CET 10:15:33 - 12/12/2009

مساحة رأي

بقلم: جرجس بشري
في ظل الوضع المأساوي الذي يعيشه أقباط مصر وفي ظل الانتهاكات البشعة التي تـُمَارس ضدهم بلا هوادة ، قد يتساءل البعض: "هل تحولت  مصر بالفعل إلى دولة دينية إسلامية؟" والحق أقول وبدون مُبالغة إن مصر بدأت تتحول رسميًا إلى دولة دينية بدءًا من ثورة يوليو 1952، فحكومات الثورة المتعاقبة عقدت العزم على المُضي قُدمًا في إرساء مبادئ الدولة الدينية الإسلامية، حيث شهدنا بعدها محاولة القضاء على هوية مصر القبطية وتشويه التاريخ القبطي وإبعاد المسيحيين عن مراكز السلطة وصناعة القرار، و طرد يهود مصر من وطنهم، ولقد  أدى قرار التأميم إلى إحداث أضرار بالغة الخطورة باقتصاد المسيحيين كما أن قانون الإصلاح الزراعي كان له دور بالغ الخطورة في  تهميش مساحة الأراضي الزراعية التي كان يمتلك معظمها أقباط مصر.

  أما في عهد الرئيس السادات، فقد تم رسميًا وضع حجر الأساس للدولة الدينية الإسلامية وذلك بإدراج المادة الثانية في دستور البلاد وهي المادة التي تنص على  أنَّ "الإسلام  دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". ولقد استطاعت بل وتمكنت الحكومة المصرية بفعل هذه المادة من أسلمة المجال العام وكافة المصالح الحكومية والقضاء والإعلام والبرلمان  والتعليم بل والعقلية المصرية،  لدرجة أن الداخلية المصرية بفعل هذه المادة تحولت بالفعل إلى وزارة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصل الأمر لحد قيام رجال الداخلية المصرية بحملات مكثفة خلال شهر رمضان الماضي تم فيها إلقاء القبض على أشخاص جاهروا بالإفطار في شهر رمضان ومن بين هؤلاء الأشخاص بعض الأقباط! ولا يخفى على أحد دور الجهاز الأمني المصري في ملاحقة المتنصرين "المتحولين من الإسلام إلى المسيحية" وتهديدهم وملاحقتهم في كل صوب وحدب، وتعنت الجهاز الأمني واضح للعيان في مقاومة بناء الكنائس بمصر وكأن الكنائس خطر على  الإسلام والأمن القومي.

  أما الإعلام المصري، فقد تمت أسلمته بشكل واضح فبات محظورًا في مصر عرض برنامج ديني مسيحي على القنوات الرسمية بالتليفزيون المصري، ولقد رأينا القضاء المصري يستند في أحكامه إلى الشريعة الإسلامية في قضايا المتحولين من الإسلام إلى المسيحية والميراث لحد وصل إلى عدم قبول شهادة المسيحي في القضايا، والأخطر والأهم من ذلك قيام القضاء المصري بالزام الكنيسة المصرية بالزواج الثاني للمطلق في تحدٍ صارخ لتعاليم الإنجيل المقدس، فالحكومة المصرية بل ومؤسسة الرئاسة نفسها تلجأ إلى المؤسسة الدينية "الأزهر" في كل ما تتخذه من قرارات وما تسنه من قوانين وتشريعات، لدرجة أنَّ الرئيس مبارك نفسه قد صرَّح لبعض وسائل الإعلام عقب انعقاد مؤتمر السكان بمصر عام 1994 بأنه لا يمكن بأي حال سن قوانين مُخالفة للشريعة الإسلامية في مصر، ومما يؤكد أيضًا على أننا في دولة دينية يُحكم أقباط مصر والبهائيين فيها بالشريعة الإسلامية هو تمسك الحزب الوطني الحاكم بعدم المساس بالمادة الثانية من الدستور، كما لا ننسى تصريح مجلس الشعب المصري وقت التعديلات الدستورية بأنه لا مساس بالمادة الثانية من الدستور! وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا في دولة دينية بحتة ولا حقوق فيها للأقباط والبهائيين بل والشيعة في مصر.

 ولقد ثبت أن المواطنة التي تم وضعها في الدستور لا تنطبق على الأقباط والبهائيين، بمعنى أن المواطنة قد تم أسلمتها جبريًا وتلقائيًا في ظل وجود المادة الثانية من الدستور، وأن الدولة المدنية التي يُصدع النظام بها رؤوسنا لا وجود لها، ويحضرني هنا تصريح  لفضيلة شيخ الأزهر د0 محمد سيد طنطاوي نشرته صحيفة روز اليوسف في عددها الصادر في 20 يونيو 2008 عند لقاءه بوفد الكلية الحربية الأمريكية في إطار جولة الوفد للتعرف على سياسة الشرق الأوسط برئاسة جيلاند سيرز حيث قال: "السياسة قسمان، سياسة عامة وهذه يعرفها شيخ الأزهر والمفتي، وسياسة خاصة"  ثم استطرد قائلاً: "نحن تلامذة في السياسة وأساتذة في الدين، فوزير الخارجية استاذ لشيخ الأزهر في السياسة ولكنه تلميذ لشيخ الأزهر في الدين ، وأن الأزهر يبين الأحكام الشرعية في التصرفات السياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات" وهذا التصريح يؤكد بما لا يدع مجالاً لشبه شك رجوع مؤسسات الدولة جميعها بما فيها الرئاسة للأزهر لأخذ رأيه في شرعية وعدم شرعية التصرفات السياسية والاقتصادية بل والصحية "قانون زراعة الأعضاء مثلاً" ، فبعد كل ذلك هل مصر دولة مدنية ؟!!!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق