بقلم: صبحي فؤاد
ما هي الحدود الممنوع والمسموح بها في الإعلام العربي المقروء والمسموع؟؟ وما هي الخطوط الحمراء التي لا يسمع لك رئيس تحرير جريدة عربية أو محطة تلفزيون أو إذاعة بتجاوزها بأي حال من الأحوال؟؟ وهل المسموح أو الممنوع به يختلف من جريدة إلى أخرى ومنبر إعلامي وآخر؟؟ هل هناك قواعد أو مفاهيم ثابتة تخضع لها حرية التعبير عن الرأي في إعلام الدول العربية؟؟
من خلال متابعاتي اليومية وتجاربي الشخصية مع العديد من وسائل الإعلام العربي، وجدت أن الممنوع أو المسموح به لا يخضع إلى معايير قانونية أو مهنية أو أخلاقية ثابتة واضحة وإنما وجدت أنه يخضع بالكامل إلى التوجه السياسي والاجتماعي والديني للمنبر الإعلامي المقروء أو المسموع، والمزاج الشخصي لصاحبه أو المشرف عليه.
خد عندك على سبيل المثال، هناك جريدة إلكترونية تصدر يوميًا في مصر يملكها ويشرف عليها شقيقان من المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين. هذه الجريدة الالكترونية تستمد وجودها وبقاءها في الوجود من تخصصها في نشر السموم والأكاذيب والإشاعات والافتراءات والقصص والأخبار الملفقة ضد كل ما هو مصري غير مسلم!! -وإذا كتبت إليهم عملاً بحرية الرد- محاولاً نشر الحقيقة وتفنيد أكاذيبهم وادعاءاتهم الباطلة فتجدهم لا يسمحون أبدًا لك بالنشر، أما إذا كتبت إليهم تتهجم على العقيدة المسيحية وقيادات الكنيسة سواء كنت مسلمًا أو مسيحيًا فتجدهم لا يرفضون طلبك بالنشر.. بل وتصبح من وجهة نظرهم العالم الجليل والشيخ الفاضل والمفكر الكبير والفيلسوف العظيم.
أما عن الصحف الحكومية في مصر وبقية الدول العربية، فلا تجد هناك فرقًا كبيرًا يذكر حيث أنهم لا ينشرون لك مقالاً أو يعطوك فرصة التعبير عن رأيك بحرية –ملتزمة بالقانون- في إذاعاتهم أو فضائياتهم إلا إذا كان متماشيًا مع سياسة وتوجهات الحاكم والدولة والنظام.. خلاف ذلك أنت ممنوع من النشر وغير مرغوب في كتاباتك أو آراءك.
والبديل الوحيد الذي تجده أمامك ككاتب أو مفكر حر في العالم العربي إما أن تبحث لك عن مهنة أخرى بعيد عن الكتابة تاكل منها وتكسب لقمة العيش أو السير مع التيار وركوب الموجة العالية.. فإذا تصادف أنك تعيش في بلد حاكمها شيوعي يؤمن بالفكر الماركسي فما عليك إلا أن تهتف بحياته وانجازاته وتشيد بالنظام الشيوعي ولا تنسى أن تتظاهر بأنك أكبر شيوعي وماركسي في العالم وتؤمن فقط بلنيين وكارل ماركس.
واذا كان الحاكم دمويًا دكتاتوريًا ظالمًا لشعبه.. لا هم له سوى التنكيل بشعبة وإذلاله وإفقاره وتجويعه وتهليب وسرقة وتوزيع ثروات البلد على أسرته وأقاربه وحاشيته.. فما عليك سوى الإشادة بانجازاته الوهمية والكتابة عن رقة قلبه وإنسانيته وطاهرة يده وحبه وانحيازه للفقراء لكي ينشر لك وتصبح نجمًا ساطعًا في وسائل إعلام هذا البلد!!
وإذا كان الحاكم يعرف الكل شرقًا وغربًا أنه مهرج كبير وأضحوكة ومختل الفكر والعقل ويتصور نفسه أنه الزعيم الملهم وأعظم الحكام الذين أنجبتهم البشرية منذ بداية الخليقة.. فلا حرية لك ولا مال أو أمان إذا تجرأت وكتبت الحقيقة التي يعرفها الكل عن هذا الحاكم.. لن تجد صحيفة واحدة تنشر لك إذا قلت أن ما يفعله هذا الرجل نوع من أنواع الجنون لا يمكن أن يصدر عن إنسان طبيعي عاقل.. ولكن إذا قلت غير الحقيقة وأعطيته صفات لا تنطبق عليه فلن تجد من يقف في طريقك أو يعترض على ما تكتب!!
إنني لا زلت اذكر وأنا أعيش في مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إنني كتبت مقالة تنبأت فيها بسقوط النظام الشيوعي والاشتراكية وتوجهت بها لجريدة الأهرام في القاهرة.. وبعد أن قرأها المشرف على النشر نظر الرجل إلى وقال: أنت عاوز تخرب بيتي؟؟ تعرف لو أنا سمحت بنشر هذا الكلام ما الذي يمكن أن يحدث لي ولك؟؟
ومرت الأيام والسنين وتحقق بالحرف الواحد ما كتبته عن انهيار الشيوعية والاشتراكية، ولو كانت الأهرام سمحت بنشر ما كتبت وقتها لكانت دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.
إنني أدعو جميع المسئولين والمشرفين على الإعلام العربي لتبنى مفهوم وفكر وفلسفة جديدة من أجل وقف نشر سموم النفاق والتطرف والتعصب الأسود وإتاحة الفرصة للرأي الحُر الشجاع الملتزم بالقانون للوصول إلى عقول وقلوب الناس البسطاء من أجل إصلاح ما أفسده الحكام الظالمين والكتاب والإعلاميين المنافقين والمتطرفين في العديد من الدول العربية.
استراليا
Sobhy@iprimus.com.au |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|