CET 09:13:43 - 30/03/2009

مساحة رأي

بقلم - نبيل شرف الدين    
يمكن لأى عابر سبيل فى مصر الآن أن يرصد وجود سبعة أشخاص من أصل كل عشرة، يحملون على جباههم ما يسمى «زبيبة الصلاة»، وهناك من يظهرون بعدة «زبايب» بشكل يشوّه الوجوه، رغم أن البعض من حسنى النية يتصورونها مدعاة للفخر، تؤكد صلاح حاملها، باعتباره من أهل الصلاة وأصحاب الجباه الساجدة، لكن فى المقابل هناك أيضاً من يتعمد إبرازها ضمن أدوات الاحتيال والنفاق الاجتماعى.

لن نناقش مدى شرعية هذا الأمر، بل سنتجاوزه، ليس فقط لأننا لسنا من أهل الفُتيا ولا الفقه، لكن- وهذا هو الأهم- لأنه لا فائدة ترجى من هكذا مناقشات تتعلق بالاعتقاد، ولا سبيل للعقل فى مسائل يحسب البعض أنها تدخل فى صلب عقيدته، لكن سنتحدث عما يعنينا فى الأمر، وهو الاحتيال بهذه المظاهر واتخاذها وسيلة لغسل السمعة على طريقة جرائم غسل الأموال، التى يسعى مرتكبوها لإسباغ صفة الشرعية على أموال مريبة حصلت بطرق ليست فوق مستوى الشبهات.

حالة الادعاء السمجة التى تنطوى عليها «ظاهرة الزبيبة» فى مصر لم تعد تخطئها العين، إذ أصبحت متكررة على نحو تجاوز الحواجز الاجتماعية والثقافية كافة، واخترقت هذه الظاهرة طبقات لم تكن طيلة تاريخ مصر قابلة للاختراق، حتى إنه لم يعد أمراً مستغرباً أن تشاهد تلك «الزبيبة- الشعار» على جباه بعض كبار القضاة، والجنرالات والسياسيين من شتى المشارب، ناهيك عن الموظفين والعمال والفلاحين وبقية أمة لا إله إلا الله فى شتى ربوع المحروسة.

«طيب ما المشكلة؟ لماذا تزعجك الزبيبة؟ هل تؤذيك فى شىء؟»، هكذا سألنى أحد المبشرين بالصلاح من حملة «صك الغفران» ساخراً، وابتلعت سخريته متذرعاً بالصبر الجميل، وقلت له: نعم تزعجنى وتؤذينى، لأنها تنطوى على قدر من الادعاء وتكرس للمتاجرة بالدين، وتمزق المجتمع بين هويات دينية، وتسهم فى خداع الناس، فمثلاً حين يدفع صاحب متجر جميع العاملين لديه لأن يلتزموا بمظهر ما، بأن تكون «سيماهم على وجوههم»، وهذا لم أسمع به، بل رأيته وكنت شاهداً عليه فى حياتى الاجتماعية، والتاجر هنا «ابن سوق»، يعرف من أين تؤكل الكتف، ويبيع الناس كل ما يمكن بيعه سواء كانت أوهاماً أو ذهباً، لا فرق، المهم أن هناك من يشترى، لأن مظهر «البائع التقى» سيكون مدعاة لثقة الناس بأن هذا «متجر مبارك».

واللافت هنا أن الزبيبة باتت- فيما يبدو- حكراً على المصريين، فلم أشاهد هذه النسبة من «الزبايب» فى بلدان عربية وإسلامية سافرت إليها، كما هو الحال فى مصر، أما الأكثر غرابة فلماذا تظهر «الزبيبة» على جباه الرجال دون النساء، مع أن الصلاة ليست فريضة ذكورية، بل هى لعموم المسلمين والمسلمات، فهل يتعلق الأمر مثلاً بحرص النساء على مظهرهن، مما يحول دون تعمدهن إظهار تلك «الزبيبة المباركة»، وبالتالى فهن مستعدات للتنازل عن هذه «البركة» لأن ثمنها فادح لمعظم النساء، وهو ببساطة حرصهن على المظهر المقبول، وما أدراك ما قيمة المظهر بالنسبة للأنثى.

أدرك أن ظاهرة مركّبة كهذه لا يمكن إلغاؤها بقوانين ولا قرارات، إذ لا يتصور أن تلاحق الشرطة «حملة الزبيبة»، لهذا ستبقى بل تتنامى، ولن تنحسر هذه الظاهرة إلا فى إطار تحول شامل فى ثقافة المجتمع، وعودته إلى صوابه ليُعمل عقله ويراهن على يقظة ضميره، ويكفّ عن ممارسة الادعاء أو قبوله أو حتى مجرد التعايش والتسامح معه، ودون ذلك سيبدو الحديث عن معالجة الظاهرة، فضلاً عن الاعتراف بها، مثل الخوض فى برْكة آسنة، أمرا مزعجا ومحفوفا بالمخاطر، ولن يسلم المرء حين ينتقد هكذا ظواهر من ألسنة الأدعياء والمغيبين والمأسوف على عقولهم، والذين يصل بهم السفه والتخدير إلى درجة يجعلون معها أى اقتراب من هذه «الزبيبة» وكأنه إنكار للمعلوم من الدين بالضرورة، وكراهية للإسلام والمسلمين.
 
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق