بقلم: نبيل شرف الدين
أسعدنى زمانى فى هذه الأيام الطيبة المباركة بدعوة عبر شبكة (Facebook) للالتحاق بمجموعة ينظم أعضاؤها حملة تحمل عنوان: «ردا على سويسرا: حملة منع بناء أبراج الكنائس ومنع الصلبان فى مصر».
وبغض النظر عن فجاجة العنوان المستفز، لكنه يعبر عن طريقة سائدة من التفكير لدى ملايين المصريين، ولا أفهم كيف تطاوع البعض ضمائرهم بالمقارنة بين كنائس مصر ومساجد سويسرا، فالأولى متجذرة فى المكان والزمان، وأبراج الكنائس كانت هنا قبل المآذن، هذه بالمناسبة وقائع تاريخية ليست وجهة نظر، بينما مساجد سويسرا دخيلة على تلك المجتمعات، وتصطدم بثقافة هؤلاء الناس، ليس من باب تعصبهم للمسيحية، فالشعب السويسرى حالياً لا يمكن اعتباره مسيحياً بالمعنى الذى يراود مخيلتنا، وحتى لو كانت سويسرا تعج بالكنائس، لكننى رأيتها بعينى خاوية على عروشها، لا يرتادها أحد اللهم إلا بعض العجائز.
ولو سلمنا جدلاً بأن السويسريين صوتوا لصالح قرار حظر المآذن بدوافع دينية، فكيف نعاقب أهلنا بجريرة الآخرين، وما ذنب المسيحى المصرى ليتحمل تبعات قرار السويسرى، الذى يتمتع بأفضل مستويات الحياة فى العالم، ويعيش فى ظل نظام سياسى هو الأكثر شفافية ونضجاً؟
مجدداً أؤكد أن علاقتنا فى مصر بأهلنا المسيحيين ليست مجرد علاقة عاطفية، تحكمها مشاعر المحبة أو الكراهية، فهذا المنطق، برأيى، محض هراء، لأنها «علاقة شراكة» تحكمها قاعدة الحقوق والواجبات، وليست المشاعر التى يمكن أن تتبدل وتتحول، كما لا يصح التعويل عليها فى وضع قواعد قانونية تُلزم الجميع بالتعايش السلمى.
نعود لدعوة (Facebook) التى تطالب بحظر أبراج الكنائس ومنع الصلبان فى مصر، وكتب القائمون عليها مبرراتهم قائلين «إن منع بناء المآذن لا يمثل فقط انتهاكاً لحرية المسلمين السويسريين والمقيمين هناك، بل يعد ضربة للإسلام عبر المسجد رمز المجتمع والثقافة الإسلامية».
دعونا لا ننزلق لمناقشة مغالطات كاختزال الإسلام فى المئذنة، بل سنسلم جدلاً بصحتها، وهى غير صحيحة، لهذا سنقر بأنها «خطوة تمييزية» لا تليق ببلد ديمقراطى مثل سويسرا، لكن يجب أن نتساءل أيضاً: لماذا يدفع المسيحى المصرى ثمن خيارات السويسريين الذين لا يشاركونه فى وطن ولا ثقافة ولا حقوق تاريخية ولا غيرها، مقارنة بالمسلم المصرى الذى تجمعه به شراكة فى كل شىء.
لماذا ينظر البعض للمسيحيين باعتبارهم «أجانب» ومنحازين للغرب، الذى لم يعد «نادياً مسيحياً»، لكنه «كيان علمانى» يرفض إقحام المعتقدات فى الحياة العامة، بعد أن حسم خياراته إثر توحش الكنيسة خلال القرون الوسطى، والآن لم يعد الدين مادة للجدل فى تلك المجتمعات؟!
وعلينا أيضاً أن نتفهم جدية مخاوفهم مما يصفونه بـ«أسلمة أوروبا»، فهم لم يتخلصوا من بطش الكنيسة ليحل محلها «الملالى»، ولهم الحق فى حماية مكتسباتهم التاريخية بالفصل الكامل بين الدين والدولة، فهذه خيارات الشعوب التى ارتضوها لأوطانهم، ولا يحق للآخرين أن يقتحموا مجتمعاتهم ليفرضوا عليهم الوصاية، من خلال طرح أجندة صراع دينى، لن يُحسم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فالأوروبيون انحازوا لثقافة الحياة، وليس الموت، واختاروا أن يهتموا بشؤون الأرض، بدلاً من السماء.
وانهالت بيانات التنديد بالقرار السويسرى الذى صدر بأغلبية شعبية، بينما لم نسمع من محترفى الشجب والتنديد كلمة واحدة تدين القيود المفروضة على بناء وترميم الكنائس فى مصر منذ الحكم العثمانى كالقانون المعروف بالخط الهمايونى، بل رأينا من يبرره ويدافع عنه، فضلاً عن أن هذا القانون لم يصدر بإرادة شعبية بل بفرمان عثمانلى، ولا أفهم سر تعطل صدور القانون الموحد لدور العبادة، ليسرى على المسجد ما يسرى على الكنيسة والمعبد من قواعد عادلة ومنصفة، تقطع الطريق على المزايدين من هنا وهناك، ولو توافرت الإرادة السياسية لهذا القانون لصدر خلال أيام.
باختصار علينا كمسلمين أن نراجع أنفسنا وسلوكنا، قبل أن نلقى باللائمة على الآخرين، وتكاد ترن فى أذنى كلمات السيد المسيح: «قبل أن ترى القذى فى عين أخيك، عليك أن تخرج الخشبة التى فى عينك». |