CET 00:00:00 - 20/12/2009

مساحة رأي

بقلم: صبري الباجا
كتب الصديق العزيز المهندس / عزت بولس مقالة بعنـوان "هل وصلنا إلى نهاية الطريق؟"  بادئًا بالقول:" لا يمكن لأي منصف أن يُشكك في أن المواطن المصري المسيحي يعانى تمييزًا واضحًا بكل مناحي الحياة داخل  مصر بسبب  عقيدته". ودعني أيها الصديق العزيز أدعوك مبدئيًا  لتصويب عبارتك  لتصبح: (لا يمكن لأي منصف أن يُشكك في أن المواطن المصري سواء كان مسلمًا أم مسيحيًا يعاني من الاضطهاد والإهمال بل والازدراء والاستخفاف بشأنه في جميع مناحي الحياة داخل  مصر ) .

إن دافعي ليس هو الانحياز أو الإقلال من شأن ماتقول، ولكنها محاولة ــ قابلة للخطأ أو الصواب ــ من أجل اتساع دائرة الرؤية والحوار وتجاوز حدود شكوي قد تفسر على أنها بحث لحلول  طائفية، وأري أن الحل الأفضل والأشمل يكمن في إطار أوسع  يشمل جميع  أقباط مصر( الأقباط المسلمون والأقباط المسيحيون)  ممثلاً في إقامة الدولة المدنية الحديثة القائمة على أساس المواطنة وعدم التمييز بين مواطنيها بسبب اللون أو الجنس أو الاعتقاد الديني وهو جهد يستلزم تكاتف كل المصريين، والاتفاق على أجندة الحدود الدنيا، وليس على مجرد الضجر والشكوى.

بداية سيدي أود الإشارة إلى  ظاهرة شاعت مؤخرًا في المجتمع المصري فلا تكاد تخلو جريدة ـ وخاصة في الخارج ـ أو جلسة تجمعك مع صديق ( قبطي ـ مسيحي )  إلا والشكوي المرة من الاضطهاد الواقع على ( الأقباط ـ المسيحيين ) من إخوانهم شركاء الوطن ( الأقباط ـ المسلمين) علي الرغم من وجود مشكلات حقيقية تعكس حالة من الاحتقان الطائفي، وتهميش متعمد من النظام السياسي لهم وسيادة أجواء ظاهرها تعصب ( ألأقباط المسلمين ) ضد إخوانهم ( الأقباط المسيحيين ) كظاهرة مرضية لا يستطيع باحث محايد أن يتنكر لها، وبدأت للأسف  تنتشر وتلحق  بمؤسسات ما ينبغي أن تنحدر المناقشات فيها لهذا القدر من التحفظ ضد "الآخر" كما في المناقشة التي جرت بإحدي لجان مجلس الشعب بين نائب مسلم ونائبة مسيحية، أو كما في مجال الممارسات اليومية وإلى حد وضع القيود على حرية المواطن في اختيار اسم لابنه عندما رغب أب مسلم  ـ رئيس جمعية شرعية ـ  ومن دعاة التسامح بين الأديان، ومن المحبين لسيرة السيد المسيح العطرة  في أن يسمي ابنه باسم "المسيح" تبركًا ووفاءً لـنذر قطعه على نفسه، فقد وجد عراقيل رسمية وغير رسمية بدءًا من الموظفة المختصة بقيد المواليد وانتهاء باعتراضات  جماهيرية من مواطنين متشنجين مسلمين ومسيحيين (!!.) ناهيك عن الإثارة المبالغ فيها  لحوادث تقع  بشكل يومي ويمكن أن تنتهي بهدوء لو عمل فيها القانون بحيدة ونزاهة، لكن من المؤسف ولأسباب غير منطقية تأخذ مسارًا يزيد من حدة الاحتقان.

لكن من الملاحظ أيضًا أن تلك الأمور:
*  لايقبل بها، بل ويستنكرها غالبية ( الأقباط المسلمين والأقباط المسيحيين)   
* الروابط بين الأقباط المسلمين والأقباط المسيحيين أقوي من كل هذه البثور التي تغطي بالفعل مساحات من جسد الأمة ولنتفق أن هذه البثور لا تظهر إلا في حالات  ضعف النظام السياسي ــ والذي نجح في استخدامها من أجل البقاء والاستمرار غير مقدر لخطورة اللعب بالنار في هذه القضية ــ  لكن ثق سيدي مع موجة العافية سرعان ما تندثر هذه البثور، ولا يتبقي منها شيئ.
ذكرت أيها الصديق العزيز: " لقد أصبح المصري يستبيح العنف لأنه عبر "شريعة الغاب" فوحدها يحقق "أهدافه اليومية والمستقبلية" وهذا صحيح وجد خطير في ذات الوقت، ولعلك تابعت تقريرًا حقوقيًا نشر منذ شهور قليلة يتناول انتشار أشكال خطيرة من العنف بعضها بسبب الفتن الطائفية ــ  وإن كانت أبرزها بسبب حالة الاحتقان ــ ولعل  في تنوع ما يشهده الشارع المصري من عنف يومي من الجميع وموجه للجميع دون تمييز ما يطلق إشارات الإنذار المبكر للخطر القادم الذي سيواجهه الجميع .
و لعلك تري معي أن العنف الظاهر ليس طبيعة في الشعب المصري لكنه نتاج لضغوط اقتصادية واجتماعية وثقافية، ولعل في ماورد من إحصاءات رسمية صادرة عن مؤسسة قومية، يبين فداحة ما يتحمله المواطن المصري:

الأحوال المالية:
ديون: إجمالي 614 مليار جنيه
الفقر: 35% من الشعب تحت خط الفقر, أقل من1 دولار في اليوم
نقود مهربة: 300 مليار دولار خرجت من البلاد
الجنيه المصري: الدولار= 85 قرش سنة1981م
وقرابة 6 جنيهات سنة 2009 م

الأحوال الصحية:

السرطان: تضاعف 8 مرات ..أعلى نسبة في العالم
الذبحة الصدرية:20 % من الحالات شباب تحت الأربعين
البلهارسيا: أعلى نسبة في العالم
السكر: ‏7‏ ملايين .. ‏10 %‏ تقريبًا من عدد السكان
التهاب كبدي: 13 مليون.. 20 % من الشعب
فشل كلوي: أعلى نسبة في العالم
شلل الأطفال: موجود في 6 دول في العالم فقط منهم مصر
الاكتئاب: ‏20‏ مليون مواطن
أمراض نفسية ( أخرى): ‏6‏ ملايين
التدخين: 80% من البالغين مدخنين
التلوث: أعلى نسبة في العالم...تلوث للهواء ومياه الشرب
والتدهور في التربة والمناطق الساحلية..خسائر 30 مليار جنيه
الإنفاق الحكومي: 10 دولار للفرد سنويًا
 
الأحوال الاجتماعية
القضايا: 20 مليون قضية بالمحاكم ..أقدمها من 38 عام حتى الاّن
البطالة: 29% من القادرين على العمل..حوالي 5 مليون شاب
الانتحار: 3 اّلاف محاولة سنوياً
حوادث الطرق: 6 آلاف قتيل سنويا و 23 الف مصاب
الطلاق: 28% من حالات الزواج سنوياً .. 20% في العام الأول
العنوسة: 7 مليون عانس .. 4 مليون فوق 35 عامًا
الهجرة: 4 ملايين مهاجر: 820 ألفاً من الكفاءات و 2500 عالم في
تخصصات شديدة الأهمية.. 6 ملايين طلب هجرة للولايات المتحدة
وحدها سنة 2005
الأُمية ( الحالية): 26% من الشعب المصري
الأُمية ( المستقبلية): 7% من الأطفال لا يدخلون المدارس بسبب
الفقر ..غير الهاربين بعد الدخول
التعليم: دروس خصوصية ، كتب خارجية ، جامعات خاصة للربح فقط
عمالة الأطفال: نصف مليون طفل
أطفال الشوارع: تقرير الأمم المتحدة: 100 ألف طفل
عشوائيات: 45% من الشعب يسكن العشوائيات.. 35 منطقة
عشوائية بالقاهرة فقط
موظف الحكومة: تحت خط الفقر ويؤخذ منه ضرائب
( ستة جنيهات متوسط دخل الموظف يومياً )
المخدرات: 6 مليار دولار سنوياً في تجارة المخدرات

مشاكل أخلاقية :
رشوة، محسوبية، بلطجة، توريث المهن، عُري، زواج عرفي
قتل الأزواج، امتهان وتحرش بالنساء، ألفاظ بذيئة، صحافة جنسية
غش جماعي وجريمة وتسول
 
الأحوال السياسية
سيطرة وفساد النخبة الحاكمة، مراكز قوى، الإعداد لتوريث الحكم،
تزوير انتخابات، قمع المعارضة،اعتقالات، تعذيب حتى الموت، انتهاك لحقوق الإنسان، إلغاء دور النقابات والجمعيات الأهلية.                               

و لعلك توافقني الرأي بأن كل ذلك واقع على كاهل كل المصريين دون تفرقة بين مسلم ومسيحي، ورفعه يستلزم جهد كل المصريين، وأيضا دون تفرقة. وقد يكون من المهم أن يتفهم شركاء الوطن "مسلمون ومسيحيون" أن الجميع في قارب واحد، وعلي حكماء الطرفين التركيز على نقاط الالتقاء وهي أكثر من نقاط الفرقة، والعمل على مد جسور المحبة والتعاون والتفاهم بينهما وما أعنيه هنا ليس المقصود به رجال الدين من الطرفين بل هو شيء أشمل من ذلك، فمع احترامي وتقديري للزيارات المتبادلة في الأعياد وموائد الوحدة الوطنية، فهي  ليست بالأمر الكافي، وغير مؤثرة بالدرجة اللازمة لإزالة حالة الاحتقان المتزايد، وفي تقديري أن ذلك يستلزم جهدًا مشتركًا من أبناء الوطن وعلى اختلاف مستوياتهم العمرية  والتعليمية، وفي كافة ربوع الوطن، وبموضوعية على المسلمين يقع العبء الأكبر في هذا الشأن بالسعي لتبني مطالب الأشقاء المسيحيين بإلغاء القوانين المتخلفة والتي مضي عليها دهر من الزمن ولا يصح لمجتمع محترم أن يظل متمسكًا بمثل هذه القوانين المقيدة لحركة بناء وترميم الكنائس والضغط للإسراع بإصدار قانون دور العبادة الموحد، كمطلب وطني مصري ولا أتصور أن مسلمًا عاقلاً يضيره بناء عشرة كنائس في كل شارع، وليتسع أفق المتعصبين من المسلمين  لقولة حق، إن هذه الكنائس للعبادة ولم يحدث أن رأينا كنيسة أو روادها، يتعدون على حرمة طريق كما نفعل نحن المسلمين في مساجدنا وعلي الأخص يوم الجمعة عندما تسد طرق بأكملها، هذه الطرق ملك لجميع المصريين، ولست متصورًا لرد الفعل الذي يمكن أن يحدثه المتعصبون من المسلمين لو امتدت جموع المصلين في الكنيسة إلى الشارع وأعاقت المرور ، وإن كنت شاهدًا على درجة من التسامح والرقي الذي يؤكد ويدعم الوحدة الوطنية، ويبعث على الأمل قدمها بعض شباب شبرا من المسيحيين  في شهر رمضان المنصرم عندما قاموا طواعية بتنظيم المرور  وتحويله لإتاحة الفرصة للمصلين المسلمين لأداء صلاة التراويح في جزء من الشارع بعد أن ضاق بهم المسجد، أو في مشهد آخر عندما تمتد أذرع شباب وشم عليها الصليب ببعض التمر للمارة وقائدي السيارات في تقاطعات الطرق لإخوانهم المسلمين وقت آذان المغرب في رمضان. ولعل في هذه المشاهد ما يبعث على الأمل.        

تبقى كلمة للمسلمين والمسيحين عن ظاهرة انتشرت حديثًا، قيام مسلمة رشيدة وبكامل إرادتها بالتحول للمسيحية والزواج من مسيحي، أوالعكس إسلام مسيحية رشيدة وبكامل إرادتها والزواج من مسلم .. أعرف مقدار الألم ومشاعر الحزن التي تصيب أسرهم، لكن هل ذلك مبرر لحالة الهيجان والعنف الذي يصاحب كل حادثة، وهل يضير الإسلام أو المسيحية أن يتحول بعض العشرات أو المئات أو حتى الألوف إلى الديانة الأخرى؟؟؟!! لكن واقع الأمر أن ردود الفعل التي تتم في هذا الشأن بعيدة عن المنطق، ومناقضة  لفكرة حرية الاعتقاد التي يطالب بها البعض، وتتسم بالتعصب الأعمى، بل و تتجاوز في كثير من الأحيان سلطة الدولة والقانون بشكل مرضي واستعلائي. أما بعض الدعاوي هنا أو هناك بأن هناك شبهة ممارسة ضغط أو استغلال صغر عمر الفتاة، فهذا مسئولية الدولة وليست مسئولية المسجد أو الكنيسة.
لقد بات الظن والريبة بالآخر ( الشقيق المسيحي أو الشقيق المسلم ) هو السمة الظاهرة والغالبة على الكثيرين من أبناء الوطن، وهو أمر مستحدث في مصر، لقد عاش المسلمون والمسيحيون في مصر كأخوة متحابين، ولم تعرف أجيال ماضية سوي لغة المحبة والسلام وحسن الجيرة و التضامن في السراء والضراء، والتاريخ مليء بوحدة النسيج الوطني وسلامته، فماذا حدث؟!

لقد تعلم الكتير من ( الأقباط المسلمين) ـ  من الأجيال القديمة ـ  في مدارس(الأقباط المسيحيين) وكذلك تعلم الكثير  من ( أعلام الأقباط المسيحيين على وجه الخصوص) في الكتاتيب الاسلامية، ودون أن يؤثر ذلك في عقيدة أي منهم أو ينال من احترامه لديانة الآخر، ولقد استمتع  جيلنا بقراءات  ـ  بتزكية من أساتذة اللغة العربية في المرحلة الثانوية آنذاك ـ    لسيرة سلامة موسى، ومكرم عبيد، وحفلت كتب المطالعة بسيرة الأب سرجيوس ومواقفه في ثورة 1919، وما زالت ذاكرة جيلنا تحتفظ بموضاعات درسناها في كتب المطالعة المدرسية عن مساهمات الأستاذ / ميخائيل عبدالسيد و كتاباته الوطنية السباقة ودعوته للديموقراطية في وقت مبكر (1888 م)  وعن الأستاذ/ عوض واصف وبحوثه في القضاء والقدر  وما كتبه في أدب الرحلات، وغيرهم وغيرهم، وبجانب بعض الموضوعات أو  سيرة الشخصيات الإسلامية أو نصوص من القرأن، كانت محل إقبال من زملاء الدراسة المسيحيين، مما ساهم في زيادة روابط الأخوة وفهم واحترام عقيدة الآخر. 

أين نحن الآن من ذلك الزمان الجميل؟ المصري يشعر الآن  ـ خاصة ممن تجاوزوا سن الشباب  ـ بغرابة شديدة مما آل اليه حال المجتمع أو بمعني أدق ما تنشره الصحافة عن حال المجتمع، فليس كل المجتمع المصري منفصلاً إلى طائفتين ـ مسلمين ومسيحيين ـ  متخاصمتين، نعم  توجد هنا وهناك بعض حالات التعصب الغبية، وهي بالدرجة الأولى نتاج ظروف سياسية وثقافية واقتصادية وتعليمية سيئة، ومناخ عام لا يتيح للإنسان المصري فرص التعبير عن نفسه، وأحوال عامة تدعو لليأس وفقد الأمل في المستقبل، الأمر الذي يؤدي إلى التعصب الديني الممقوت ـ والمبني على الجهل ـ كوسيلة وسبيل وحيد متبقي أمامه للخروج من معاناة الدنيا أملا في الفوز بالآخرة (!!)، وللأسف يتغذى هذا التيار على روافد خارجية ـ تزيد من اشتعاله وتعمق الاختلاف ـ كالمستقوين بالخارج وتصل بعض كتاباتهم إلى درجة من الصعب تصديقها، أو بعض الذين يؤيدون مذاهب دينية  متشددة بجانب روافد داخلية كالصحف والمواقع الدينية لكلا الطرفين والتي تصل فيها بعض الكتابات إلى السباب والذم وعدم احترام دين الآخر والإساءة لرموزه الدينية (!!)، وللأسف ظهر مؤخرًا بعض من يسمون " برجال الأعمال"  وخاصة القادمين من روافد اجتماعية وثقافية متواضعة، واستطاعوا أن يجمعوا المليارات في هذا الزمن ويبحثون عن دور يستر عوراتهم الاجتماعية أومخاذيهم التي سلكوها للوصول للمركز المالي الذي هم فيه الآن، فلم يجدوا ـ للأسف ـ سوي العباءة الدينية  ليظهروا بها مزينة بالهلال في بعض الأعمال أو بالصليب في بعض الأعمال الأخري؟؟! وللأسف يتصورون أنهم بما يملكون من ثروات هائلة أنهم قادرون على إعادة ترسيم العلاقات بين طرفي الأمة، لصالح الفريق الذي ينتمون اليه، بل بلغ الأمر تطورًا أخطر بامتداد آرائهم لإعادة كتابة التاريخ، وفقًا لتصورات مرضية، تخالف الحقائق التاريخية الثابتة، بل امتد الاستقواء بالخارج تارة أو بالمال المحلي تارة أخرى والدعوي إلى عدم امتثال بعض المواطنين المصرين سـواء من  المسلمين أو المسيحين لحكم القانون(!) وهو الأمر الذي سيقضي على آخر مظاهر السيادة في الدولة، بعدها لا يبقى سوى الفوضى، الفوضى غير الخلاقة، ولتكن دعوتنا إلى المواطنة بداية الطريق الآمن نحو مجتمع نسعد به، وينهض بجهودنا.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق