بقلم: إيهاب شاكر
تحت هذه الكلمة وبسبب الفهم الخاطئ لها نشاهد الكثيرين من المكتئبين والحزانى، الذين فشلوا في تحقيق ما يطمحون إليه، لذلك يلزم أن نوضح ماذا تعني هذه الكلمة، حتى لا يلتبس الأمر علينا، ونتيقن هل هي صفة حميدة نسعى إليها، أم أنها أمر سئ يجب تجنبه، أو الأمر له حدود معينة.
في قاموس "مقاييس اللغة" يقول:
الطاء والميم والحاء أصل صحيح يدلُّ على علوٍّ في شيء. يقال طَمَحَ ببصرهِ إلى الشيء أي علا. وكلُّ مرتفعٍ طامح.
وفي قاموس (الصّحّاح في اللغة) يقول:
طَمَحَ بصرُه إلى الشيء: ارتفع. وكلُّ مرتفِعٍ طامِح.
من هنا نرى أن الطموح هو السعي للارتفاع أو التقدم للأمام عما عليه الشخص بالفعل، وقال أحدهم" أن الطموح هو عبارة عن عدة صفات وهي الإصرار والعزيمة وعدم اليأس والصبر ودقة تحديد الهدف والتخطيط".
الإنسان بطبيعته يريد أن يصبح أفضل على كل المستويات المادية والاجتماعية، وأيضاً الروحية، ولذلك تأتي الأسئلة الكثيرة من أمثلة:
هل الطموح يعد تعظم معيشة؟ علي أساس أنه يهدف الي أشياء عالمية. وبمعني آخر هل هناك فرق بين الطموح وتعظم المعيشة، وخصوصاً إن أغلب الطموحات تطلعات عالمية كالشهرة والمركز المالي والاجتماعي وهي في ذاتها تعظم معيشة، وما الفرق بين الطموح والطمع ، وهل البحث عن دخل أفضل صح أم خطأ وهل المفروض الرضا بالموجود، وهذا قناعة وفضيلة مسيحية أوهل السعي لمركز أفضل أو سلطة أعلى، أو حتى البحث عن المتعة ضد تعاليم الكتاب المقدس.... إلى آخر هذا النوع من الأسئلة المحيرة.
لذلك سنتحدث في هذا المقام والمقال حول، هل الطموح يتعارض مع المسيحية، ثم المبادئ الأربعة للطموح:
أولا: هل الطموح يتعارض مع المسيحية؟
عادة ما تكون هناك صورة مغلوطة عن الشخص المسيحي، أنه الإنسان الذي لا يضحك ووجهه دائم العبوس، وهو راض بما عنده ولا يسعى إلى الأفضل، وهذا الكلام جانبه الصواب، من ناحية ما، نعم المسيحية تعلم القناعة والرضا بما يعطيه الرب لنا من أمور مختلفة، لكن لا تعلم أننا لا نسعى للأفضل، فالرب يقول في يوحنا 10 : 10 ...وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.
وتعلمنا كلمة الله أن أفرحوا في كل شئ، لأن فرحنا نابع من الداخل، ولا يعتمد على الظروف الخارجية، بل وأكثر من ذلك، أن الله أعطانا كل ما أعطانا لنتمتع به فيقول الوحي المقدس " ... الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ ( تيموثاوس الآولى 6 : 17 ). وقد أعطى الله سليمان الغنى والملك والحكمة.
إذاً المسيحية بريئة من هذا المفهوم الخاطئ فالله يريدنا أن نكون أفضل، وأن نتمتع بكل ما يعطينا إياه. وأن ننظر لما عندنا من وجهة نظر الله، أننا وكلاء على ما أعطانا، فلنتصرف فيما عندنا بما يمجد الله المالك الحقيقي للكل، لذلك هناك مبادئ كتابية حتى لا يتحول الأمر إلى غاية في حد ذاته وننحرف عما تعلمنا إياه كلمة الله، وهذا يأتي بنا للنقطة الثانية وهي:
ثانياً :المبادئ الأربعة لموضوع الطموح:
1- اطمح ولا تطمع
في سفر الملوك الأول الأصحاح 21 ،" قصة آخاب الملك" نرى أن الطمع هو أن ترغب في شئ ليس في خطة الله لك وليس من حقك، فقد اكتئب آخاب الملك لأجل طمعه ورغبته أن يستولى على كرم نابوت اليزرعيلي، فهذا بالطبع ليس طموحاً بل طمعاً واشتهاء ما للغير، رغم أن آخاب لم يكن محتاجاً ولا ينقصه شئ، لكنه الطمع والرغبة في الامتلاك. لذلك تقول كلمة الله الكثير عن موضوع الطمع بل تشبهه بأبشع الخطايا ففي أفسس 4 : 19 " الذين اذ هم قد فقدوا الحس اسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع. "
وأيضاً، "فاميتوا اعضاءكم التي على الارض الزنى النجاسة الهوى الشهوة الرديّة الطمع الذي هو عبادة الاوثان كولوسي 3 : 5 "
إذاً، لنطمح ونتطلع للأفضل لكن لا ل للطمع.
