بقلم: الأنبا أنطونيوس نجيب - بطريرك الأقباط الكاثوليك |
من منا لا يشعر بالفرح والسرور في ليلة الميلاد. إنه العيد الأمثل الذي يثير هذه المشاعر في القلوب, فميلاد طفل هو مصدر فرح وابتهاج في كل بيت, ينتظره الوالدون بلهفة, ويستقبلون المولود الجديد بالبشر والتهليل. يتقبلون التهاني ويحتفلون بعطية الله الحبيبة. يحتضنونه بفيض من الحب والحنان والرعاية. إنها حياة جديدة, جاءت تجدد وتواصل حياتهم, وتحمل معها الكثير من الآمال والتمنيات الطيبة. هذا مايجيء به كل مولود جديد. أما في ميلاد يسوع, فالأمر يختلف كثيرا: ها أنا أبشركم بخبر عظيم يفرح له جميع الشعب: ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص, هو المسيح الرب( لوقا2:10 ـ11) إنه حدث استثنائي, فريد في تاريخ البشر. إنه اللحظة الفارقة التي اختارها وحددها الله ليتدخل بصورة حاسمة في حياة ومسيرة البشرية. إنه بداية العهد الجديد, الذي يحمل لنا الخلاص والعودة إلي الوحدة والمصالحة مع الله, والمصالحة بعضنا مع بعض. وقد سبق الأنبياء وتنبأوا بمجيء المسيح, رمز المحبة والسلام, واهبا الفرح والبهجة لبني البشر. أعلن أشعيا النبي: السيد الرب نفسه يعطيكم هذه الآية: هاهي العذراء تحبل وتلد ابنا, وتدعو اسمه عمانوئيل(7:14) ويعلن يوئيل النبي: لا تخافي أيتها الأرض, ابتهجي وافرحي, لأن الرب صنع العظائم(2:21). إننا نفرح بميلاد السيد المسيح فرحا عظيما, نفرح لأن مخلص البشر جاء وصار واحدا منا: أراد أن يقيم في قلوبنا وبيوتنا ومدننا. وهنيئا لنا متي وجدناه مثل الرعاة والمجوس, ومتي أحببناه وخدمناه في شخص اخوتنا بني البشر. ظلال وأضواء رغم هذه الظلال, تشرق أضواء كثيرة تبدد ظلام اليأس والقنوط, وتبعث في القلوب مشاعر الفرح والابتهاج. فالمآسي والأحزان توحد بين القلوب المحبة والمتعاطفة. والحوادث والكوارث تثير الهمة للمسارعة إلي المعونة والمساندة. وآلام الفقر والمرض توحي للكثيرين بالمشاركة والمساعدة والافتقاد. فشعبنا المصري بنوع عام طيب القلب, عطوف, عطاء, شهم, كريم ومحب. فلا نترك الأحداث القاتمة المخالفة لذلك, وإن تكررت, تغير هذه الملامح الجميلة التي تبعث الفرح وتحافظ عليه وتحميه. بل بالعكس فلنعمل جاهدين علي تربية أبنائنا علي هذا النهج, لنضمن لبيوتنا ومجتمعاتنا السلام والفرح والمحبة. مسيح الميلاد علمنا سر هذا التضامن في الحياة والتعامل, عندما قال لنا: كل ما عملتوه لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار, فلي عملتوه) متي25:40) عندما نري شخص المسيح في كل إنسان, لن نستطيع أن نتعامل معه إلا بالحب والعطاء والتضحية, مثلما صنع هو معنا. ومن يختبر ذلك يعرف كم هو مصدر فرح لا مثيل له, كما أعلن بولس الرسول: العطاء أكثر غبطة من الأخذ( أعمال20:35) ويناشدنا القديس بولس الرسول قائلا: افرحوا. نعم افرحوا. هذه هي دعوة عيد الميلاد لنا في هذا المساء. هذا ما بشر به الملائكة, رغم كل ظروف التي عاشتها العائلة المقدسة في هذا الميلاد العجيب. الفرح رغم البعد عن الدار والجار, ورغم انغلاق جميع الأبواب أمام هؤلاء المسافرين الغرباء. الفرح رغم فقر المغارة ومذود البقر, ورغم انشغال سائر الناس بشئونهم الخاصة ولا مبالاتهم بهذه الأسرة العابرة. والفرح رغم عداوة القوة الغاشمة, فها هو هيرودس يريد أن يعرف أين يوجد المولود ملك اليهود ليقضي عليه. وعندما لم يرجع إليه المجوس ليخبروه بموضعه, أرسل جنوده فقتلوا كل أطفال بيت لحم وجوارها, من ابن سنتين فما دون( متي2:16) تعمل الكنيسة الكاثوليكية علي أن يشع الفرح الروحي والقلبي في جميع النفوس, وتجند كل طاقاتها من أجل ذلك. وتسعي مبادراتها إلي أن تزرع في القلوب وفي المجتمع, القيم التي تحقق السلام والعدالة والمحبة, وهي المناخ الضروري لحياة الفرح. ولا تتردد في شجب ما يعكر السلام والمودة. فمثلا, في اليوم التالي مباشرة لنتيجة الاستفتاء السويسري بمنع بناء المآذن, أعلن الفاتيكان استنكاره لهذا الموقف, كما جاء بجريدة الأهرام. لأن الكنيسة الكاثوليكية اختبرت في أماكن كثيرة في العالم ما يسببه الحرمان من أماكن ورموز الصلاة من غبن وألم, ولا تريد أن يعاني منه أي شخص أو جماعة. وإني مع الكنيسة الكاثوليكية المصرية كلها, نضم صوتنا إلي صوت قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر, مستنكرين إثارة الفرقة بين الأديان والشعوب. فلنبتهل إلي أمنا العذراء مريم التي عاشت ميلاد ابنها يسوع في أصعب الظروف وأقساها, وهي ممتلئة بالفرح الإلهي, لأنها اعطت لنا المسيح, أن تعلمنا أن نفرح كل حين ونحن نفرح اليوم وكل يوم, لأن الكلمة الذي كان في البدء صار واحدا منا حبا بنا. ووعدنا أن يبقي معنا إلي انقضاء الدهر( متي20:28): ففي كل مرة نلاقي يسوع, في شخصه وفي شخص إخوتنا, يولد الفرح في قلبنا. في ليلة عيد الميلاد هذه, نرفع تسبيحنا وحمدنا لله ولكلمته سبب وينبوع فرحنا. ونريد أن نقدم شكرنا الجزيل لرئيسنا المحبوب السيد محمد حسني مبارك, من أجل كل ما يبذله من جهد في الداخل والخارج لتحقيق السلام والوحدة والرفاهية. ونلتمس من المولي سبحانه وتعالي أن يحفظه لنا قائدا للوطن, وأن يحمي قواتنا المسلحة, حراس بلدنا العزيز, وأن يبارك ويوفق جميع المسئولين الذين يبنون أجيالنا. حفظ الله مصر وشعب مصر, أرض السلام والمحبة. والمجد لله في الأعالي, وعلي الأرض السلام, وللناس الفرح والمسرة. نقلا عن الأهرام |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع:
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |