CET 00:00:00 - 26/12/2009

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر
قرأت في إحدى الجرائد الصحفية لكاتب مغمور استفحل فيه الكراهية والجهل, فحاول جاهدًا أن يسقط الوثنيات على الديانة المسيحية, فأخذ يبحث بين بطون كتب الأساطير لعله يجد ما يثبت فكرة مزعومة مختمرة في ذهنه العقيم وخياله المريض, فراح يربط تاريخ ميلاد السيد المسيح بتواريخ ميلاد بعض الآلهة الوثنية بطريقة ملفقة وكاذبة ومزورة، أي بمعنى أوضح يريد أن يصل بتأويل الحقائق إلى القارئ أن المسيحية صناعة وثنية وليست ديانة سماوية إلهية.
وعليه أردت أن أصحح معلومات لا ترقى إلى مستوى الصدق والأمانة التاريخية، وأن أضع أمام القارئ كل مزاعمهم والرد الدامغ لكل فرية أو وهم خيالي وخالي من الإثباتات التاريخية والدلائل التراثية والتوثيق الأكاديمي أو نظرية علمية..

وفي البداية نطرح هذا السؤال.. هل تاريخ 25 ديسمبر الكريسماس مأخوذ من الوثنية؟
نأتي الآن إلى ما تزعمه الكثير من المواقع الإلحادية التي يقتبس منها المسلمون بلا وعي أن آلهة الوثن جميعًا وبلا استثناء كان ميلادها في 25 ديسمبر، ومنه أخذ المسيحيون يوم الميلاد للسيد المسيح.
ولكن بقليل من البحث لا تصمد أي من هذه الخزعبلات أمام الحقيقة، سنركز في الأجزاء التالية على التاريخ 25 ديسمبر، يقول المسلمون أن الإله الوثني الروماني أتيس Attis ولد من عذراء نانا Nana وكان الرومان يحتفلون بميلاده في 25 ديسمبر!!!
وللرد نقول بأنه لا يوجد ولا مرجع واحد معتمد عن أتيس Attis يقول بأنه ولد يوم 25 دسيمبر, بل يقول هارولد ولجبي في كتابه PAGAN REGENERATION بأن احتفال الرومان بأتيس كان في وقت الاعتدال الربيعي vernal equinox أي أوائل شهر مارس، ولم يكن له اي احتفال آخر سواء كان بميلاده أو حتى وفاته, كما أن أقدم مؤرخ ذكر قصة أتيس وهو هيرودتس Herodotus لم يأت بأي تاريخ لميلاده أو حتى من عذراء بحسب أقوال عالم المثيولوجيا فيرمازرن. ولم تكن قصة أتيس وميلاده إلا قصة اسطورية بلا أي أصول تاريخية.
ففي أقدم نسخة من الأسطورة حدث أن الإله الخنثى سيبيل Cybele أخصته الآلهة، ومن أعضائه الذكورية نمت شجرة لوز، من ثمارها حملت الإلهة إنانا ابنه إله النهر سنجاريوس بأتيس, فلا نعلم من أين أتت فكرة الحبل العذري، وكيف إلهة ابن نهر تكون عذراء وتحبل من ثمار اللوز الساقطة من عضو سيبيل الذكري. فلا كان ميلاده يوم 25 ديسمبر ولا كان الاحتفال به يوم 25 ديسمبر، إنما هي أضغاث أحلام إسلامية ملبوسة بغلاف هراءات إلحادية, ثم يقول المسلمون نقلاً عن المصادر الإلحادية الغبية عن الإله الوثني ديونيسيوس أن الإله الوثني اليوناني ديونيسس Dionysus وهو إله مخلص آخر كان يحتفل بميلاده في 25 ديسمبر..
ولكن المفاجأة التي تصعق المعترضين ومن ينقلون منهم بلا توثيق أن شهور السنة اليونانية القديمة لم تحو شهر ديسمبر إطلاقًا من الأصل. والأهم أنه طبقًا للكاتب اليوناني القديم أبوللونيوس في كتابه تأملات ديونيسوسية يؤكد على أن ديونيوس كان إله الخمر، وكان فلاحي اليونان القدماء يحتفلون بخطفه من رحم أمه في شهره السابع بواسطة زيوس في الفترة الموازية لما بين 29 سبتمبر و5 أكتوبر… فأين ذهبت الاحتفالات بمولده في 25 ديسمبر؟
أما المفاجأة الثانية أن زيوس قد لصق الجنين ديونيسيوس في فخذه ليكمل نموه واكتمل النمو في أواخر شهر يناير (28-31 يناير)، وفي هذا الوقت لم يظهر إحتفال بتاريخ 25 ديسمبر.
ومن كل هذا لا نجد تاريخ للميلاد متعارف عليه لديونيسيوس... فهل كان ميلاده يوم خطفه زيوس من رحم أمه، أم يوم فصله عن فخذه؟ العجيب أن كلاهما لم يوجد في أسطورتهم تاريخ 25 ديسمبر.
