بقلم : لطيف شاكر
بدءًا ذي بدء.. إن ميلاد السيد المسيح لم يكن يحمل أي ثقل لاهوتي في القرون الثلاثة الاولى، لأن الكنيسة الأولى كانت تركز على صلب و قيامة المسيح لا ميلاده، فهذا هو ما يتعلق بجوهر الخلاص المسياني. أما من ناحية تاريخ الميلاد واختلاف التواريخ بيم 25 ديسمبر,7 يناير فنوجزه في الآتي :
أولاً: كتاب الدسقولية الرسولية:
في الباب الثامن عشر يرد هذا النص: وعيد ميلاد الرب تكملونه في اليوم الخامس والعشرين من الشهر التاسع الذي للعبرانيين الذي هو التاسع والعشرين من الشهر الرابع الذي للمصريين.
وفى القانون الخامس والستين من الكتاب الأول للآباء الرسل عندما تعرض الآباء الرسل لأيام العطلات للعبيد يقولون :ولا يعملون أيضًا في يوم ميلاد المسيح لأن النعمة أعطيت للبشر في ذلك اليوم لما ولد لنا الله لنا الكلمة.
والأمر الذي لابد من التعرض له هو تاريخ عيد الميلاد بناءًا على أمر الآباء الرسل أن يكون في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الرابع القبطي (شهر كيهك ) الموافق لليوم الخامس والعشرين من الشهر العبري وهو ( شهر كسلو ), ونحن نعيد الميلاد مرتبطين بهذا التاريخ القبطي 29 كيهك .
ظل التاريخ القبطي 29 كيهك متفقا مع التقويم اليولياني بالغرب 25 ديسمبر وهو الوقت الذي يتم فيه عيد الميلاد إلى سنة 1582 .
ثانيا: الناحية التقويمية:
في عام 1582 عهد البابا غريغوريوس الروماني إلى الفلكيين في أيامه بأن يقوموا بإصلاح التقويم لأنه رأى أن التقويم به نقص مقداره 10 أيام عن الاعتدال الربيعى .
فجاء الإصلاح هكذا: أن اتفق العلماء مع الناس أن يناموا يوم 5 أكتوبر سنة 1582 وعندما يستيقظون يحذفون من النتيجة عشرة أيام أى يستيقظون ويجعلون التاريخ في هذا اليوم 15 أكتوبر
وبهذا قضوا على هذا النقص بالنسبة للاعتدال الربيعي عنه في السنة القبطية وسمى هذا التعديل بالتعديل "الغريغوري" نسبة إلى البابا غريغوريوس .
وسبب هذا النقص الذي عالجه العلماء أنهم رأوا أن السنة في التقويم اليولياني 365 يوم وربع. وعند المصريين 365 يومًا قسمت على 12 شهرًا كل شهر30 يومًا والأيام الخمسة سميت بالشهر الصغير ولكن الحقيقة أن السنة 365 يومًا وخمس ساعات و48 دقيقة و 46 ثانية، أي أنها تنقص 11 دقيقة و 14 ثانية من الربع اليوم الذي قال به العلماء .
هذا الفرق يتراكم كل حوالي 400 سنة ثلاثة أيام ولكي يضبط الغربيون سنتهم، تقرر أن كل سنة قرنية أي تقبل القسمة على 100 يجب أن تقبل القسمة على 400
ولكن الأقباط لم يعملوا بهذا التغيير فكانت سنوات 1700 ، 1800 ، 1900 بسيطة عند الغربيين وكبيسة عندنا بحساب التقويم اليولياني فتقدم 29 كيهك عندنا ليقابل 5 يناير ثم 6 ثم 7 ولو استمر هكذا فانه يوافق 8 يناير عام 2100 وهكذا .
ولكننا نحن نخلص من هذا أننا نعيد عيد الميلاد في يوم 29 كيهك حسب أمر الآباء الرسل، والسنة القبطية سنة مضبوطة وقديمة فهي السنة المصرية القديمة التي وضعها العلامة توت مخترع الكتابة سنة 4241 ق . م .
والتاريخ 25 ديسمبر كتاريخ هو صحيح أيضًا حيث كان متوافقًا مع 29 كيهك حسب أمر الآباء الرسل، فالتاريخان صحيحان ولكن حساب السنة هو المختلف .
والأمر ليس فيه ما يزعجنا لأنه ليس خلافًا عقيديًا حول ميلاد السيد المسيح ولا هو مخالفة للكتاب المقدس في شيء، إنما هو حساب فلكي بحت .
وفي الوقت الذي تتم فيه وحدة الكنيسة عقيديًا، من السهل جدًا أن يدرس المختصون في علوم الفلك والدين كيف يكون يوم عيد الميلاد موحدًا بين جميع الكنائس في العالم.
وإننا نصلى لأجل أن يكون الجميع واحدًا رعية واحدة لراع واحد هو السيد المسيح الذي قال عن نفسه: أنا هو الراعى الصالح ( يو 10 : 11 ).
ثالثا: الناحية التاريخية:
تشير جميع الدلائل التاريخية أن ميلاد يسوع كان بين عامي 4 إلى 7 قبل الميلاد!! وقد اعتمد المؤرخون في ذلك على أحداث تاريخية ثابتة مثل ما ورد في لوقا "5:1" (كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا وامرأته من بنات هرون واسمها اليصابات). ومن المعروف أن هيرودس مات في العام الرابع قبل الميلاد مما يعني أنه من المستحيل أن يكون يسوع قد ولد بعد عام 4 قبل الميلاد. هذا يثبت أن يسوع كان طفلاً يبلغ من العمر أربعة أو خمسة أعوام على الأقل في العام الأول الميلادي!!
كان ميلاد السيد المسيح وما ذكره تلاميذه في بشائرهم من الظروف التي أحاطت بهذا الميلاد، مقترنًا بأحداث تاريخية معروفة ولا سيما في تاريخ الدولة الرومانية التي كانت تسيطر حينذاك على بلاد اليهود، ومن ثم أصبح من الممكن تحديد التاريخ الذي ولد فيه السيد المسيح، بيد أن المسيحيين لم يبدأوا في وضع تقويمهم على أساس ميلاد المسيح إلا بعد أن توقفت الدولة الرومانية عن اضطهادهم وأوقفت المذابح التي كانت تروى فيها الأرض بدمائهم. ثم أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية للدولة الرومانية.
ففي منتصف القرن السادس بدأ راهب روماني "ديونيسيوس أكسيجونوس" ينادي بوجوب أن يكون ميلاد السيد المسيح هو بداية التقويم بدلاً من التقويم الروماني الذي يبدأ بتأسيس مدينة روما، والذي كان سائدًا في جميع أنحاء الدولة الرومانية، وبالفعل نجح هذا الراهب في دعوته، فبدأ العالم المسيحي منذ 532 ميلادية يستخدم التقويم الميلادي.
كيف حسب ديوناسيوس تاريخ الميلاد:
أراد ديونيسيوس أن يكون ابتداء التاريخ هو سنة ميلاد السيد المسيح له المجد متخذًا المدة الفيكتورية وهي 532 سنة .وبعد أن أجرى حسابًا وصل إلى أن السيد المسيح ولد سنة 573 لـتأسيس مدينة روما. واعتبرها سنة واحدة ميلادية.
ولكن ديونسيوس أخطأ في حسابه إذ أنه ثبت للباحثيين فيما بعد أن التقويم الذي وضعه لميلاد السيد المسيح يتضمن فرقًا قدره نحو أربع سنوات لاحقة لتاريخ الميلاد الحقيقي، أي أن تاريخ ميلاد السيد المسيح يسبق السنة الأولى من ذلك التقويم بنحو أربع سنوات.
وقد استند الباحثون في ذلك إلى أدلة كثيرة منها:
1- أن السيد المسيح ولد قبل وفاة هيرودس الكبير ملك اليهود، إذ جاء في إنجيل متى "ولد يسوع في بيت لحم التي بإقليم اليهودية في أيام هيرودس الملك"
"متى 2 :1".
ولما كان المؤرخ اليهودى يوسيفوس- الذي عاش في فترة قريبة العهد من تلك الفترة – قد حدد تاريخ هيرودس بسنة 750 رومانية وهي تقابل سنة 4 قبل الميلاد، وبذلك لا يمكن أن يكون ميلاد السيد المسيح لاحقا لهذا التاريخ وإنما الراجح بناء على القرائن الواردة في البشائر – أنه ولد في أواخر سنة 5 أو أوائل سنة 4 قبل الميلاد، أي في أواخر سنة 749 رومانية أو أوائل سنة 750 رومانية.
2- حسب ما ورد في إنجيل لوقا إذ يقول بدأ السيد المسيح خدمته الجهارية في السنة الخامسة عشرة من حكم طيباريوس قيصر.
وكان حين ابتدأ يبشر في الثلاثين من عمره.. راجع لوقا (3 : 1 ، 21، 23) ولما كان طيباريوس قيصر قد حكم الدولة الرومانية سنة 765 رومانية يكون السيد المسيح قد بلغ الثلاثين من عمره بعد خمسة عشر عامًا من هذا التاريخ.
أي سنة 780 رومانية. وبذلك يكون قد ولد سنة 750 رومانية أي سنة 4 قبل الميلاد
3- بعض المؤرخين القدامى، ومنهم سافيروس سالبيشيوس، ونيكونورس كاليستوس حددوا تاريخ ميلاد المسيح كان قبل مقتل الامبراطور الرومانى يوليوس قيصر باثنين وأربعين سنة .
أي في سنة 4 قبل الميلاد وفقا للتقويم الذي وضعه ديونيسيوس اكسيجونوس.
إلا أن الباحثيين وإن كانوا قد تبينوا هذا الفرق في التقويم الذي وضعه ديونيسيوس والذى يؤدى إلى تحديد تاريخ ميلاد المسيح بأواخر السنة الخامسة، أو أوائل السنة الرابعة قبل الميلاد بدلاً من السنة الأولى الميلادية، فإن أولئك الباحثيين
إذ وجدوا أن تقويم ديونيسيوس قد جرى العمل به زمانًا طويلاً، وقد استقرت عليه الأوضاع في كل البلاد المسيحية بحيث يؤدى تغييره إلى كثير من الارتباك والبلبلة، أثروا أن يحتفلوا به، فظل ساريًا حتى اليوم.
يقول د.سيد كريم في كتابه القيم لغز الحضارة المصرية عن متون الهرم الأكبر كمرصد فلكي (سيخصص ثلاث مقالات عن لغز الهرم الاكبر):إن ميلاد السيد المسيح كما سجلته تنبؤات الهرم الأكبر أو بداية البهو الأعظم وجد أنه يقع يوم 4 أكتوبر من العام الرابع قبل الميلاد( مازال التاريخ الفعلي لميلاد السيد المسيح موضوع جدال ونقاش بين مختلف الكنائس والطوائف المسيحية ). وقد حددت وثائق القدس القديمة تاريخ الميلاد بين أول اكتوبر و 23 مارس من تاريخ العام نفسه تبعًا للحساب الوارد في الإنجيل, هناك خطأ زمني يتراوح بين ثلاث أو اربع سنوات عما وارد في التقويم الحديث, كما أن تاريخ صلب المسيح تعرض لنفس الشكوك حيث تحدد في اليوم الخامس من إبريل عام 30 م بينما من الثابت أن حياة السيد المسيح امتدت 33 ونصف العام وهو الخطأ الذي صححته نبوءة الهرم الأكبر بتحديد ميلاد السيد المسيح في العام الرابع قبل التقويم الميلادي الحديث, وقد تنبأ الهرم الأكبر بعمر السيد المسيح وهو33 ونصف العام .
وفي المقال القادم سنتكلم عن هل تاريخ 25 ديسمبر (عيد ميلاد السيد المسيح) مأخوذ من أعياد الوثن كما يدعي البعض. |