CET 00:00:00 - 11/12/2009

مساحة رأي

بقلم: القس.أيمن لويس
(تطور الخطاب القبطي من المودة والخلاص إلى الخصومة والصراع)

أعلم أن تناول الرد على ما كتبه المفكر الكبيرالأستاذ جمال البنا يعتبر متأخرًا، حيث أن هذه المقالات تم نشرها منذ عدة أشهر بجريدة المصري اليوم على مدار تسع أسابيع وتحديدًا ابتداءًا من منتصف شهر مايو الماضي، ويرجع سبب التأخير لعدة أسباب..
أولاً.. اعتقادي أنه لا بد أن هناك نفر من الأقباط سوف لا يفوتهم تناول الخطاب بالتحليل لما فيه من نقاط هامة يجب عدم تركها حتى لا يترسخ في الأذهان مضمون الخطاب بما فيه من أمور هامة، نعتقد أن هناك نوع من الإلتباس حدث لدى الأستاذ الفاضل أدى إلى نوع من الخطأ في فهم الأمورعلى صحيحها وعلى حقيقتها، ولا سيما أن الكاتب يمثل أحد التيارات الإسلامية المعتدلة المستنيرة وهو من الأقلام القليلة في هذا الزمان الذي يحمل أدوات البناء الإيجابي.

ولمن لم يتابع هذه المقالات التى نتحدث عنها نحاول أن نقدم عرض لأهم الأفكار التي رأينا أنها تحتاج للتعليق بحسب قراءتنا..

ملخص الموضوعات التي تم نشرها بالمقالات التسع بجريدة المصري اليوم:

• موقف الفكر اللاهوتي المسيحي من السياسة والدولة والمواطنة ورسالة لوم لسلوك المسيحيين وتحديدًا رجال الدين الأرثوذكس وخطابهم الديني.
• عرض تاريخي للمعاناة التي تعرض لها المسيحيون في القرون الأولى على اعتبار أنها السمة التى يجب أن يكون عليها المسيحيون دائمًا وأبدًا.
• انتقاد الكنيسة لمشاركتها الإجتماعية.
• عرض عقيدة الثالوث كما يفهمها المسيحيون ومحاولة تفويت صيغة توافقية باعتبار أنها إحدى نقاط الخلاف القوية.. واستنكار رفض الأغلبية المسيحية لتطبيق الشريعة على المسيحيين مستشهدًا برأي كاتبين مسيحيين أحدهما يسمى الأستاذ سامي داود والآخر صادق عزيز.

• التعرض لقضية أقباط المهجر والفضائيات وتحديدًا يقصد قناة الحياة، ثم توجيه الاتهام والانتقاد لرئيس الكنيسة الأرثوذكسية على مواقفه من الأزمات والمشكلات التي يعانيها الأقباط ومحاولته استغلال الحالة التي يجتازها الأقباط من أهمال من جهة النظام ليلعب دورًا من الزعامة السياسية واختزال الأزمة في هذا السبب.
• ملاحظاته الاعتراضية على خطاب أسقف القوصية -الأنبا توماس- في معهد هدسون بواشنطن واعتبارها أنها سلسلة من المغالطات والأكاذيب والزيوف على حد قوله وأنها ضد المواطنة ورفضه أيضًا فكرة الأقلية للمسيحيين.

 وهكذا نلاحظ أنه من خلال المقالات هناك رسالة يحاول الكاتب تمريرها، وقبل الخوض في العرض يجب أن لا نغفل الإشادة بموضوعية الكاتب والإعتراف بأنه من القلائل اللذين ينتهجون الأسلوب العلمي الأمين بالرجوع للمصادر المسيحية حتى وإن كانت انتقائية قبل الكتابة في الشأن المسيحى فهذا يحسب له. فقد قدم لنا اقتباسات دون مزايدة ورغم كل هذا فلا عيب في أن نختلف معه أو نضيف إليه.
وملاحظتنا تبدأ من عنوان المقال، فنحن نرى أن عنوان المقال يحمل تحاملاً وإدانة والمضمون لا يخلو من اللوم على الخطاب القبطي رغم أن المقالات لا تقدم تحديدًا. أي نوع من الخطاب القبطي يقصد؟ فهل يقصد الخطاب الإعلامي المسيحي؟ أم يقصد الخطاب الوعظي المنبري؟ لأن الفصل بينهم في غاية الأهمية وسوف نوضح ذلك.
في الحقيقة كنت أنوى منذ فترة الكتابة في هذا الموضوع، بمناسبة المطالبة الإجتماعية من خلال وسائل الإعلام ومناشدتها معالجة حالة الاحتقان الطائفي من خلال تصحيح مسار الخطاب الديني. ونظرًا لتجاهل الأمور الخاصة بالشأن المسيحي من قِبل الأغلبية المسلمة، أعتقد أن هناك عدم معرفة بحقيقة الخطاب المسيحي عامة والقبطي خاصة فكان القياس على الخطاب الإسلامى بأنه معبرًا عن الخطاب الديني على وجه العموم وهذا قياس غير صحيح على الإطلاق، فقد بدأ تعرف مجتمعنا على الخطاب المسيحي منذ فتره قصيره جدًا، مع بداية ظهور الفضائيات والتطور الهائل في وسائل الإتصال واستخدام الإنترنت.. والآن تعالوا نستعرض معًا الخطاب المسيحي.

 أولاً.. الخطاب الوعظي المنبري من حيث هدفه وطبيعته:
يذهب المسيحى للكنيسة بهدف الوقوف أمام حضرة الله القدوس للتعبد والاستمتاع بالعلاقة مع الله الآب ممتلئ بالإيمان بصدق قوله "تعالوا إلىًّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت11: 28). ولأن الإيمان المسيحي يعطي أولوية للأمور الروحية لذا فالعبادة تنصب في الأمور الروحية واللاهوتية (أي ما يختص بذات الله وطبيعته ومشيئته)، وكما أعلنت سيادتكم في المقال الأول مستشهدًا بالمونسنيرر باسيليوس موسى -وهو رأي صحيح- أن الفصل بين الدين والسياسة هو من ثوابت التشريع المسيحي، لذا نجد لهذه الأسباب أن الخطاب الديني المسيحي من على منبرالكنيسة أو الهيكل عبر العصور والأوطان بعيد كل البعد عن الدخول في الأمور السياسية، ولا يحمل أى إشارات سياسية سواء كان بالقول المباشر أو التلميح، كما أن غزارة التعليم المنهجي عن الله بالكتاب المقدس لا يعطي مجال للدخول في أي أمور بعيدة عن الاهتمام بالعبادة أو الانحراف عن الهدف الأسمى وهو التأمل الروحي وإعطاء المجد لله. فالمسيحية تعلم الإنسان الجوع لمعرفة الله والتمتع بسماع التعاليم والوصايا الروحية والتذكر بالمواعيد المباركة والإنشغال لمعرفة مشيئة الله الصالحة وطلب الغفران لتتميم الخلاص، من كل هذه الأمور نعرف أن خلو الخطاب الكنسي الديني من التعرض للأمور والأحداث الدنيوية بالنقد أو الاعتراض أو التحريض سببه يرجع لطبيعة الفكر العقائدي والسلوك الإيماني وليس لأي أسباب أخرى مثل الخوف من السلطة أو الاصطدام بالنظام.
فنجد أن كل هذا الزخم من الإلتزمات والواجبات الروحية تجعل المسيحي في حضوره للكنيسة يتهيأ بكل قواه للخروج من العالم المادي بكل ما فيه من أحداث لإستقبال سلام الله الداخلي. كما أن الخطاب المسيحي على كل مستوياته لا يحمل أى أيدولوجيات أو تحريض على الآخر أو الحاكم أو الساسة، وقد ذكرت مشكورًا الآيات الكتابية التى تأمر المؤمنين بالخضوع وطاعة القائمين على حفظ النظام العام فلا تجد في أي فقرة من شعائر العبادة المسيحية خروج عن الروحيات حتى في الدعاء، لا يجوز لنا رفع لعنات وطلب لجلب المصائب لأي إنسان، فاللسان الذي يبارك لا يلعن (رو12: 14) بل العكس نؤمر بطلب البركة حتى للذين يسيئون إلينا (مت 5: 44).

إنها رسالة محبة من الله ولله وحده، فالعبادة تخص المعبود وحده هذا هو جوهرها ومضمونها ولا يجوز الشرك فيها، لذا فالنتيجة سلام للمجتمع وصفاء للنفس وهدوء للروح أنه خطاب بناء إيجابي يُعلم طبيعة الله وصفاته ودعوته للمحبة والرحمة والعدل والتواضع والتسامح والتحرر من الضغينة، والمخطئ سوف ينال عقابه على إثمه من الله يوم الحساب وأرضيًا من الجهات المختصة المقامة بسماح من الله. إلا أن الملاحظ في العقود الأخيرة ومنذ قيام ثورة يولية 1952م ثم حقبة النظام السابق وتحالفه مع التيارات الدينية المتشددة. بدأ المجاهرة بإظهار التحيز الطائفي واستنفار الأغلبية ضد الأقلية من خلال القيادات الدينية التي تم إطلاق سراحها مستغلين بساطة وجهل الرأي العام وانحياز قيادات سياسية وشعبية للتيار.
ونحن نرى أنه منذ ذلك الحين ومعاناة المسيحيين في تصاعد، ولأن ستارة المسرح الإعلامى قد تم فتحها على مصرعيها والإمكانيات متاحة ومسخرة فالفرصة سانحة لإيهام وترويج فكرة أن الكنيسة تلعب دورًا سياسيًا وأن قادتها يحاولون السيطرة على زمام الأمور المختصة بالأقباط المسيحيين لإغفال ومداراة أخطاء القيادات السياسية ودورها ومسؤليتها فيما وصلت إليه الأوضاع، وليس الكاتب الفاضل وحده من يقول مثل هذه الأمور فهناك فريق يقول أكثر من هذا ويروجون بأن النظام السياسي يفرض قيود على المساجد ويتدخل في شئون الأمور الدينية حتى في الخطاب الدينى، بينما المسيحيين يتمتعون بكامل الحرية في ممارسة العباده والشعائر...وإلخ!! وطبعًا هذا تضليل وكذب ومغالطة لا تحتاج للإيضاح.

ما أحوجنا جمعًا نحن المعنيين بالخطاب الدينى أن نخلع نظارة التحيز لانتماءاتنا الدينية لنرتدي نظارة العدل والموضوعية.
حضرة المفكر الكبير إن خطابك هذا أصابنا بالدهشة والصدمة لأنه يعطي إيحاء بأنك مؤيدًا لهذه الآراء وأنت من نعرف عنه أنك صاحب التحليل الموضوعي. إن الإدعاء بأن المسيحيين لهم كامل الحرية والحبل مطلق لهم على الغارب وأن خطابهم أصبح عدائيًا إنما هو أمر مغرض معروف أسبابه. لتقليب النظام على المسيحيين أو إجهاض أي محاولة أو رغبة للنظر في تحسين أوضاع المسيحيين.
هل لهذه الدرجة لم يعد لدينا أي رغبة لعمل أي خطوات إيجابية لمواجهة واحدة من أخطرالمشاكل التى تهدد أمن وسلام مجتمعنا؟ فإننا نشعر أنه لم يعد هناك داعي لذكر ما يعانيه المسيحيون من معاناة في مجتمعنا وباعتراف المنظمات الحقوقية العالمية، لأن تكرار المطالب يعتبر نوع من الحكي الممل والإستجداء.
إن إلتجاء المسيحيين للكنيسة في عموم مشاكلهم يرجع لسببين، الأول والأهم لاعتبارات دينية، والثاني إجتماعية وسياسية. فرجل الدين يسمى الراعي والأب، وهو يعتبرممثلاً للسيد المسيح راعي الرعاة على الأرض، وعمل الراعي أن يهتم بشئون رعيته من كافة الوجوه ويحمل قدر من المسئولية أمام الله من جهة رعيته وهو مقدم المشورة الأول.

إن عدم الفهم من الأغلبية لطبيعة العلاقة بين الشعب المسيحي والكنيسة يسبب هذه الأفكار الخاطئة. كما أنه من المعروف أن الذين يبغون الانخراط في السلك الديني لديهم زهد في الأمور الدنيوية بما فيها المناصب، ولا سيما أن هناك نص صريح بالوحي يمنع مثل هذا الطموح (2تى2: 3).
والسبب الثاني وهو أننا نعيش في دولة شبه دينية لا تهتم بالآخر أو بشئونه وأكثر من ذلك، وهكذا أصبح العرف في مجتمعنا أننا نلوم الباكي على بكائه دون أي أهتمام لبحث السبب!!
سيدى الفاضل.. أرشدنا يباركك الله لمن نلجأ وعند من يكون توجعنا؟ إن تكلمنا في الخارج فيكون استقواء وخيانة وإن تكلمنا للكنيسة صارت الكنيسة متهمة، وفي الداخل ليس لنا من يمثلنا ولا يوجد من يسمع وليس لنا الحق أن تتوجع. فماذا نفعل ولمن وأين يكون تقديم احتجاجنا؟
وللحديث بقية.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق