بقلم: عوض بسيط
قبل أن تقرأ..
هذا المقال هو محاولة نقدية لتحليل الحركة القبطية، والوقوف على المخاطر التي تتهددها، إذا كنا نريد الاستمرار في العمل القبطي.. علينا أحياناً التوقف والنظر للخلف لنتأكد أن خطواتنا على الدرب الصحيح..
كل ما سيرد هو مجرد وجهة نظر شخصية قد تحتمل الصواب والخطأ، فرجاء تفنيدها موضوعياً دون الدخول في النيات..
1-الصراعات الداخلية
لا شيء يمكن أن يفتت الحركة القبطية بقدر الصراعات الداخلية، فمن يتابع العمل القبطي عن كثب يستطيع أن يتبين بوضوح وجود أكثر من فريق، وللأسف لا توجد أسباب أيدلوجية عميقة تولد الاختلاف، ولا توجهات سياسية متباينة بين الأقباط للدرجة التي يختلفون بسببها، ولكن يبدو أنها البحث عن قمة الهرم، وافتقاد ثقافة الحوار! وهواية التصنيف.. اليوم الذي سينبذ فيه القادة خلافاتهم ويتوحدوا هو اليوم الذي ستنهض فيه الحركة القبطية.
2-تديين القضية
وهذه نقطة شائكة؛ فالمشكلة هنا أننا عندما نتحدث عن حقوق الأقباط، كحقوق للمسيحيين، نعطي القضية بعداً دينياً طائفياً ونفقدها توجهها السياسي، مما يوقعنا في فخ الفتاوى الدينية! فهل المسيحي مواطن أرضي له حقوق وواجبات، أم هو مواطن سمائي تمر أيام غربته على الأرض في انتظار المجيء الثاني؟ طبعاً هذا سؤال لا محل لإجابته ولا حتى للنقاش حوله إذا كنا نتحدث عن حقوق سياسيية لمواطنين مصريين بغض النظر عن هويتهم الدينية، ناهيك عن الحرج الذي نضعه على أكتاف الكنيسة المصرية بمطالبتها بموقف سياسي في صف الأقباط، بالطبع للكنيسة دور ولكنه دور ديني كنسي، ولابد أن يظل كنسياً منعاً للكثير من اللغط الذي أثير ويثار ولا أحب الخوض فيه.
كذلك تديين القضية يفرغ حلقة المطالبة الحقوقية من غير المسيحيين، إذ يضيف بعض المتشددين الأقباط للأزمة بعداً خطيراً وهو الصراع بين الديني وهو ما لا شأن له بألفبائيات النضال الحقوقي السياسي، ثم لماذا يتطوع مسلم للدفاع عن حقوق دينية لمسيحي؟ هل يتطوع أصحاب النظرية الدينية في المسألة القبطية بالدفاع عن حقوق المسلمين الدينية؟ وحتى أكون واضحاً أكثر فالحق في الصلاة وبناء دور العبادة وتغيير الديانة، هي حقوق تخص المواطنة تحتاج لنضال سياسي حقوقي، يضم كل أطياف المجتمع بكل توجهاته، لأن الهدف يخدم الجميع. أما إذا أصر البعض على تفريغ الحلقة من غير المسيحيين؛ فإنه يرتكب نفس الجرم السياسي الذي ارتكبه الإخوان المسلمون في حق البلد!
3-الإثارة
كم فتاة مسيحية مختطفة في مصر؟ بصراحة لم أقتنع بأية حالة! كم فتاة مختفية؟ الكثير جداً. كم واحدة منهن تم التغرير بها في قصة حب وورطة زواج عرفي؟ الكثير أيضاً.
هنا أود أن نكون أكثر دقة وموضوعية فمصطلح الاختطاف به الكثير من المبالغة والإثارة، بينما لو اقتفينا آثار أي حالة لفضلنا استخدام مصطلح "اختفاء" ففي معظم الحالات تكون الفتاة مفتقدة للحب والحنان داخل الأسرة، وأحياناً كثيرة تكون مفقودة من دائرة الخدمة الكنسية، وهنا يظهر أحمد أو مصطفى أو..... الذي في الغالب يكون مفتقد للكثير أيضاً، ربما يكون مدفوعاً من رغبة داخلية لتعويض نقاط نقص عديدة، وربما يكون مأجوراً وهذا يحدث، المهم تبدأ القصة كالمعتاد وتنتهي بالزواج العرفي أو الرسمي بعد أن يقوم الأمن –في أحيان كثيرة- بدوره في إخفاء الفتاة وحماية الشاب وأسرته، حتى تتم إجراءات الإشهار في حماية الشرطة!
وحتى نكون موضوعيين علينا أن نتحرى الدقة فلا نقفز لاستنتاج الاختطاف، بل نصل للمسئولين عن النتيجة وهم في الغالب: الأسرة المهملة في تسديد احتياج الحب للفتاة، والكنيسة التي تكتشف الحالة بعد فوات الأوان، وهنا إذا اعترفنا بهذا يمكن أن توجه بعض الجهود للتوعية الأسرية والكنسية، وهذا هو دور الكنيسة في الموضوع، أما الشق الآخر في المسألة فهو التواطئ الأمني في الحادث، وإخفاء المعلومات لمصلحة طرف على آخر، وأحياناً تصل المساندة للطرف المسلم إلى التدخل الشخصي بالإخفاء للفتاة خاصة إذا كانت قاصراً، وأحياناً التهديد والوعيد لأسرة الفتاة! وهذا هو الشق الحقوقي القانوني الذي يجب أن تهتم به الحركة القبطية، حتى لا نفقد مصداقيتنا أمام الجميع.
4-عدم وجود أجندة واضحة للعمل القبطي
هل هناك أحد يعرف ما هي أجندة أي مظمة قبطية للعمل في العام 2010 وهو بعد أيام؟ إنها كارثة أن تدار الحركة القبطية بعشوائية، فلا قائمة للأولويات، ولا أجندة واضحة يمكن أن يتابعها المواطن العادي ويتفاعل معها، فقط مجموعة من البيانات والمؤتمرات كل حين وآخر، وهي صادقة النية في محاولة التأثير وتحريك الماء الراكد وبالفعل قامت بالكثير، فما بالك لو كان الأمر منظماً ومدروساً وفق خطة زمنية محددة؟!
5-عدم المتابعة
وهي وللحق أمر كارثي لأي جهة تريد أن تمتد للمستقبل، فمن غير المعقول أن نصدر بيانات دون أن نتابعها، أو توصيات مؤتمرات دون أن يكون هناك آلية تنفيذ.. كان لي شرف حضور مؤتمر شيكاجو قبل عامين وكان بعنوان "القضية القبطية.. الواقع والآليات" وكنت سعيداً جداً بوجودة كلمة "الآليات" في عنوان المؤتمر، وكانت بالفعل على أجندته، وخرج المؤتمر بتوصيات رائعة ومختلفة، تتعلق بتشكيل لجان قانونية، وعلاقات دولية، ومركز أبحاث، و، و، والكثير.. ثم...!
مثال آخر قريب هو مبادرة حماية القاصرات التي أطلقها الزميل والصديق شريف رمزي، والتي احتوت برنامجاً رائعاً لحماية ودعم القاصرات قانونياً ونفسياً وروحياً منعاً لحوادث الأسلمة أو للتقليل من آثارها، ولكنها للأسف لم تتحول من بيان ورقي إلى واقع عملي حتى الآن.
هناك نوع من الرؤية لدى العديد من المنظمات القبطية ولكنها للأسف رؤية بدون تفعيل، فتتحول إلى حلم يقظة.
6-العاطفة قبل العقل والقانون
ويظهر ذلك في لهجة بعض البيانات الغاضبة التي أحياناً يكتبها –للأسف- قانونيون ولكنهم يتجهون إلى العواطف والمشاعر، دون تأصيل البعد القانوني في البيان، الذي كثيراً ما يستخدم تعبيرات مثل: البربر، الغوغاء، الدهماء. كما تظهر العاطفة واضحة في المشكلات السابق ذكرها، فعلى سبيل المثال مسألة الإثارة أو المبالغة هي مسألة عاطفية بحتة حيث تظهر الأحكام الظاهرية البعيدة عن النقد والتحليل.
7-افتقاد لغة الاختلاف الراقي
فهذا خائن وذاك عميل، وبين ألقاب يهوذا وبيلاطس تتوه لغة الاختلاف المتحضر، يقول فولتير: "قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأنأدفع حياتي ثمناً لحريتك في التعبير عن رأيك" وهذه للحق ثقافة مفقودة في المجتمع المصري ككل، فلم نتعلم بعد أن نختلف مع آراء وليس أشخاصاً.. ومرة أخرى يسود منهج الإخوان المسلمين التكفيري في مواجهة الاختلاف! |