ثم يقول إخوتنا المسلمين نقلاً عن المصادر الإلحادية نفس المانترا عن الإله المصري أوزوريس Osiris أنه كان يتم الإحتفال بميلاد أوزوريس في يوم 25 ديسمبر في الإمبراطورية الرومانية خلال القرن الأول قبل الميلاد. وهل يحتفل الرومان الغازي للبلاد والمحتقر لشريعة المصريين ويعتز بآلهته الكثيرة الذي أمر اهل البلاد المحتلة ضرورة عبادتها والتبخير أمامها بها أن يحتفل بعيد للمصريين وفي هذا التاريخ بالذات الذي لم يأتي ذكره كما سبق الإشارة.
ومرة أخرى لا نجد أي من شهور السنة الفرعونية أو القبطية المعاصرة للفترة المسيحية الأولى حاوية لشهر ديسمبر, بل لها أسماء مختلفة (توت، بابة، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤنة، أبيب، مسرى، والشهر الصغير المسمى بالنسئ) وقد كان شهر النسئ يسمى Pi Kogi Enavot، ولهذا الشهر أهمية كبيرة وكان يقع فيما يقابل 6-9 من شهر سبتمبر في التقويم الجريجوري، أما أهمية هذا الشهر فهو أن الاحتفال بميلاد أزوريوس كان يتم في اليوم الأول من شهر نسئ فقد كانت الأيام الخمسة (أو الستة) لهذا الشهر يخصص كل يوم منها لإله من آلهة المصريين القدماء.
وهنا مرة أخرى تصدمنا الحقيقة بأن الاحتفال بأزوريوس كان في أوائل شهر سبتمبر ولا علاقة له بـ25 ديسمبر.
ثم يستكمل بعض المسلمين هراءاتهم الإلحادية المخرفة فيقولون.. أن الإله الوثني الفارسي ميثرا Mithra (إله الشمس التي لا تقهر) وهو إله مخلص آخر انتشرت عبادته في الإمبراطورية الرومانية وكانت الديانة المنافسة للنصرانية حتى القرن الرابع وكانوا يؤمنون أنه ولد في يوم 25 ديسمبر ويعتبرونه أقدس ايام السنة.. ومرة أخرى تطالعنا الحقيقة كأعقد من هذا بكثير، بما لا يتناسب مع عقل المسلم المسطح من القرآن.
فمثرا أولاً لم يبدأ إلهًا رومانيا في الأصل، بل بدأ في فارس كجزء من العبادة الزرادشتية، وفي التقويم الفارسي لا نجد أيضًا شهر ديسمبر على الإطلاق، بل شهورًا مختلفة لأوقات مختلفة.
أما ميثرا فقد كان الزرادشتين يحتفلون به في شهر Bâgayâdiš وهو الشهر الموازي لأجزاء من شهري سبتمبر / اكتوبر 9و10 وتؤكد هذه الحقيقة أن يوم الاحتفال به كان يسمى ميهرجان Mehregān، وكان في اليوم الـ16 من الشهر السابع الفارسي Bâgayâdiš ولأن التقويم الفارسي له عدة نسخ فالبعض احتفلوا به فيما يوازي اليوم الثاني من أكتوبر.
ولهذا عندما انتقلت عبادة Mitha من فارس إلى روما لا نعرف تحديدًا حتى القرن الثالث متى كانوا يحتفلون به الرومان, بل أضاف له الرومان صفات حربية لم تكن له في العبادة الفارسية، فميثرا في الدين الفارسي كان إلهًا مسالمًا وحلقة وصل بين أهورمزدا وأهريمان إلهي الخير والشر في الثنائية الزرداشتية، وتحول إلى إله محارب يذبح عجلاً في النسخة الرومانية.
ناهيك عن أن مثيرا لم يولد من عذراء كما يدعي البعض، بل من صخرة خرج منها تاركًا فارغًا تحول إلى كهف، إلا إذا كان هذا الكهف الأسطوري عذراء!!
ويستكمل الآخرون أساطيرهم الهرائية فيقولون: كان البابليون يحتفلون بمهرجان انتصار إله الشمس في 25 ديسمبر.
ومرة أخرى لا نجد في التقويم البابلي أي وجود لشهر ديسمبر، فالتقويم البابلي القديم هو:
Nisannu: March/April
Ajaru: April/May
Simanu: May/June,
Du’ûzu: June/July,
Âbu: July/August,
Ulûlu: August/September,
Tašrîtu: September/October,
Arahsamna: October/November,
Kislîmu: November/December,
Tebêtu: December/January,
Šabatu: January/February,
Addaru: February/March
وفي الشهر الواقع بين شهري آخر نوفمبر / أول ديسمبر والمسمى Kislîmu، هو شهر الاحتفال بالإله الشر والنار (Nergal) أما إله الشمس Shamash في الدين البابلي القديم (أو Samas في الأشوري) فلا علاقة له بشهر ديسمبر، بل كان الاحتفال به في الشهر السابع من التقويم البابلي (Tašrîtu: September/October) أو ما يقابله في الأشوري: (Tisritu) فلا علاقة له بشهر ديسمبر من قريب أو بعيد.

إذًا ما قصة 25 ديسمبر؟
كما قلنا من قبل لم يكن الاحتفال بعيد الميلاد المجيد من الاحتفالات التي احتفلت بها الكنيسة الجامعة في القرنين الأول والثاني, فلم يذكره كل من أيرناؤس (جيروم) أو أوريجانوس أو ترتيليان في أعياد الكنيسة، لأن التركيز الأولي للكنيسة كان على الاحتفال بالقيامة، وأول ذكر له بتاريخ 25 ديسمبر في مخطوطة القديس هيبوليتس (Hippolytus ) (ت 236م) التي يشرح فيها توقيت ميلاد المسيح بـ25 ديسمبر والتي تُقرأ باللاتينية.
ومن المرجح أن توقيت كتابة المخطوطة هو 203 -205 ميلادية، فكان أول إعلان للاحتفال بميلاد المسيح في يوم 25 ديسمبر ذا أصول مسيحية قبل أي احتفالات وثنية، فلم يكن هناك علاقة بين Shamash البابلي أو Attis الروماني، أو Mithra الفارسي او Osiris المصري بهذا التاريخ كلها تقاويم مختلفة وأوقات مختلفة لأساطير مختلفة، ولما كانت أعداد المسيحيين في ازدياد متواصل خلال القرون الأولى فمن المرجح أن هذا التاريخ انتشر شعبيًا على نطاق واسع بين مسيحيي الامبراطورية، ثم بعد هذا التاريخ بعدة عقود أعلن الامبراطور أورليان Aurelian في 274م ولأول مرة عن احتفال الدولة الرومانية بيوم 25 ديسمبر كيوم ميلاد الشمس التي لا تُقهر، وخصصه أساسًا للإحتفال بمعبوده ميثرا Mithras، ربما في محاولة لمنافسة المسيحية والانتشار المسيحي.
ومن هذا التاريخ ثارت كل الأقاويل والهراءات الإلحادية والإسلامية المقتبسة منها، فلم يكن قبل أوريان أي ذكرًا لـ25 ديسمبر كاحتفال بمثرا الذي احتفل به الفرس في الشهر السابع الفارسي Bâgayâdiš المقابل لشهري سبتمبر / اكتوبر بالتقويم الجريجوري, كلها محاولات إلحادية غير موثقة أكاديميًا للهجوم على المسيحية ويتفق مع هذا الفكر الصحيح كون المثرية الرومانية ومعضدها أورليان اقتبسوا التاريخ من المسيحيين وليس العكس ما قاله جوزيف رتزنجر (Joseph Ratzinger) وهو الآن بابا روما بندكت الـ16 (Pope Benedict XVI)، الذي أكد بأن ديسمبر 25 هو التاريخ الذي تم اختياره لميلاد المسيح بناء على أن يوم البشارة أو الحبل الإلهي بالسيد المسيح كان في 25 مارس، وبعده بـ9 أشهر يقع يوم 25 ديسمبر أي يوم الميلاد (21) ويسجل بعض الباحثين الآخرين بأن الاحتفال بميلاد المسيح كان قبل الاحتفال الوثني فيذكرون احتفالاً فعليًا في 243م.
ويؤكد هذه الحقيقة أيضًا استاذ التاريخ د. وليم تاي William J. Tighe  Muhlenberg Collegeفي مقالته التي نشرها في المجلة المتخصصة touchstone على أن الأسطورة السائدة من اقتباس المسيحيين لهذا اليوم من الوثنيين لا أساس له من الصحة ولا دليل تاريخي عليه.

نخلص من هذا البحث الآتي:
1) أن آلهة الوثن في بابل وأشور وفارس وروما ومصر واليونان لم يولدوا في 25 ديسمبر.
2) ولم تكن تقاويم هذه الحضارات (عدا التقويم الروماني) حاوية للشهر ديسمبر من الأساس.
3) الوثائق تشير إلى أن المسيحيين احتلفوا بتاريخ 25 ديسمبر (منذ عام 203م وبعده) قبل أن يستعمله أورليان (274م) للاحتفال بيوم الشمس التي لا تُقهر، مما يرجح أن الاقتباس -إن حدث- فقد كان في الاتجاه العكسي، حيث استعمله أورليان لينافس به الإنتشار المسيحي.

لقد أتى المسيح إلى عالمنا ليعلن لنا في شخصه حقيقة الإله خالق الكل، وكل من حاربه سقط على وجهه يترضض، وكل من سقط عليه المسيح حجر الزاوية يسحقه سحقًا.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق