بقلم/ماجد كامل
جاء الرومان الي مصر حوالي عام 30 ق.م ؛بعد هزيمة اوكتافيوس لكليوباترا السابعة في موقعة اكتيوم البحرية ؛ والتي بعدها بدأ الحكم الروماني في مصر ؛ ولقد كان وجود الجيش العسكري في الإمبراطورية الرومانية ضرورة كبري ؛لذلك حرصت الإمبراطورية علي إعداد القوات العسكرية اللازمة لحمايتها . واهتموا كذلك بالجنود واعتنوا بهم عناية فائقة ؛ وهذا ما ظهر في قول الإمبراطور سبتميوس ساويرس ( 193- 211 م ) يوصي أبنه وولي
عهده بالجند قائلا "ابذل العطاء للجند ولا تدع بالا للآخرين " . ولقد ذكر أحد المؤرخين ويدعي "بينز " "ليس تاريخ روما إلا تاريخ الجيش الروماني ؛ولا يصدق اعتبار بيزنطة وريثة روما في شيء بقدر ما يصدق فيما يختص بسياستها العسكرية ؛لقد بنيت الإمبراطورية أفضل كتائبها .وكان المشاة أساس قوة الكتائب " .
ولقد قام الجيش الإمبراطوري علي قوتين أساسيتين هما : قوة المشاة ؛وقوة الفرسان المتحصنة بالدروع والتي أخذت تتفوق علي المشاة في نهاية أواخر عهد الإمبراطورية الرومانية .
وكانت توجد فرقة أخري للجيش هي فرقة جيوش الأطراف أو الحدود ؛وهذه الجيوش ترابط علي امتداد حدود الإمبراطورية الرومانية .وإلي جانب الرومان ؛كان الأباطرة الرومان ومن بعدهم البيزنطيون يجندون أسري الحروب ؛ومنهم تكونت فرقة من فرق الجيش عرفت بقوات الحرس الإمبراطوري من
الرومان والجرمان ؛ولمهارتهم العسكرية كانت مهمتهم تدريب القادة ؛ولذلك التحق بهذه الفرقة أبناء الضباط ؛وأبناء الأسر الشريفة الموسرة ؛ وكانوا يقيمون بالقصر الإمبراطوري فعرفوا بخواص الإمبراطور أو بجنود القصر ؛كما كانوا يكلفون بمهام خاصة خارج العاصمة ؛ولهذا السبب صار لهم وضعا مكانة ووضعا متميزا ؛وأجورا تزيد عن أجور الجندي العادي .
كما أنشأ الإمبراطور قسطنيطين الكبير (306- 337 م ) فرقة خاصة من الحرس الإمبراطوري تألفت من جنسيات رومانية وجرمانية ؛وتخضع في قيادتها لرئيس الدواوين بعيدا عن الجيش النظامي ؛وارتبطت بهم فرقة عرفت بأصحاب الحلة البيضاء نسبة إلي لون ملابسهم .أما الجيش الإمبراطوري فكان تحت قيادة قادة الفرسان والمشاة ؛ثم تم الجمع في القيادة بين الفرسان والمشاة تحت قيادة قائد واحد لقب برئيس الفرسان والمشاة معا .
ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد أفراد الجيش الإمبراطوري ؛فتقدر عدد قوات المشاة في زمن دقلديانوس (284- 305م ) وقسطنطين بنحو 250 ألف ؛ وعدد الفرسان بنحو 110 ألف . أما الجيش النظامي فعدد المشاة حوالي 150 ألف والفرسان حوالي 46 ألف . وبقرار المواطنة الذي أصدره الإمبراطور كاركلا (188- 217م ) عام 212 م ؛أصبح جميع سكان الإمبراطورية يتمتعون بالجنسية الرومانية ولهم كل الحقوق التي للرومان . ونتيجة لذلك أصبح لغير الرومان الحق في الالتحاق بسلك الجندية ؛فألتحق بالجندية عدد كبير من المغامرين الذين تقدموا للخدمة العسكرية بمحض إرادتهم للقائد العسكري وحصلوا علي شهادات تفيد قبولهم للجندية .
أما عن رواتب هؤلاء الجنود ؛فتمثلت في الخبز الجاف ؛أو النقود التي تعتبر بديلة لهذه الجراية لشراء الخبز واللحم والخمر والزيت والملح ؛وهي عبارة عن 3 جنيهات للخبز ؛وجنيهان للحم الطازج ؛وبنسان للخمر ؛وفي القرن الرابع صرفت لهم الجراية عينا لمدة 9 شهور ؛ونقدا لمدة 3 شهور . كما تقاضي هؤلاء الجنود رواتب نقدية في أعياد الميلاد ؛وأعياد تتويج الأباطرة ؛وكانت تصرف بالدينار النحاسي طوال القرن الرابع الميلادي ؛وبالعملة الذهبية طوال القرن السادس الميلادي ؛ وكانت عبارة عن خمسة صولدي وجنيه من الفضة ؛ أو تسعة صولدي ؛ ثم تضاءلت إلي خمسة صولدي في عهد الإمبراطور جوليان؛ "والمعروف في التاريخ بيوليانوس الجاحد أو المرتد( 361- 363)" ؛ مما أدي إلي تراخي الجنود في أعمالهم وزاد الأمر سؤا تأخر دفع الرواتب في زمن الإمبراطور جوستنيان ( 527- 565 م ) .
كما وجد نظام آخر لدفع الرواتب لجيش الأطراف والحدود ؛وهو منح الأراضي في نظير الخدمة العسكرية كإقطاع يقوم به صاحبه بتجهيز الجيش من إيراد هذا الإقطاع .
أما الملابس العسكرية ؛ فلقد كانت لها زيا خاصا يختلف من فرقة لأخري ؛ فكان كل من الفرسان والمشاة يقسمون إلي فرق خفيفة وفرق ثقيلة . فالمحارب ذو السلاح الثقيل كان يلبس زيا عبارة عن خوذة من الفولاذ علي رأسه ؛ ودرعا من الزرد يكسوه من رقبته حتي فخذيه ؛ وكان يلبس أيضا قفازا من الحديد ؛وأحذية من الفولاذ . أما إذا كان الفارس من ذوي الأسلحة الخفيفة فيلبس سترة من الزرد ؛ والجندي ذو السلاح الخفيف كان يلبس قميصا طويلا من الزرد يصل إلي ركبتيه .
أما عن الأسلحة ؛كان لكل فرقة سلاحها الخاص بها ؛فالمحاربون ذو الأسلحة الثقيلة تتمثل أسلحتهم في السيوف العريضة والخناجر والرماح وأقواس الرماية عن ظهور الخيل وجعب السهام . وكان المشاة ذو السلاح الثقيل يرتدون السيوف والرماح والفئوس ذات النصل القاطع من جهة ؛وسن مدببة من ناحية أخري ؛أما المشاة ذو السلاح الخفيف فكانت أسلحتهم الأقواس التي يرمون بها والحراب التي يقذوفونها ؛وجعبة السهام التي تسع 40 سهما ؛والفئوس المعلقة في الأحزمة والتروس الصغيرة التي تعلق من الخلف في الحزام ؛ كذلك أيضا كان الجندي يرتدي خوذة فوق رأسه مصنوعة من الحديد لكي تقيه من ضربات العدو .
كما وجد أيضا سلاح للخدمات الطبية ؛ويتكون من أطباء ملكيين يساعدهم الفرسان التابعون لهذا السلاح ؛وكان مهمتهم حمل الجرحي من ميدان المعركة إلي الأطباء المعسكرون في الخلف .
ولقد برع الرومان ومن بعدهم البيزنطيون في فنون الحرب ؛ومن التكنيك الحربي الذين عرفوه دراسة الطبيعة الجغرافية لأماكن القتال ؛وكيفية التغلب عليها .
أما عن نظام الجيش في مصر ؛فلقد كانت توجد ثلاث فرق عسكرية موزعة علي الأقاليم الثلاثة ؛ واحدة في الإسكندرية ؛والاثنتان الأخريتان في سائر القطر المصري ؛إلي جانب تسع سرايا : ثلاث في الإسكندرية ؛وثلاث علي الحدود الأثيوبية في أسوان علي الجنوبية لمصر ؛وثلاث في سائر أنحاء القطر المصري .فضلا عن ثلاث وحدات من الفرسان معينة في مناطق الخطر .
ولأهمية الجيش في الإمبراطورية أصبح للقادة شأن عظيم ؛حيث لعبوا دورا كبيرا في الشئون الإدارية سواء في العاصمة أو الولايات . ولم تقتصر مهمة القوات العسكرية علي القتال وحفظ الأمن الداخلي فقط ؛ ولكن تركزت أيضا في مساعدة الموظفين في أعمالهم ؛والقضاء علي قطاع الطرق .
وأنقسمت القوات العسكرية في مصر إلي عدة فرق :نذكر منها الفرقة الأولي هي فرقة الأتباع ؛ويجري تجنيد أفرادها عن طريق الإلزام ؛ أو التطوع ؛ أو الوراثة لأبناء الجنود المسرحين . أما الفرقة الثانية فهي جيش الحدود أو الأطراف ؛ وهي التي ترابط علي الحدود الغربية والجنوبية ؛وتقوم بحراسة الحدود والقلاع ضد المغيرين عليها .والفرقة الثالثة هي فرق جيش المعاهدين ؛وتتألف من الجرمان والمغامرين الوفدين من خارج حدود الإمبراطورية ؛ويتولي قيادتهم قادة معينون من قبل الإمبراطور .
كما عرف الجيش البيزنطي نظام "المرتزقة أو المأجورين " في الجيش الذين عرفوا "بالبقلار " .
ولم يكن في بداية الأمر يسمح للمصريين بالانخراط في الخدمة العسكرية ؛ولكن عدل عن هذه السياسة وسمح لهم بدخول الجيش إما بالتطوع أو الاقتراع أو الوراثة .
وكان الجندي يظل يعمل في الخدمة العسكرية حتي سن الأربعين ؛ثم يتم إعفاؤه وتسريحه من الخدمة ؛ويتمتع بامتيازات وحقوق خاصة مثل الإعفاء من الضرائب .
أما عن توزيع الفرق العسكرية علي الأقاليم ؛فهو لم يكن عشوائيا ؛ولكنه يخضع لأوضاع استراتيجية وحربية هامة ؛ فمنطقة الجنوب الممتدة من أسوان حتي حلفا ؛كان يوجد بها حامية عسكرية هناك إلي جانب سلسلة من القلاع الحربية تحميها من غارات الأحباش الذين ظهر خطرهم منذ دخول الرومان مصر ؛ أما الدلتا فهي عبارة عن مثلث رؤسه الثلاثة الإسكندرية وبابليون والفرما ؛ وتتصل الثلاثة بفروع من النيل والقنوات .
كذلك أيضا وجدت بعض الحاميات في وادي النيل ؛مثل مدينة هرموبوليس (الأشمونين حاليا ) وقفط ؛ نظرا لما يرد إليها ويخرج منه من السلع التي تصلها من مواني البحر الاحمر .
ولقد قام الإمبراطور جوستنيان بدور كبير في تطوير الجيش؛ منها أنه قام بوضع القانون رقم13/ 538 ؛والذي بمقتضاه تم تقسيم مصر إلي خمس أقاليم بدلا من ثلاثة ؛ وقسم كل إقليم إلي مقاطعتين ؛كما جمع بين السلطة المدنية والعسكرية في يد حاكم واحد كما حدد حدود مصر ؛بثلاثة مواقع هي :- العريش ؛وبوريون (علي حدود ليبيا) ؛ وجزيرة فيلة (نهاية الحد الجنوبي لمصر ) .كما أهتم اهتماما خاصا بمدينة الإ‘سكندرية ؛فأمر بزيادة تحصين الميناء ؛كما فرض عقوبات قاسية علي الموظفين الذين يتراخون في أداء واجبهم . كذلك أيضا قام جوستنيان بزيادة التحصينات الداخلية والخارجية ؛بل وأقام تحصينات جديدة منها ما عرف "قوة جوستنيان العسكرية في ليبيا "؛كما أهتم أيضا بالأسطول المصري ؛وطور صناعة السفن الحربية ؛وفي مصر تم اختراع سلاح "النار الإغريقية " وهي عبارة عن مزيج من مواد سريعة الاشتعال وتشعتعل استعالا شديدا لا يمكن إطفاؤه بسهولة ؛ وصاحب هذا الاختراع رجل يدعي " قلينيكوس " وهو مهندس مصري من مدينة هليوبوليس
وبالرغم من كل هذه المزايا التي تمتع بها الجيش المصري في العصر الروماني واالبيزنطي ؛إلا أنه لم يخلو من بعض المساويء والعيوب نذكر منها :-
1- لم يكن جيشها أكثر من جيش إقليمي جند أفراده من سكان البلاد ؛وقاده أفراد من سكان نفس الإقليم ؛ ولقد حظي هذا الجيش بقدر ضعيف من التدريب والنظام العسكري ؛كما لم يخوضوا أي حرب جدية ؛وأتخذوا إلي جانب الحرب الكثير من المهن المدنية
2- كثير من الجنود المصريين شعروا بما شعر به بقية الأهالي من فداحة الضرائب والقهر ؛لذا كرهوا الحكم البيزنطي
3- عدم خضوع النظام العسكري في مصر البيزنطية في كثير من الأحيان لقيادة موحدة ؛مما جعل كل دوق يضن بمساعدته علي بقية الأدواق ؛وبات كل منهم مواجهة ما تتعرض له دوقيته من أخطار منفردا ؛ وظهر هذا واضحا في الغزو الفارسي لمصر عام 617م .
4- نحي كثير من الأدواق الشئون العسكرية جانبا ؛وأستغرقوا في المنازعات الشخصية بينهم مما أدي لفرقتهم أمام الحروب والأخطار
5- مع أن الجيش البيزنطي كان كثير العدد ؛ إلا أنه كان ضعيفا سيء القيادة والتنظيم والتدريب ؛وأشتهر قادته بالضعف والفرقة ؛أما الجنود فلقد أتصفوا بسؤ التدريب وعدم الإخلاص لبيزنطة .
6- أن بقاء القوات العسكرية الإقليمية مرابطة في الأقاليم ؛وعدم الانتقال إلي أماكن أخري لخوض حروب ومعارك لصالح الامبراطورية ؛ جعلهم يتراخون ولا يقدرون صالح الإمبراطورية العام .
نشر بمجلة الهلال عدد شهر أكتوبر 2013
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |