بقلم: د.عاطف نوار
بحثت عن تعبير مناسب أُطلقه على ما حدث في الجزائر والخرطوم فلم أجد غير لفظ "مهزلة"، وبحثت عن صفة أصف بها شعب الجزائر فلم أجد غير "الرعاع" ينطبق عليه، لن أحتاج للتعليق على ما حدث.. فكلنا يعلمه، ولكن أود أن أبحث معك قارئي العزيز ما الذى وصل بنا إلى هذه المهانة وذاك الإمتهان؟ فتاريخنا حافل بمواقف الإستهانة (والهزائة) من قبل المدعوين أشقاءًا من العرب، وفي المقابل مواقف التخاذل والتهاون من قبلنا نحن المصريين، والنتيجة أن اعتقد العرب الأشقاء أننا (نأخذ على قفانا ونسكت) فكان الطريق إلى الخرطوم.. وإليكم مراحل هذا الطريق..
ففي عام 2008 وفي المملكة العربية السعودية وفي أقل من خمسة شهور حدثت اعتداءات عديدة مهينة لصفوة من شباب الشعب المصري وخيرة ابنائه، ومرت الأمور دون رادع.. وما حدث ليس في السعودية فقط بل في أغلب الدول العربية.. فنرى تلفيق تهمة وإعتداء على طبيب مصري تجرأ واشتكي ناظر المدرسة السعودي لأنه اغتصب ابنه، احتجاز 370 حاجًا مصريًا في السعودية بلا سبب، عدم الإفراج عن مصريين في سجون السعودية حتى بعد انقضاء فترة عقوبتهم بسنوات مثل المواطن إيهاب صلاح الدين، جلد طبيبان لتهمة لم يجرى فيها تحقيق، وآخر صيحة في هذه المهزلة كانت يوم 21مارس 2009 عندما طعن اثنان من المواطنين السعوديين طبيبين مصريين هما محمد انور إبراهيم ومصطفي السعيد صبرى لأن أحد الجناة لم يعجبه شكل أحد الطبيبين (مفيش مسخرة أكتر من كده).. وبدلاً من أن يفتي علماء المملكة برد الحق لأصحابه كحسين غنيم ومصطفي يوسف حيث لهما أكثر من مليون ريال يجتهدون بتحريم ظهور المرأة علي شاشات الإعلام (لا تعليق)..
وفي الكويت الشقيق اعتدت قوات الأمن الكويتية على عدد ليس بقليل من العمال المصريين في منطقة خيطان وعوملوا كأسري حرب وذلك عام 2002 أي بعد إحدى عشر سنة من اشتراك الجيش المصرى في تحرير الكويت (ردًا للجميل علي الطريقة الكويتية)، في 25 من أغسطس 2007 تم الإعتداء بالضرب والسب علي الدبلوماسي محمد حافظ الوزير التجاري المفوض لدى الحكومة الكويتية، تلفيق تهمة تزوير للمواطن محمد إبراهيم محمد فما كان من الضابطين محمد العتدى وسعد البوحي أن أكالا له الضرب المبرح وسقياه التعذيب ألوانًا من ربط بالحبال في يديه ورجليه إلي صعق بالكهرباء....إلخ، والجريمة الكبرى التي ارتكبها حسام محمد سليم أبو الحسن ومواطنه جمال محمد عندما تخطيا مدة الإقامة في محافظة خيطان كان جزاؤهما التعذيب..
أيضا نلمح تحت المهجر تقريرًا من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان يعلن ترتيب المراكز التي أحرزتها الدول العربية في ماراثون الإعتداءات علي الأشقاء المصريين لعام 2008، فكانت السعودية على رأس القائمة تليها الإمارات وقطر ثم ليبيا.. وفي تقرير لمصطفى عمارة في جريدة الحقيقة الدولية الأردنية في أول سبتمبر 2007 يعلن أن 50 حادث إعتداء على المصريين بالخارج في عام واحد بين الترحيل ومصادرة الممتلكات إلي التعذيب...
تُرى ما لسبب في هذه المهانة التي يختص بها المصرى في البلاد العربية؟ فلو نظرنا نجد أن الجرائم ملفقة.. وحتى لو كانت حقيقية (جدلاً) فإنها لا تستدعي مثل هذه الأفعال الوحشية البربرية لأن العقوبة القصوى لمثل هذه الجرائم هي الغرامة المالية فقط...
تُرى ماذا لو ارتكب مواطن من هذه الدول هذه الجرائم في مصر؟ أُذكرك عزيزى القارئ أننا نتكلم على جرائم لن تتعدى تخطي مدة الإقامة في بلد، بالطبع سيكون رد الفعل المصري (مرحبًا بك شقيقًا عربيًا كريمًا في بلدكم الثاني مصر بل ويقيم في افخم فنادق القاهرة وأغلى شقة في المهندسين وكله تمام)..
تُرى لو ارتكب أحد رعايا هذه الدول جرائم بشعة مثل القتل وإحداث عاهة؟ تعال معى عزيزى أمام مجهر آخر للفكر المستنير، نرى الأخضر بللومى لاعب الجزائر في الثمانينات يدخل فندقًا في القاهرة عام 1989 عقب هزيمة فريقه أمام الفريق المصري في تصفيات كأس العالم لعام 91 وتنشب بينه وبين طبيب مصري مشادة يلتقط على إثرها طفاية سجائر ويفقأ بها عين الطبيب محدثا فيها عاهة مستديمة.. وماذا كان رد الفعل المصري؟.. لا شيء.. السماح للأخضر بللومى (بيه) بالسفر مع فريقه تاركًا الطبيب المسكين (يشرب من البحر ولو مش عطشان يتفلق).
مهزلة أخرى (وكلمة مهزلة من هزل وهو ضد الجد أي الإستخفاف والسخرية).. سباق في طريق مطار القاهرة يوم الجمعة 23 سبتمبر 2005 بين مواطن قطري محترم طبعًا وآخر مصري.. (مفيش مشكلة) السباق علي 200 كم في الساعة انحرف الشقيق القطري فقتل أربعة وأصاب أحد عشر (إيه يعني أهم حاجة انبساط الشقيق القطري).. انتقلت الشرطة إلى المكان وحررت محضرًا وأدرجت شقيقنا القطري على قوائم الممنوعين من السفر (مين.. ده اسمه سعود بن سلمان آل سعودآل ثان) وفي طريق المحضر للنيابة لبدء التحقيقات إستأذن الأخ سعود لأنه كان مستعجلاً ليلحق بطائرته عائدًا إلي بلاده سالمًا في نفس يوم الحادث.. (إزاي خرج من المطار ومين سمح له.. الله أعلم)..
بالطبع أن كل هذه الأحداث نابعة من شعور دفين أن مواطنة المصريين في وطنهم مصابة بخلل لما تفتقده من حماية كاملة يقدمها الوطن لمواطنيه، فلم تقف الحكومة المصرية لتردع أية إعتداءات على أبنائها المصريين من العرب، ولم تقف رادعة أية إعتداءات من المصريين المسلمين على أبنائها الأقباط المسيحيين.. والنتيجة أن صار المصريون جميعًا صيدًا سهلاً و(ملطشة) عامة لكل من (هب ودب)..
فما حدث في الخرطوم للمصريين كان شبيهه للمسيحيين في فرشوط تحت مرأى ومسمع رجال الأمن المصري البواسل، إن حق كل مواطن أن ينعم بحماية وطنه له ويفتخر باحترام وطنه له أمام كل مخلوق في المسكونة، ومن ثم يتولد ولاء صلب ووفاء عظيم لهذا الوطن الحبيب، كل مواطن يتمتع بمواطنته في بلده عربيًا كان أو أجنبيًا بل وتطيب حياته في أي بلد آخر من بلدان العالم محتميًا في مقدرة بلاده على صون كرامته وهيبته حينئذ يزهو بمواطنته لوطنه...
لهذا أنادي بعقد اتفاقيات تحفظ لمصر ومواطنيها هيبتهم واحترامهم، تمنع فيها مصر الغالية أية اعتداءات أو تعديات على مواطنيها في أي بلد خارجها، وإذا بدر خطأ من أي مواطن مصري (وهذا نادر لأن المصريين حريصون علي رزقهم مسالمون بطببيعتهم) يُسلم فورًا لبلاده دون إهانة وإلا تكون أزمة دبلوماسية تأكيدًا لكرامته في بلده واعتزازًا بمواطنته في وطنه...
أنادي بسن القوانين الداخلية التي تضمن ان يُعامل المواطن باحترام داخل قسم الشرطة وتمنع رجل الشرطة من أية تجاوزات تجاهه..
أطالب رجال الشرطة أن يكونوا أُمناء في حماية مسيحيي مصر من أية اعتداءات، فنثبت للعالم أجمع أن مواطنة المواطن في وطنه مصر أساسها الإحترام والكرامة مُجبرين أي دولة مهما بلغت من قوة وسطوة علي احترام المواطن المصري...
بهذا يقدم وطننا إعلاءًا لكرامة مواطنه ومن ثم يُكن مواطنًا حبًا وولاءً لوطنه. |