بقلم: نبيل شرف الدين بعد ذلك اضطر الأزهر للدخول على خط المواجهة، لأنه ببساطة طرف أصيل فى هذه المسألة بدرجة أو أخرى، ومن هنا أكد الأزهر فى بيان له «احترامه الكامل لمعتقدات الأخوة المسيحيين، وأنه لما قد يكون فُهم من فحوى الكتاب من إساءة لمشاعرهم، فقد قرر سحب الكتاب ومنعه من التداول فى الأسواق». قرأت الكتيب المذكور بعناية، ورأيته باختصار يسعى من أول حرف إلى آخر كلمة، إلى محاولة مستميتة للبرهنة على تزييف الكتاب المقدس، بل العقيدة المسيحية برمتها، وهنا ينبغى علينا أن نتساءل عما يمكن أن يستفيد منه الإسلام أو المسلمون من إثبات زيف معتقدات الآخرين؟. وهل يمكن أن تسهم تلك الأفكار فى ترسيخ عقيدة الإسلام فى نفوس أبنائه، أم أن التشكيك فى المعتقدات سيفتح أبواب الجحيم على من يقترب من هذه المنطقة الشائكة، بل ربما تطال فكرة الاعتقاد بحد ذاتها والإيمان بالغيبيات عموماً، خاصة فى ظل ثورة الاتصالات التى جعلت العالم قرية صغيرة، وما ترتب على ذلك من انتقال سريع وآمن للأفكار كافة دونما قيود ولا حدود. وهل يرى عمارة ومريدوه أن الإسلام بات من الهشاشة لدرجة تنبغى معها مهاجمة معتقدات الأقلية المسيحية فى مصر والمنطقة، وهل يمكن أن نلوم بعد ذلك ظواهر مثل زكريا بطرس ووفاء سلطان وغيرهما ممن يخوضون بخشونة فى المعتقدات والرموز الإسلامية كافة، بجرأة غير معهودة فى مجتمعاتنا المحافظة المتدينة بالفطرة؟. هذه مجرد تساؤلات مشروعة، لا تستهدف مهاجمة شخص عمارة، فلاشك أنه مثقف كبير يحمل على كتفيه تراثاً معرفياً لا يستهان به، واستكمل أدواته فى البحث والتحليل منذ زمن ربما لم نكن قد ولدنا فيه، ومن المعلوم أن بداية وعيه كانت مع اليسار، حينما كان متحمساً لماركس وإنجلز، وصولاً لمحطته الراهنة التى بات يستنفر كل طاقته فيها ـ وهو فى خريف العمر متعه الله بالصحة ـ ليثبت أن المسيحية عقيدة زائفة، وأن الأناجيل والتوراة «مفتكسة»، بلغة الجيل الجديد، أو «زائفة» كما يقول فى كتابه الأزمة. حين يصل المرء للعقد الثامن من عمره يفترض به الوقوف على «تخوم الحكمة»، وإن لم يكن حكيماً بالفعل فعليه أن يتحراها فى سلوكه وقوله ورأيه، خاصة لو كان رمزاً لقطاع واسع من الشباب المحتقن، المؤهل لاعتناق الأفكار المتطرفة، للتنفيس عن الخيبات والمرارات التى يواجهها نتيجة السياسات غير الرشيدة. أتمنى صادقاً ومقدراً للدكتور عمارة أن يراجع أفكاره الأخيرة، ويقف مع نفسه وقفة ستكون مع الله إن عاجلاً أو آجلاً، إذ أخشى حينها أن يتهم بأنه تسبب فى تمزيق وطن جميل اسمه «مصر» منحنا جميعاً أجمل ما فى الكون، وليس عيباً أن يراجع المرء ذاته حين يشتط به الأمر، فالعار هو التبرير والمكابرة. وغاية ما ننشده من المحترم د. محمد عمارة أنه «يطلع النصارى من دماغه»، فقد صاروا يشعرون كأنهم غرباء فى وطنهم، وله أن يوجه جهده وفكره للتعامل مع مشكلات الأمة الإسلامية المحدقة، والتى جعلتها فى صدام وشيك مع الحضارة الإنسانية بفعل السفهاء منها المحسوبين عليها من القتلة والإرهابيين ومن يبررون جرائمهم، وبالتالى أظن ـ وليس كله إثماً ـ أن أزمة الأمة مع ذاتها قبل أن تكون مع الآخرين. والله المستعان |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت | عدد التعليقات: ٢١ تعليق |