أحن إلى كحك أمي

بقلم: ماجد سمير
قال الإغريق: عندما يموت الأب يرحل الإنسان الذي تحبك الناس من أجله، وعندما تموت الأم ترحل الإنسانة التي تحبك الآلهة من أجلها، وبالفعل يظل الإنسان طفلاً إلى أن تموت أمه فيشيخ.
غنى المطرب اللبناني الكبير "مرسيل خليفة" من كلمات الشاعر الفلسطيني الخالد "محمود درويش" أحن إلى خبز أمي .... وقهوة أمي، ولمسة أمي ..... وتكبر في الطفولة يومًا على صدر أمي ، كلمات كتبها درويش بطريقة  تجعل من يقرأها يغرق في ذكريات طفولته ويتذكر أكثر من أحبه من الناس وعندما يسمع شدوها بصوت "خليفة" يجد نفسه غير قادر على التحكم في الدموع التي تنساب من عينيه تمامًا كالحنفية ذات "الجلدة البايظة" التي لا ينفع معها أي سباك حتى لو كان من خبراء التعامل مع حنفيات الشرق الأوسط أجمع.

ويستمر "مرسيل خليفة" في غناء كلمات درويش شاديًا : وأعشق عمري لأني ...إذا مِتُ ....أخجلُ من دمعِ أمي.... خذيني ....إذا عدتِ يومًا ....وشاحًا لهدبُك ....وغطي عظامي بعشبٍ....تعمد من طُهر كعبك ....وشدي وثاقي .. بخصلة شعرٍ بخيط يلوح في ذيل ثوبك. وتسرع الذاكرة تسترجع وتنبش في عقلي كل المواقف الجميلة التي كان لأمي رحمها الله دور بارز فيها في حياتي.. فهي أول من أمسك يديَّ محركًا إياها لكتابة حروف تجمعت في كلمات حتى أصبحت الكتابة مهنتي التي أعمل بها وأصبحت صحفيًا وكاتبًا تصدر له كتب تنال الإعجاب والتقدير، وحينما انتقلت للدراسة ثم العمل بعيدًا عنها، انتابتها حالة من القلق الشديد عليّ، فكانت مكالماتها التليفونية التي كانت تتأكد من خلالها أني في أحسن حال.

ويوم أن طلبت مني التفكير في الزواج ورتبت مع شقيقتي الفخ المناسب للقاء فتاة كانت ترى أنها مناسبة لي لعلمها المسبق رفضي لفكرة الزوراج في هذه الفترة، أخبرتني يومها أننا سنذهب لزيارة خالتي، وفي الطريق أكدت هي وشقيقتي الصغرى أننا سنمر في الطريق على عائلة صديقة، وبعد صعودنا وشربنا الشاي والذي منه، بدأ كل من في الجلسة ينسحب تباعًا فيما عدا أنا وفتاة هي طبقًا للمقاييس الأنثوية شديدة الجمال، وعندما بدأنا الحديث معًا، اكتشفت أنها تكاد تكون متطرفة، كل شىء عندها حرام، فمثلا كرة القدم حرام، لأن اللعبة طبقًا لوجهة نظرها تجعل من يتعصب لها يكره الفريق المنافس، فضلاً عن أني مطالب طبقًا لما اكتشفته من لقاءاتي التالية معها باستشارة أب اعترافي في حالة عزمي على شراء "بنطلون جينز" فربما  تكون "السوستة" حرام ويجب أن أحصل على "حل" منه أو استبدلها "بزراير" أو ترباس، وبعد فترة ليست بطويلة اقتنعتُ تمامًا أن الفتاة لاتصلح لي، فقلتُ لوالدتي: ماما أنا مش هاتجوز البنت دي فردت بغضبٍ شديد: ليه؟ فأكدت لها قائلا: ياماما شكلها وحش قوي وهو عكس الحقيقة فأجابت بسرعة قائلة: أنت اللي وحش أنت وأمك.

أحنُ لخبر أمي وقهوة أمي ولمسة أمي وأعرف أن لقائي المرتقب معها سيكون في موعد يحدده الله فقط ، ومع قدوم النصف الأخير من شهر دسمبر من كل عام وظهور إشارات عيد الميلاد وقرب الاحتفال به، أتذكر دائما أمي رحمها الله والإعداد السنوي للعيد. نعم.. أفتقد تلك الأيام وأتمنى عودتها، ولو للحظات، فلقد كانت رحمها الله أحسن أم في العالم تعد كحك العيد ...... بالفعل.. أحنُ إلى "كحك أمي ".