CET 09:50:16 - 14/12/2009

مساحة رأي

بقلم: يوسف سيدهم
مازالت أصداء الاستفتاء السويسري حول منع بناء المآذن الملحقة بالمساجد تتردد في أجواء الإعلام المصري - أكثرها متشنج وأقلها عاقل - حيث تحمل رد فعل المصريين والعرب علي نتيجة الاستفتاء التي جاءت بموافقة الأغلبية وتكاد تخلق أزمة سياسية ودبلوماسية تجتهد الحكومة السويسرية لتجاوزها. .. لكن القاسم المشترك الأعظم في ردود أفعال منطقتنا عنوانه الكيل بمكيالين أوازدواج المواقف، لأن ما يقال يذكرنا بالانتقادات التي توجه إلي بلادنا إزاء معايير احترامها لحقوق الإنسان ومستويات كفالتها للحريات الدينية والتي نرفضها بغضب محذرين المؤسسات التي توجهها لنا من مغبة التدخل في شئوننا الداخلية (!!)... كما نندفع باتهام كل من ينتقدنا في هذا الإطار بأنه يتآمر علي بلادنا ويزرع الفرقة بين أبناء الشعب الواحد (!!)...

فما بالنامغيبون عن ذلك كله ونحن نصيغ أدبيات الشجب والرفض لنتائج الاستفتاء السويسري؟وما بالنا غير متنبهين أن بيتنا من زجاج بينما نهرع لنقذف بيت الآخرين بالطوب؟ !!

الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف يكتب :... المآذن التي يعلوها الهلال تعد رمزا للإسلام مثلما ترمز أبراج الكنائس التي يعلوها الصليب للمسيحية، وحرمان المسلمين من هذا الرمز يدل علي تمييز عنصري وتضييق ديني، ولست أدري كيف يتفق التعديل الدستوري بمنع بناء المآذن مع ما ينص عليه الدستور السويسري من حرية العقيدة والمساواة، فهذه المساواة في حق المسلمين ستكون من غير شك مساواة منقوصة.

إذن الدكتور حمدي زقزوق يعلم تماما أهمية الرموز في دور العبادة ويؤكد دور المئذنة للمسجد مثلها مثل برج الجرس للكنيسة، كما يؤكد أن حرمان أي طرف من هذا الرمز يدل علي تمييز عنصري وتضييق ديني ومساواة منقوصة.. ألا يعرف سيادته أن هذا الحرمان سائد في مصر في المدن الصغيرة والقري حيث دور العبادة للأقباط - ولست أقول الكنائس لأن الكنائس بعيدة المنال - متخفية قسرا ومحرم ظهور علامة عليها من الخارج؟

الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أبدي استياءه من قرار حظر بناء المآذن وقال :... إن المآذن ليست إلا دليلا علي مكان العبادة وليست لها دلالة سياسية أو غيرها بل هي رمز عمراني جميل يدل علي تسامح البلد وتنوعه الديني والثفاقي.

عظيم جدا أن يصرح الدكتور يوسف القرضاوي بذلك، لكن يظل هناك آلاف الأقباط عاجزين عن تصديقه لأن حياتهم المعاشة تشهد بغير ذلك، ومقاومة السلطات لبناء كنيسة لهم هو الأمر الملموس، واعتداء الغوغاء والمتعصبين علي المكان الذي يصلون فيه يمثل تهديدا مستمرا خاصة إذا تجرأ هذا المكان وأظهر نفسه بأي عنصر يعكس رمزا عمرانيا جميلا يدل علي تسامح البلد وتنوعه الديني والثقافي !!

مجلس نقابة المحامين المصريين أعرب عن استنكاره لنتيجة الاستفتاء وحظر بناء المآذن علي الرغم من أن الدستور السويسري يقر حرية العقيدة واعتناق الأديان وحقوق الإنسان وعلما بوجود ما يقرب من نصف مليون مواطن سويسري مسلم.

لكن مجلس نقابة المحامين يعلم تمام العلم أن الدستور المصري يقر حرية العقيدة واعتناق الأديان وحقوق الإنسان كما يعلم عن وجود ما يقرب من عشرة ملايين مواطن مصري قبطي، وبالرغم من ذلك لم نسمع منه أي شيء عن حتمية إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة المنوط به علاج الخلل المعاش بشأن المساواة بينهم وبين إخوتهم المسلمين في هذا الخصوص !!

الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب يقول :... منع بناء المآذن فيه ضرر بالمسلمين لأن المسلم يتعرف علي مكان المسجد عن بعد برؤية المئذنة ولأن المآذن تشير إلي خصوصية المسجد بأنه مقر العبادة للمسلمين، كما أن بناء دور العبادة الأخري بأشكالها ومآذنها الخاصة يشير إلي نوعية تلك الدور. .. فلماذا يأتي الحظر لمآذن الإسلام، أليس في هذا تفاوت وتفرقة بين معاملة أتباع الأديان؟أليس في هذا تعميق للتمييز ضد المسلمين؟أليس في هذا تصرف استفزازي يتصادم مع حقوق الإنسان ومع الديمقراطية والمساواة؟.

لست أعترض علي أي من تلك الأسئلة، لكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من استدعاء واقع ومعاناة كثير من الأقباط وكنائسهم الذي لا يختلف كثيرا عن هذه الأدبيات الغاضبة الباحثة عن حقوق الإنسان والمساواة. .. وأكرر ألا يسوق أحد صور كنائس القاهرة أو الإسكندرية أو عواصم المحافظات لتفنيد كلامي فالنسيج القبطي المنتشر في ربوع مصر ومجتمعاتها الفرعية والرئيسية لا يعرف أبدا مثل تلك الكنائس، بل يقنع صاغرا للصلاة في أماكن متواضعة ولا يجرؤ علي المطالبة بإلحاق برج جرس بها حتي يتعرف علي مكانها عن بعد أو للإشارة إلي خصوصيتها باعتبارها مقر عبادة المسيحيين !!... وأكاد أتصور الغالبية العظمي من مسئولينا ليست من أبناء القاهرة أو المدن الرئيسية بل يرجع مسقط رأسها إلي عمق مصر حيث قراها ونجوعها، فهل يتفضل أي منهم بالعودة إلي مسقط رأسه ويحاول الاستدلال علي الكنيسة هناك ويأتي لنا بصورة لها لننشرها؟ !!

الأستاذ رجب البنا يكتب :... الهجوم علي الإسلام في سويسرا يتضح من الكم الهائل من الكتب والمقالات وبرامج التليفزيون، ومصادر معرفة الإسلام في سويسرا تنحصر في كتب غير موضوعية في الغالب ومتحيزة ضده من عناوينها، والمناهج الدراسية المقررة أسهمت في تضليل العقول، كما يظهر العداء للإسلام هناك عندما يسعي المسلمون للحصول علي قطعة أرض لبناء مسجد فيواجهون بالاعتراض دائما. .. ولا يحصل المسلمون بسهولة علي تصاريح لبناء مساجد في سويسرا.

لم أكن أتصور أن يكتب الأستاذ رجب البنا العالم بواقع ومواطن الأمور عن الأقباط وكنائسهم في مصر هذا الكلام، لئلا يضع نفسه في حرج استثارة ردود الفعل للمقارنة بين مصر وسويسرا. .. ولكن لأنه فعلها وسجل بكل جرأة واقع الهموم علي الإسلام في سويسرا وكم الكتب والبرامج والمقالات التي تتولي تشويهه علاوة علي إسهام المناهج الدراسية في تضليل العقول، أقول له : وكأنك تتحدث عن مصر تماما فيما يخص تيار العداء للمسيحية وأدعوك في هذا السبيل إلي زيارة دور النشر المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب كل عام حتي تري ما تعرضه من كتب ضد المسيحية مجتمعة ومركزة في مكان واحد بدلا من أن تتجشم عناء الذهاب للبحث عن كل منها حيث توجد، كما أدعوك لاستعراض المناهج الدراسية لكتبنا المدرسية للغة العربية والتاريخ لتكتشف بنفسك أي تضليل للعقول وغرس للفكر الأحادي الرافض للآخر تزخر به. .. وأخيرا فيما يخص رصدك لمتاعب المسلمين في سويسرا بالنسبة لسعيهم للحصول علي قطعة أرض لبناء مسجد أو الصعوبات التي يواجهونها لاستصدار تصاريح البناء للمسجد، لست أملك إلا أن أنصحك بأن ترسل لهم نسخة من القانون الموحد لبناء دور العبادةالذي يرقد في مجلس الشعب المصري منذ خمس دورات برلمانية ينتظر إصداره دون جدوي، فهو كفيل بعلاج جميع مشاكلهم في هذا الخصوص، مع رجاء تحصينهم ضد المناورات التي قد يتعرض لها هذا القانون في البرلمان السويسري بغية تجاهله ومنع صدوره علي أن نشحذ أقلامنا جميعا لمراقبة الأمر وفتح النار علي البرلمان السويسري إذا تجرأ وفعل ذلك !!!

ألم أقل لكم إن بيتنا من زجاج. .. فلماذا الطوب؟ !!
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق