بقلم: د. أحمد الخميسي
في 20 يناير من مطلع العام الحالي تم الاحتفال بتنصيب باراك أوباما رئيسًا لأمريكا وسط موجة من التفاؤل بإمكانية تغيير في عدوانية السياسة الأمريكية وطابعها الإرهابي، وكان لون أوباما وشخصيته الدمثة المتواضعة أحد أسباب التفاؤل. وعلى مدى عام تقريبًا من وجود أوباما في الحكم لاحظ الجميع أن "الحرب" قد لا تكون أولى الكلمات التي تقفز من فم الرئيس الأسمر لكن ظل هناك ذلك الفارق الكبير بين دماثة مظهره ولغته وبين سياساته الفعلية. وفي خطابه يوم الثلاثاء 1 ديسمبر أعلن أوباما استراتيجيته في أفغانستان ونيته إرسال ثلاثين ألف جندي إضافي، مع مناشدة قوات الناتو بإرسال 10 آلاف آخرين، وربط ذلك بانسحاب تدريجي خلال مدة زمنية محددة تكون خلالها حكومة كرازي العميلة قد طورت قدراتها على مواجهة طالبان والقاعدة، بحيث تفتدي بدماء الأفغانيين الفقراء حياة الجنود الأمريكيين. وهكذا فإن "أوباما" لا يواصل شن الحرب فقط، بل ويضاعف طاقاتها تحت شعار الانسحاب!
وبذلك فليس ثمة تغيير يُذكر في سياسة الإرهاب التي مارستها أمريكا هناك منذ دخولها أفغانستان من نحو ثماني سنوات، سوى تصعيد الهجوم تحت شعار الانسحاب! وهو الموقف ذاته الذي يراه أوباما مخرجًا من العراق -أي تطوير قدرات الحكومات العميلة لكي تدير المعركة بالوكالة لصالح واشنطن-.
أما على مستوى القضية الفلسطينية فقد تراجعت سياسة أوباما عن تصريحاته في خطابه بالقاهرة في 4 يونيو، التي طالب فيها بوقف الاستيطان كشرط لاستئناف مفاوضات السلام حين محت وزيرة خارجيته هيلاري كيلنتون موقف أوباما وأعربت في نهاية أكتوبر الحالي عن دعم أمريكا لإسرائيل وضرورة استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، واعتبرت كلينتون أن المطلب الفلسطيني بوقف المستوطنات شرط مسبق!
وهكذا فإن سياسة أوباما ودماثة أوباما لم تأت بجديد لا على مستوى أفغانستان ولا العراق ولا فلسطين، حيث غضت السياسة الأمريكية النظر عن الاستيطان دون ممارسة أية ضغوط على إسرائيل، فوجد الفلسطينيون أن عدد المستوطنين الذي كان 130 ألفًا عند توقيع أوسلو عام 1993 أصبح ثلاثمائة ألف مستوطن بعد 18 عامًا من المفاوضات! وحين يطالب أوباما بمفاوضات سلام دون وقف الاستيطان فإنه يطالب بغطاء سلامي لتوسع الاحتلال وعنفه.
ويأتي خطاب أوباما الأخير هذا بعد يومين من حلول ذكرى قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947، وهو التاريخ الذي اعتبرته الأمم المتحدة يومًا دوليًا للتضامن مع فلسطين سنويًا. لكن أوباما لم يتوقف عند ذلك التاريخ أو يتخذه ذريعة لتقديم شيء ما للفلسطينيين، ولم يأت بجديد في السياسة الأمريكية، كل ما جد علينا هو نبرة الدماثة التي تجري من تحتها نفس السياسة الأمريكية التي روعت العالم حين اتخذت من إرهاب صغير ما غطاء كبيرًا لإرهاب الدولة الضخمة في العراق وأفغانستان، ولضغوطها على سوريا ولبنان والسودان وإيران ودعمها المطلق للنازية الإسرائيلية.
ولم يتجاوز أوباما في خطابه تلك المبادئ التي أعلنها يوم تنصيبه رئيسًا حين شدد بعد أدائه اليمين الدستورية على أن أمريكا "مستعدة لتولي الزعامة مجددًا"، وأنها "ستنتصر على الإرهاب"، دون أن يحدد ما الذي تعنيه "الزعامة" ولا أي "إرهاب" سينتصر عليه.
خطاب أوباما الأول في القاهرة في 4 يونيو كان أحد أكبر أسباب التفاؤل باحتمال وقوع تغيير في السياسة الأمريكية، دون أن ينتبه المتفائلون إلى أنه في الخطاب ذاته جدد التزامه بأمن إسرائيل وأدان المقاومة الفلسطينية. لكن " دماثة" أوباما سحرت ألباب الكثيرين حين بدأ خطابه بعبارة "السلام عليكم".
أما في الواقع فقد كان خطابه ذلك في القاهرة واحدة من أكبر المغالطات، لأنه اختزل الصراع بين مختلف الشعوب بأديانها المتعددة وأمريكا إلى صراع بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، فموه على حقيقة أن المسلمين والمسيحيين معًا في العراق وفلسطين والسودان عانوا من السياسات الأمريكية وأن قصف الطائرات الأمريكية لم يميز أبدًا بين مسلم ومسيحي.
لم يزد حظنا في خطابات باراك أوباما عن "الدماثة"، أما "السياسة" فقد فازت بثمارها الفعلية قوى الحرب على أفغانستان والعراق وفلسطين. |