2- اجتهد ولا تتعب لكي تصير غنياً
يقول الحكيم في سفره " نَفْسُ الْكَسْلاَنِ تَشْتَهِي وَلاَ شَيْءَ لَهَا وَنَفْسُ الْمُجْتَهِدِينَ تَسْمَنُ" (أمثال 13 : 4 ).
لابد للإنسان أن يجتهد ويتعب لكي يأكل، وهذا ما قاله الله من البداية لآدم عندما أخطأ وأخرجه من الجنة، أنه بعرق جبينه يأكل من الأرض.وفي رسالة تسالونيكي الثانية يقول: " أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضاً(2 تس 3 : 10) نعم لابد أن نعمل وأن نعمل باجتهاد، لكن أن يكون الغرض من العمل هو تكديس المال لأجل المال فيكون المال هو السيد والغرض فنفني العمر لأجله، هذا هو المرفوض. لنعمل ونجتهد لنصبح أفضل ونحسن مستوانا، لكن لا يأخذنا هذا من غرض وجودنا الأساسي على الأرض وهو أننا سفراء للملك، لنعمل ونجتهد لا يكون كنزنا على أموالنا فلا تنشغل قلوبنا بما نحصل عليه ويصير جل ما نريده ومحور اهتمامنا، لنجتهد لأن" نَوْمُ الْمُشْتَغِلِ حُلْوٌ إِنْ أَكَلَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً وَوَفْرُ الْغَنِيِّ لاَ يُرِيحُهُ حَتَّى يَنَامَ" (جامعة 5 : 12 ).
نعم المشتغل المجتهد يستطيع النوم بغض النظر أكل قليلاً أو كثيراً، أما الغنى الوفير فليس هو ما يعطي النوم، قال أحدهم: " إن المال يستطيع أن يشتري السرير، لكنه لا يشتري النوم، يستطيع أن يشتري الطعام، ولا يستطيع أن يشتري الشهية للأكل" لكن لنتمتع ونختبر ما قاله كاتب المزمور" بِسَلاَمَةٍ أَضْطَجِعُ بَلْ أَيْضاً أَنَامُ لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ مُنْفَرِداً فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي ( مزمور 4 : 8 ).
3- انتظر .. ولا تتعجل
اَلرَّجُلُ الأَمِينُ كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ وَالْمُسْتَعْجِلُ إِلَى الْغِنَى لاَ يُبْرَأُ. ( أمثال 28 : 20 )
المشكلة الحقيقية اليوم أن الكل أصبح لا تحلى بفضيلة الانتظار أو الصبر" الكل مستعجل" الجميع يريد أن يصبح غنياً بسرعة وبأية طريقة، وهذا يظهر في كل تفاصيل حياتنا، حتى في طريقة أكلنا التي أصبحت تسمى" التيك اوي" لذا يلزمنا أن نتعلم أن ننتظر الرب الذي يقول :" انا الرب في وقته اسرع به" ( اشعياء 60 : 22 ).
في قصة يعقوب، هل كان الرب سيباركه أم لا، بالطبع لقد وعد الرب بأن يباركه، لكن مشكلته أنه متعجل ولم ينتظر توقيت الرب، والنتيجة تعب وهرب وحرمان وخداع، لذلك انتظر الرب واصبر له، فأنه في الوقت المناسب يبارك ويعطي ويعطى بغنى.
4- اكتفي .. ولا تشتهي
اَلْمُولَعُ بِالْكَسْبِ يُكَدِّرُ بَيْتَهُ وَالْكَارِهُ الْهَدَايَا يَعِيشُ.( أمثال 15 : 27 )
والاكتفاء المقصود هنا يعني أن نطبق كل ما سبق من أننا نطمح ونجتهد، وننتظر الرب، وعندما يعطينا الرب وهو سيعطي، نكتفي بما قسمه لنا، ولا نقارن أنفسنا وما عندنا بما عند الآخرين، مشكلة آخاب ليس أنه ليس عنده، فهو ملك ويعيش في بيت من العاج، سليمان كان لديه كرسي من العاج، أما آخاب فبيت من العاج، ومركز وسلطة وخدم وحشم، ولكن إلى ماذا نظر، إلى كرم رجل متوسط الحال، حتى أن الكرم كرم بقول"فول مثلا" وليس تفاح أو عنب، هل رأيت الطمع والاشتهاء، فلا تنظر لما ليس عندك وتشتهيه، لماذا أخي عنده بيت وأنلا لماذا عنده مصنع وأنا لا ... إلخ. اطلب من الرب أن يعطيك عيون بسيطة ولتقل مع بولس الرسول:" ليس اني اقول من جهة احتياج فاني قد تعلمت ان اكون مكتفيا بما انا فيه. فيلبي 4 : 11 "
|