن عدم طرح هذه المبادرة للاستفتاء سيفهم منه أن ذلك إجراء ضد الديمقراطية، وسيفهم من ذلك أن الحكومة والبرلمان السويسريين يضربان عرض الحائط بالرغبات الشعبية وعندما تم طرح الموضوع كانت الحكومة والبرلمان على يقين بأن الشعب سيرفض بناء المآذن.
■ دائماً سويسرا مثال للديمقراطية والتعددية وقبول الآخر.. وما حدث قد يخرجكم من هذا التصنيف.. ما رأيك؟
- أرى هذا الخطر.. ونحن جميعاً مصابون بنوع من خيبة الأمل ولكن نحن نحترم القانون، وبالنسبة لمعظم الدول الديمقراطية هى عبارة عن شىء ولكن فى سويسرا الديمقراطية هى ديمقراطية مباشرة، وفى جميع دول العالم القرارات تأتى من الرؤساء أو البرلمان وبالنسبة لنا القرارات تأتى من الشعب نفسه.
■ هل تتوقع مشكلات مع العالم العربى والإسلامى؟
- نعم، وأنا لاحظت أن هناك احتجاجات وأتفهم حدوثها وأتمنى عن طريق الشرح والتفسير والحوار أن يتسنى لنا أن نشرح للعالم الإسلامى أن نتيجة هذا الاستفتاء ليست ضد الديانة الإسلامية، وأتمنى أن نتحدث ونتحاور.. أعرف أن لدينا مشكلة، والحل عن طريق الحوار والتعاون الوثيق بين الدول وليس بين الصفوة فقط، وهنا أتذكر ما قلته لعمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية، والشيخ طنطاوى، شيخ الأزهر، وهو أننا فشلنا فى إجراء الحوار بين الناس العاديين الذين هم عامة الشعب، وكان حوارنا فقط بين الدول - يقصد الجانب الرسمى - وبين الصفوة وهذا هو الخطأ الكبير، وقد اتفقا معى فى هذا الرأى، وأعترف بأن هناك سوء فهم فى مصر أو سويسرا أو تركيا بخصوص هذا الموضوع.
■ ولكن عمرو موسى طالب باللجوء إلى المحكمة الدولية فى هذا الموضوع؟
- هذا الاحتمال وارد، وتحدث معى السيد عمرو موسى فى هذا الموضوع، وأنا على يقين أن هناك احتمالاً باللجوء إلى القانون الدولى، وأستطيع القول إننا سوف نلجأ إلى القانون الدولى فى هذا الموضوع بنسبة ١٠٠٪ وهناك طلب لبناء مئذنة جديدة وسوف تطرح أمام القاضى السويسرى أولاً وإذاً لم يقرر بناءها فسوف يتم اللجوء إلى القانون الدولى.
■ من الذى سيلجأ إلى القانون الدولى؟ الحكومة أم البرلمان؟
- أود أن أوضح أنه توجد مجموعة من المسلمين طلبت بناء المئذنة الخامسة وحصلوا على موافقة الحكومة السويسرية قبل ظهور نتيجة الاستفتاء بحظر بناء المآذن، وحالياً لأن الدستور السويسرى تغير فإن طلبهم معلق وأعتقد أنهم سيعرضون الطلب على القاضى السويسرى ثم القاضى الأعلى وهو القاضى الاتحادى، ثم بعد ذلك سيتم اللجوء إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية فى ستراسبورج، وهذه المحكمة تنظر الحالات الخاصة بحقوق الإنسان التى يطرحها الأشخاص ويتقدم إليها أشخاص من جميع الدول، وهناك سويسريون أيضاً يتقدمون أمامها بطلبات وسويسرا تحترم قرارات هذه المحكمة.
■ هناك ٤٠٠ ألف مسلم فى سويسرا ما موقفهم بعد هذا القرار؟
- الكثير من هؤلاء المسلمين سويسريون، وأستطيع القول إن كثيراً منهم موقفهم ممتاز وأنا شخصياً عشت فى قرية بها الكثير من المسلمين الذين حضروا من دول البلقان، وأستطيع القول إن ٩٩٪ منهم ليست لديهم مشكلة وهم أناس محترمون وسويسرا تحترمهم وشأنهم شأن أى طائفة أو مجموعة من السكان، هناك بعض الاستثناءات وقد تكون هذه الاستثناءات قد خلقت نوعاً من المشاكل.
■ صحف بريطانية كثيرة وجهت انتقادات شديدة لكم لدرجة أن وزيرة العدل السويدية التى تترأس بلادها الدورة الحالية قالت: «ليس بوسعنا بناء أوروبا جديدة دون حق حرية التعبير».. ما رأيكم؟
- أنا متفهم أن هناك ردود فعل كثيرة ولست مندهشاً، وأعتقد أن كثير من الدول لديها نفس الإشكالية الموجودة فى سويسرا، وأقول للأسف إن كثيراً من المجموعات تصفق لنا على اتخاذ هذا القرار، ولكننى لست سعيداً به وقد يكون هذا هو السبب الذى جعل الحكومات تبادر بالتنديد بهذا الإجراء بعد كل هذا التصفيق.
■ هل هناك دول اتخذت إجراءات ضد سويسرا؟
- حتى الآن لا يوجد.
■ هناك أصوات تطالب بمقاطعة البضائع السويسرية.. كيف ستواجهون هذا الأمر؟
- نعم، سمعت هذه الآراء ولا أعلم إذا ما حدثت إجراءات فى هذا الشأن ماذا سيحدث ولا أعلم ماذا سيكون رد فعل سويسرا والحكومة السويسرية فى هذا الموضوع، قبل الاستفتاء تحدثت مع الشعب بخصوص هذا الاحتمال وهو مقاطعة البضائع السويسرية، وأعتقد أنه عن طريق الحوار سوف نتمكن من شرح وجهة النظر والعمل على تقريبها.
■ ماذا عن رجال الأعمال السويسريين الذين لهم علاقات ومصالح مع الدول الإسلامية؟
- بالنسبة لرجال الأعمال السويسريين نحن نرى أن من مصلحتهم الاستمرار فى أعمالهم، وليس هناك أى بوادر على أنهم مطالبون باتخاذ إجراء معين أو حظر معين أو الاستبعاد أو شىء من هذا القبيل.
■ هل أنتم بالفعل خائفون من أسلمة أوروبا؟
- أنا شخصياً ليس لدىّ أى مخاوف من هذا النوع، ولكن هناك مخاوف من ارتفاع عدد المهاجرين من الدول الأخرى إلى سويسرا، وهناك خوف من السكان السويسريين على وظائفهم ومن هنا تأتى المشكلة، وأعيد وأكرر ليست لدينا مشكلة مع الديانة الإسلامية ولكن بعض المسلمين لم يندمجوا مع المجتمع السويسرى ونسبة صغيرة جداً لا تريد أن تتماشى مع قوانين سويسرا وهناك نسبة صغيرة تريد تطبيق الشريعة الإسلامية. والمشكلة ليست فى سويسرا ولكنها تمتد إلى أوروبا كلها وقرأت فى إحدى الصحف الناطقة بالفرنسية أن ٧٥٪ من قراء هذه الجريدة يطالبون بتطبيق مثل هذا الحظر فى فرنسا.
إذن هناك سوء فهم وتضخيم للحالات السلبية الاستثنائية فى أوروبا ضد المسلمين، وعدم الفهم يمتد أيضاً إلى الدول الإسلامية تجاه الأقليات غير الإسلامية والمسيحية على سبيل المثال، وعدم الفهم هذا هو عدم إدراك لقيم تلك الديانات ولابد أن ننزل بالحوار إلى الشرائح الشعبية حتى يحدث فهم متبادل.
■ هناك من يقول إن صدام الحضارات بدأ من سويسرا ومن قبلها فرنسا، وهو ما قال به صموئيل هنتنجتون.. ما رأيك؟
ـ لا أستطيع أن أصف ما حدث بالصدام، ويجب ألا ننسى أن فى سويسرا ٢٣٪ من السكان أجانب وهو عدد كبير جداً ولك أن تتصور أنه إذا جاء إلى مصر ٢٠ ألف أجنبى وليس ٢٣٪ من السكان.. سوف تحدث أنواع من الاحتكاكات، وسويسرا تعودت على تنوع السكان عندها ونحن استفدنا من ذلك، وقد أطلق عليه أنه نوع من التحدى لمواجهة المشكلة ونحن دائماً نواجه هذا التحدى بنجاح، وأود أن أكرر أن سبب المشكلة هو زيادة عدد المسلمين فى سويسرا، فبعد أن كانوا ٥٠ ألفاً أصبحوا ٤٠٠ ألف مسلم. وأود أن أقول إن «لا» التى حدثت فى الاستفتاء هى موجهة للإسلام السياسى ولا لتطبيق الشريعة ولا للزواج الجبرى ولا للختان فى سويسرا ويجب عليكم أن تحترموا قوانيننا.
■ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أعرب عن قلقه من عواقب صدور مثل هذا التشريع؟
ـ نأخذ فى اعتبارنا مثل هذا التنديد بجدية تامة لأن الحكومة السويسرية اعترفت بأن قرار حظر بناء المآذن هو قرار تمييزى وبالنسبة لمجلس حقوق الإنسان نأخذ انتقاداته على محمل الجد لأن سويسرا هى من أولى الدول التى ساهمت فى إنشاء مجلس حقوق الإنسان.
■ لماذا لا تحذون حذو فرنسا بإلغاء الشارات الدينية بشكل عام؟
ـ هناك من اختار المآذن كعلامة دينية، وفى فرنسا اختاروا الحجاب كعلامة دينية ولابد أن نلاحظ أن ٩٥٪ من المسلمين فى سويسرا جاءوا من دول البلقان والنساء منهم لسن محجبات وأعتقد أن عدد المحجبات فى سويسرا أقل بكثير من فرنسا، وقد يكون ذلك هو السبب فى أنهم لم يهتموا بالحجاب ولكنهم اهتموا بالمآذن، وأعيد وأكرر أن سويسرا ليس لديها أى شىء ضد المسلمين أو الإسلام بدليل أن كل اللاجئين المسلمين فى سويسرا جاءوا من البوسنة ومن كوسوفا وهم مسلمون، وليس لدينا أى مشاكل مع المسلمين ولكن كنا نتمنى فقط أن يندمجوا مع المجتمع السويسرى ويحترموا قوانيننا.
■ ماذا ستفعل الحكومة السويسرية فى المرحلة المقبلة تجاه هذه المشكلة؟
ـ الاهتمام حالياً بنشر المعلومات وتفسير ما حدث وسوف يتبلور ذلك من خلال رؤساء البعثات الدبلوماسية فى الدول الإسلامية، وأنا منهم، لشرح الموضوع والتحرك أيضاً من جانب أعضاء الحكومة لشرح ما حدث، وأخيراً الحوار.. وهو فتح حوار داخلى فى سويسرا بين الطوائف المختلفة. |