CET 00:00:00 - 18/12/2009

مساحة رأي

بقلم: صبري الباجا
لم تكد حملة تشتيت وصرف ذهن المواطن المصري عن مشاكله الحياتية وشغله بنتائج مبارة كرة القدم مع الجزائرــ التي أشعلها كتبة النظام وخدمه ــ   تهدأ، حتي نشط هؤلاء المهيجون مرة آخري ولنفس الهدف وبهمجية ولغط شديد آخذوا يناوشون آمل لاح للتغيير في مصر، عندما أبدى مواطن مصري  يتمتع بمكانة وثقل دولي مشهود رغبته في خوض انتخابات الرئاسة بعد تنقية كل ما يشوبها من تلوث تراكم عبر سنوات طويلة من الفساد والتزوير، استطاع ترزية القوانين أن يصكوه في نصوص قانونية ودستورية معيبة، تسجل مدى الفساد والإفساد الذي يعيش فيه النظام الحاكم ويتعايش عليه كل الطفيلين والمتسلقين باعتباره عائلا يعتمدون عليه، ويحققون من خلال تمجيده والتسبيح باسمه ثروات هائلة ومزايا مقتطعة من قوت الشعب ودمه .
وللنقاش الموضوعي وبعيدًا عن الغوغائية التي يمارسها كتبة النظام وخدمته  ــ والمتوافقه والمتزامنة مع  الحملة الإسرائيلية ضد البرادعي ــ   بشكل فج ومفضوح، قد يكون من الملائم إلقاء نظرة على الواقع السياسي المصري وتحديدًا في الفترة الأخيرة حتى نتفهم سر هذه الحملة  المصرية / الإسرائيلية  ضد البرادعي .

مصر والحراك السياسي :
شهدت السنوات الماضية القليلة حراكًا سياسيًا ملحوظًا سواء من الجماهير المتملمة من الضغوط الحياتية بسبب تراكم المشاكل الاقتصادية والتعليمية وكافة مناحي الحياة، أو من النظام الذي سعى من جانبه إلى فرض القيود على المستقبل السياسي بحيث لا يخرج الحكم عن دائرة العائلة الحاكمة ( عائلة الرئيس مبارك) الذي تجاوز الثمانين وترى العائلة أهمية في الحفاظ على آبهة الحكم ومزاياه ــ من بعده ــ  التي حققت لهم من  الثراء الفاحش، والنفوذ غير المحدود والغير متاح لأعتى النظم الملكية استبدادًا في العهود البائدة وتحت شعار الاستقرار ( وإن شئت الركود والاستبداد ) سارع خدمة النظام وكتبته إلى سن التشريعات المتمثلة في المادة 76 ( المادة الفضيحة ) والتي تضمن انتقال السلطة للوريث دون منافسة بعد أن حصنته بسلسلة من الموانع المعوقة لأي مرشح آخـر، وهو الأمر الذي قوبل بالاستهجان من كافة الطوائف وعلى رأسها الهيئات القضائية، وكامتداد لرفض ما تحاول العائلة فرضه ظهرت الاحتجاجات والإضرابات والخروج للشارع، ولأول مرة يُكسر حاجز الخوف وتحطم صور رأس النظام ( كما في أحداث المحلة ).

القوى الفاعلة في المشهد السياسي المصري:
يكاد ينقسم المشهد السياسي المصري إلى ثلاث قوى اثنتين منهما فاعلتان، والثالثة صامتة ومترقبة.
اــ  النظام الحاكم: المستأسد بقوة الأمن وعنفه وبترسانة القوانيين المقيدة للحريات وبقانون الطواريء الممتد على مدى فترة الـ 28 سنة الماضية( فترة حكم الرئيس مبارك)، ومجموعة المستفيدين من النظام ( رجال أعمال / رؤساء تحرير صحف قومية / وبشكل عام المقربين منه ووهم عماده وسنده على الاستمرار في الحكم سواء عن طريق التمديد أو التوريث، بجانب التخويف المصدر للخارج وبعض الطوائف الداخلية من البديل  المتمثل في الأخوان المسلمين، ليمد في أجل بقائه.
2- قوى المعارضة:  المنقسمة والمتشرذمة والتي تعاني من صراعات فيما بينها وصرعات متنافسة من داخلها وهو الأمر الذي ضاعف وضخّم من قوة النظام في مواجهتها من جهة واستمراره ــ رغم عجزه ــ من جهة أخرى، والنظام وتدخلاته بأساليب مختلفه ساهم بشكل مباشر في هذا التمزق والانقسام.
3ــ الكتلة الصامتة: وهي الغالبية من الشعب المغلوبة على آمرها وهمها منصرف إلى توفير لقمة العيش التي بات الحصول عليها  منهكًا ولا يترك للمواطن فرصة للتفكير في سواها، ولكنها متطلعة إلى من يأخذ بيدها ويسعى بها إلى مستقبل أفضل، وهي القوة التي أبدت تفاؤلاً حذرًا بفكرة ترشيح الدكتور البرادعي، بعد أن ملت من  الحديث عن التمديد أو التوريث  كبديل للتيار الديني المتشدد، وكان يحدوها الأمل في ترشيح البرادعي على قائمة أحد الأحزاب خضوعًا لقواعد اللعبة السياسية المفروضة.

ويري الباحث:
في التعويل على أهمية انضمام د. البرادعي لأحد الأحزاب ــ  كمدخل لخوض انتخابات الرئاسة، ولتجـاوز القيود التي نجح ترزية القوانين من صكها في مواد معيبة ومعوقة  ــ أمرًا مبالغًا فيه رغمًا عن كونه الباب الأوسع والأسهل نسبيًا  لخوض انتخابات الرئاسة.
وبجانب كون عملية ترشيح سيادته على حزب معين لن تضيف شيئًا إلى مكانته واحترامه،  وإنما على العكس ستضفي عليه  ظلال حزبية ضيقة، وتحمل الرجل أوزارًا حزبية لم يكن يومًا طرفًا مشاركًا فيها، و في أقل الأحوال  ستظهره بمظهر المتبني لأجندتها الضيقة، بينما  مجيئه كمستقل وعلى أجندة وطنية أوسع  هو الأفضل له، وحسنًا  فعل الرجل حين حسم الأمر، أنه لن يرشح نفسه لانتخابات الرئاسة من خلال أي حزب سياسي فى مصر وأن رفضه الترشح تحت مظلة حزبية يرجع إلى قناعته التامة بغياب الإطار الدستوري الشرعي الذي يتيح لأي مصري الترشيح لهذا المنصب، مشيرًا إلى أنه سيخوض المنافسة مستقلاً إذا توافرت الضوابط والإجراءات الكفيلة بذلك.

وعندما يربط سيادته ترشيحه بتغيير أوضاع قانونية ودستورية مصطنعة ومعيبة، فإن الرجل بذلك يرفع من شأن المنصب الرفيع ويدافع عن حق كل مواطن مصري في الترشيح دون عائق، فالمنصب بالنسبة لشخصه ومكانته مغرم وليس بمكسب، فقد جدد رفضه خوض الانتخابات دون تعديل الدستور معللاً ذلك: (  لأن الدستور الحالي يحرم الشعب المصرى من اختيار من يمثله دون عوائق «هذا رأيي وموقفي كإنسان مصري يحب بلده ويريده أكثر تطورًا» )، وهو بهذا يهدف لتحقيق فوز للمواطن المصري بحقوقه المشروعة أولاً وقبل خوضه الانتخابات التي يريدها متاحة للجميع.
وحول سؤال عن موقفه فى حالة عدم تحقق الضوابط التي وضعها للترشح، قال:  « المسألة ليست موقفـي الشخصي، فالتغيير لابد أن يتم بإرادة شعبية جماعية فى إطار سلمي ومتحضر، وأنا مستعد للتحرك السلمي المنظم لتغيير الدستور (هشتغل مع الناس) وإذا استطاع الشعب أن يغير الدستور سأكون في خدمته، وإذا لم نستطع إحداث التغيير سأستمر فى خدمة وطني في أي موقع كإنسان مصري، فمنصب الرئيس لا أسعى إليه، وأنا أداة للإصلاح في خدمة الشعب.. لن ألعب «تمثيلية».. إذا نجحنا شعبيًا سأقول هذا الكلام، وإذا لم ننجح سأقوله.. وسأظل أتبنى هذا الموقف حتى أموت».

ويعتقد الباحث أن الرهان على الشعب المصري وقدرته على إزالة هذه العوائق رهان صحيح ومن الممكن أن يتم في إطار سلمي ومتحضر، إذا ما عمل المجتمع المدني بمنظماته والأحزاب المحترمة والنقابات والنشطاء السياسيون، والجماعات، والمدونون، وأصحاب الأقلام الشريفة على فضح وإزالة المعوقات المشينة مشجعين ومتعاونين مع الإرادة الشعبية الراغبة في ذلك والمستعدة للتخلي عن خوفها وصمتها وسلبيتها إذا ما وضحت الأمور أمامها ووجدت القيادة  الرشيدة، التي تعمل لصالح مستقبل مصر لأنها مدركة أن هذا الجهد يصب في صالح مصر قبل أن يخدم ترشيح د. البرادعي وليست هبة الشعب المصري في عام 1919 وتأييده الجماعي ومؤازرته لقادة الوفد  ببعيدة، وليس الظرف الحالي بأقل أهمية عن ظرف 1919، ولعل ما يبعث الأمل ويؤكد صحة الرهان على الشعب المصري هو بوادر الحراك السياسي ورد الفعل الجماهيري المقابل لحالة الفزع التي اصابت النظام الحاكم وأنصاره والمتمثل في وصلة البذاءات التي ألقتها صحافته، وتصريحات مسئولييه وبعض وزرائه، وقيادات الحزب الوطني ولجنة السياسات.

