بقلم: المستشار نجيب وهبة
لولا إيماني لدعوت المصريين إلى إقامة سرادقات العزاء نعزي بعضنا بعضًا ونقول لبعضنا بعضًا: "البركة فيكم، وعوضكم الله خيرًا في عقل..."، وحتى أوضح سر هذا العزاء سأختار مقالاً كتبته دكتورة وهي أستاذة علم الوراثة في إحدى جامعاتنا، كنموذج لما وصلت إليه أحوال الجامعات في مصرنا، وكيف يفكر أساتذة العلم في العلم؟ في بلادنا. وأزعم أنه نموذج كاشف لما وصلت إليه أحوال بلادنا من تخلف وهوان.
الأستاذة الدكتورة المفترض أنها وهي في مثل هذه المرتبة، هي عالم باحث متخصص منجز منتج مكتشف. لأن الغرض الأساسي هو إضافتها الجديدة إلى العلم بكشف لم يعرفه العلم من قبل، كسبيل للحصول على درجة الأستاذية في علمها المتخصص.
قالت رعاها الله: "إن إثبات أي حقيقة يحتاج إلى دليل علمي، وإذا كان "داروين" قد ذكر في نظريته أن الإنسان أصله قرد، فهذا كلام خالف للدين تمامًا".
بداية لا يشغلنا أحوال الوطن المهدرة لتخرج علماء الوراثة في بلادنا، وعلاقة الأستاذة بالعلم والبحث العلمي ومنهجه، وكيف نفكر، لأن كل ذلك سينعكس على شبابنا الذين يتلقون مثل هذا العلم منها.
ونظرًا لعدم تخصصي في علوم البيولوجيا على أنواعها، فأنا أطرح عليها التساؤلات لنفهم ونتعلم.
ماذا تقصد رعاها الله بالتعبير: "إذا كان "داروين" قد ذكر في نظريته أن الإنسان أصله قرد، فهذا كلام خالف للدين تمامًا"؟
إن هذه الجملة بمفردها دون شطرها الثاني تفصح بجلاء عن كارثة بل مصيبة قومية، إذا كان هذا هو حال دكاترة العلم في بلادنا، وللأسف هو الأوضح والأكثر جلاء وانتشار.
إن السيدة الدكتورة لا تعلم ماذا قال داروين تحديدًا؟ وليست متأكدة إن كان قد قال أن الإنسان أصله قرد من عدمه؟ فكيف أصبحت دكتورة في علم الوراثة؟ ومن أشرف عليها؟ ومن منحها الدرجة؟ ومن أوصلها لدرجة الأستاذية؟ انظر إلى أداة الشرط "إذا" هنا ومرجعيته. فإذا كان قد قال: فهذا الكلام مخالف للدين تمامًا.
أستاذة الوراثة كل ما يشغلها في الموضوع هو الاتفاق مع الدين من عدمه مع عدم معرفتنا لدرجة معرفتها بالدين وكيف تفهمه.
أرجو سيدي القارئ أن تلاحظ أن الدكتورة أستاذة علم الوراثة تتحدث عن نظرية النشوء والارتقاء كما يتحدث عنها العامة الذين يسمعون أطراف كلام مختزل في عبارات لا تشغلها الدقة العلمية ويبنون عليها مواقفهم.
إن كتاب "أصل الأنواع" المشهور لـ"داروين" لم يرد فيه ما يشير إلى قردية الأصل الإنساني، إنما ساق احتمالاً في سطر واحد يضع احتمالاً أن يكون التطور الذي ينطبق على جميع الكائنات قد حدث أيضًا مع الإنسان المتطور عن كائنات حية أخرى، بينما تناول "داروين" مسألة الإنسان والقرد في كتاب مستقل لا يقول بتطور الإنسان عن القرد إنما بانحدار كليهما عن أصل واحد مشترك.
ومن هنا لا بد أن نتساءل عن مدى معرفة أستاذة الوراثة بنظرية النشوء والارتقاء أو التطور، وهي تتساءل بسذاجة وتلغي النظرية بجملة "أن القرد موجود ولم يندثر ولم نلحظ أن هناك قردًا تحول إلى إنسان أو أنه تحول إلى إنسان".
ألا ترين أن موقفك هو ضد كل ما تعلمتيه كأستاذة وراثة، وأنك ترفضين هذا العلم، فلماذا إذًا حتى الآن تعملين بهذا العمل؟
لماذا لا تتركينه وتتفرغي للدعوة؟ وهل كانت مراجعك العلمية كانت الحديث والفقه والتفاسير. أم كانت مراجع علمية تقوم كلها على نظرية النشوء والارتقاء؟
إنك يا سيدتي مشغولة بالدين وليس بالعلم. ليتك تأتي وتجلسين بجانبي أمام جبلاية القرود ونتناقش معًا. |