 الشروط و المواصفات المطلوبة لرئيس مصر في المرحلة القادمة: أن يكون:
ــ لدية مصداقية، واسم  يتمتع بالقبول العام محليًا وعالميًا
ــ لديه برنامج وتصور شامل لعملية التحول  يتضمن:
ــ استعادة الثقة في العملية السياسية للمجتمع المصري عن طريق إزالة كل الضغوط  الواقعة على العملية السياسية ليستعيد المجتمع حيويته ويمكن كل أطياف المجتمع وجماعاته من التعبير عن مصالحها بشكل حر وفرز  قياداته الطبيعية بشكل صحي ومعبر لصياغة عقد اجتماعي جديد وبناء دولة عصرية حديثة  قائمة على أساس المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب اللون أو الجنس أو الاعتقاد الديني.

ــ  الفصل بين السلطات وتوازناتها
ــ السلطة فيها قابلة للتداول بشكل سلمي بصرف النظر عن الاتجاهات الأيدلوجية المختلفة.
ومن الواضح أن الدكتور البرادعي  تتوافر فيه المواصفات المطلوبة لرئيس يقود عملية التحول، ويحمل في ذات الوقت برنامجًا يعبر عن مطالب مشروعة للشعب المصري ويطالب بها أحزاب ونشطاء وأصحاب رأي حتي من داخل بعض أجنحة الحزب الوطني نفسه.
ومن هنا فحركة الشعب المصري المطلوبة ليست هي مبايعة للمرشح، وإنما حركة مساندة الرجل من أجل وضع مستقبل مصر على بداية الطريق الصحيح .
و حسنًا فعلت بعض الجماعات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بمسارعتها بتبني الأجندة التي طالب بها د. البر ادعي لكونها متوافقة مع أجندتها الوطنية، ويتبقى على القوي الوطنية التنسيق فيما بينها والنزول إلى الجماهير لتوعيتها وتعبئتها لمساندة البرنامج الوطني ولإحداث الضغوط اللازمة التي تجبر النظام على الرضوخ لمطالب الجماهير المشروعة، وعلى الدكتور البرادعي أيضًا أن يفي بما قاله ( هشتغل مع الناس )، وهو ما يستلزم تواجده في مصر سريعًا  لقيادة الحركات المطالبة بالتغير الذي نادى به والتنسيق معها لإنجاح حملة الضغط على النظام لإرغامه على  قبول المطالب الوطنية ولإعطاء هذه القوىالوطنية ــ التي رحبت به والتي أبدت استعدادها لمساندته ــ دفعة لاستكمال المسيرة والتواصل المباشر معها حتى يتحقق الهدف المرجو.

مقترح للمناقشة:
قد يكون من المناسب ولكسب الوقت والحفاظ على قوة الدفع للتأييد المعلن من بعض الأحزاب والقوى الوطنية والجماعات والأشخاص  لبرنامج الدكتور البرادعي  ولمزيد من الحشد نقدم المقترح التالي لمناقشته وتطويره:
ــ تجتمع رموز العمل الوطني المؤيدة  لمناقشة برنامج د. البرادعي والاتفاق على وسائل تفعيله.
ــ تشكيل وفد منها للسفر ومقابلة الدكتور البرادعي بفينا بهدف:ـ
1ـ  الحصول على إعلان واضح برغبته في الترشيح، لما في ذلك من أهمية حيث كثير من القوي المقتنعة بالبرنامج الذي قدمه في انتظار إعلان صريح للتحرك والمساندة.
2ـ  إطلاعه بشكل مباشر على خريطة القوى السياسية في مصر وإمكانتها.                     
3 ـ  مناقشة نقاط الاتفاق والاختلاف حول برنامجه.   
4ــ اقتراح تشكيل هيئة تتولى عمليات التخطيط  والتنسيق لإحداث الضغط اللازم على النظام ومنع معوقات الترشيح والإعداد للحملة الإنتخابية.

باحث
كاليفورنيا / الولايات المتحدة
s.elbaga@yahoo.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق