تأليف: أنطوني ولسن
مقدمة: كتبت هذه القصة اولا كمسرحية باسم «المولد» في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. بعد سنوات قليلة حولتها إلى قصة وغيرت الأسم الى «زفة العروس؟.
وفي عام 1994 تم طبع كتاب قصصي يحمل نفس الأسم ويحتوى على ثلاث قصص «زفة العروس، في السينما والفنانة» في مطابع دار عصام حداد للطباعة والنشر - جبيل - لبنان. وقامت برسم الغلاف ورسومات الداخل الاديبة الفنانة مارسيل منصور. وها آنذا أعيد نشرها على اجزاء الأن.
الاهداء: الى انسان الحق والعدل والمساواة ..
في أي مكــان و زمـــان ..
أهدي هــذه القـــصــة ..
الجزء الأول :
خرجت القرية تزفّ عروسها في موكب شعبي يجمع الكبار والصغار من النساء والرجال، ويتقدم الجميع، راقصتان وطّبال، يسير وراءهم موكب العروس المرتدية فستان الفرح (البمبه).
كانت الزفة تسير وتتوقف، ثم تكمل السير.. وهكذا.. وفي وقفة من هذه الوقفات، جاء فتح الله ابن العمدة ومعه صحبه، وأخذ يُحيّ العروس ويشارك الراقصتين في الرقص. وبعدها اندس بين الناس، فلمحته الراقصة نعيمه، فغمز لها بطرف عينه واختفى.
لم تمض بضع دقائق، حتى سمع الناس صوت عراك دائر ما بين اثنين من الشبان. لم يهتم عارف الطبّال بما يدور حوله، بل كان كل همّه الطوّاف بالعروس حول القرية، ثم الذهاب الى منزلها للعشاء هو وشقيقته الراقصة شلبيّه وزميلتهما نعيمة. بعدها يأخذ الأجر (والنقوط) ويعود الى حيث يعيش ثلاثتهم.
تخلف نفر قليل من الشبان والشابات لمتابعة هذه (العركة) التي اندلعت فجأة وبدون مقدَّمات. شاب في حوالى الخامسة والعشرين من عمره يحمل خلف ظهره (مقطفا) مشبوكا في الفأس الذي يحمله على كتفه الايمن، وشاب آخر في مثل عمره ممسكا به من كتفه الايسر ومتهما اياه بسرقة محفظته. يحاول الشاب التخلص من قبضته، ولكن بدون جدوى.
جاء الخفير على صوت الشابين وسأل عن سبب العراك، فقصّ عليه الشاب اتهامه للآخر بسرقة محفظته، فيقوم الخفير باستجواب كل منهما على حدة آخذا صفة رجل الأمن العارف ببواطن الامور والفاهم القانون والذي لا يستطيع احد ان يتدخّل في طريقة تسييره لمجريات التحقيق امام الجمهور.
بعد حوار طال بين الثلاثة، اقتنع الخفير بالتهمة ورفع يده وصفع المتهم على وجهه، فسقطت (المقطف) والفأس بعد ان رفع الشاب يده لحماية نفسه من صفعات الخفير.
ما ان نظر الخفير الى ساعد الفتى، حتى صرخ فيه.
الخفير: نصراني؟ّ.. بالطبع.. لن يسرق غيركم يا كفّار يا ملاعين؟!
لقد رأى الصليب فجنّ جنونه، واخذ يضرب الفتى بوحشية مستهزئا بدينه. فما كان من الفتى إلا ان امسك بيد الخفير ونظر اليه بتحدّ وقال له:
الفتى: كوني نصرانيا لا يعطيك حقُّ اهانتي هكذا. اما اذا كنت متهما بشيء آخر، فهناك البوليس والتحقيق يأخذ مجراه.
صُعق الخفير عند سماعه هذا الكلام، وتحدِّى الشاب غير المتوقع له، اذ عادة، في مثل هذه الظروف، يخنع المتَّهم ويتوسل ويحتمل الضرب لعله يُترك لحال سبيله. افاق الخفير من تأثير هذا التصرُّف المفاجيء، ولم يعرف بماذا يجيب، ولكنه استطاع ان يعالج الموقف. وبسرعة رد على الفتى..
الخفير: تريد ان تذهب إلى البوليس؟ ولم لا؟ سنذهب الى دار حضرة العمدة، وهو الذي يقررِّ ذلك.. سرّ امامي يا ابن الـ ....
***** ***
في اليوم الثاني كانت نعيمة كئيبة.. زفّة العروس في الأمس جعلتها تفكر في نفسها وفي حالها. ما لها هي وعمل (الراقصات)؟ حقيقة أن أمها كانت (راقصة) من قبل، لكن ليس من المفروض ان يرث الانسان عن أهله كل شيء، بما في ذلك عمله الذي قد لا يحبه.
انها تحلم بالزوج والاولاد والعمل الشريف. وعندما جاء في خاطرها هذا اللفظ، انتفضت واهتزَّ جسدها، وحدثّت نفسها عن عملها.. انه رقص حقيقة هذا، ولكنها شريفة لم يمسّها انسان، تعيش مع شلبية وعارف لانها يتيمة ربتّها والدتهما، فنشأت وكأنها الأخت الثانية لعارف، وان كان لعارف في قلبها مكانة اخرى تختلف عن مكانة الأخت لاخيها. هذا الشعور قد يكون حبا.. وقد يكون احتراما، لانه دائما يهتم بها، ويعمل على راحتها. وكانت تلمح في عينيه هذا البريق الذي تعرفه المرأة باحساسها الانثوى الطبيعي، بريق فرح مشوب بحزن وكأنه يريد ان يبوح لها بمكنون قلبه ولا يستطيع.
انهت شلبية اعمال المنزل وحدها، وسألت نعيمة ان كانت تريد الخروج معها لشراء (الخضار). فوافقت علّها تجد في الخروج فرصة تستطيع بها ترك هموم حياتها بعيدا وسط الناس والزحام في القرية.
في السوق تسمع نعيمه احاديث بين الناس تدور عن «الحرامي» الذي امسكوا به اثناء زفة العروس أمس. تعجبت كيف ألقي القبض عليه بهذه السرعة. لقد غمز لها بطرف عينه وترك الجميع هو وصحبه ومشى بعد ان سرق حافظة المزارع، عمن يتحدثون؟ سألت شلبية، فما كان من الاخيرة إلا ان قالت لها:
شلبية: ما لنا نحن و»الحرامي» امسكوا به او لم يمسكوا.. هذا شأنهم.
نعيمة: أفهم هذا.. لكني رأيت الحرامي بعيني وهو يسرق حافظة الرجل واختفى معه صحبه.
شلبيه:با لله عليك يا نعمية.. لنترك الخلق للخالق.
عادت الراقصتان الى مسكنهما، حيث كان عارف في انتظارهما ومعه اثنان من الرجال..
رحَّب الرجلان بهما، وأظهر احدهما اهتماما خاصا بنعيمة، والتي لم تفهم شيئا. سألت نفسها.. ماذا يريد منها هذا الرجل. لربما جاء لخطبتها والزواج منها؟!.. والرجل الآخر.. ما قصته؟ انه يهتم بشلبية، وكأنهما قد اتفقا مقدَّما على ان يهتم كل واحد منهما بواحدة منا. ربما ايضا يريد الزواج منها؟!
تبدّدت الدهشة عندما طلب منها عارف ان تستعدَّ وترقص هي وشلبية. اذا كان هذا الاهتمام ليرقصا لهما رقصا خاصا، وهي التي ظنّت انهما جاء لغرض آخر. فقالت لعارف بنبرة حازمة..
نعيمة: ومن قال اننا نرقص لرجال في بيتنا؟
عارف: وماذا في هذا يا نعيمة؟
نعمية: إسمع يا عارف، انا لا ارقص لاحد. وان لم تحترم رأي فسأترك لك المنزل واخرج.
عارف: لا تخرجي يا نعيمة.. البلد (مقلوب) منذ ان تمَّ إلقاء القبض على النصراني أمس وهو يسرق محفظة المزارع.
شهقت نعيمة وضربت على صدرها بيدها وقالت:
نعيمة: من؟ من السارق؟ اخبرني.. من الذي قبضوا عليه؟
عارف: النصراني من كفر البلاص..
نعيمة: كفر البلاص، كفر البلاص من يا رجل؟.. لقد رأيت السارق بنفسي وهو يسرق الحافظة.
عارف: ما لنا نحن والسارق والمسروق، ارقصي للمعلمّين وسوف يدفعان اجرا كريما.
نعيمة: واين السارق يا عارف؟
عارف: في دار العمدة تمهيدا لترحيله الى المركز.
نعيمة: عال.. المظلوم في بيت الظالم.. البريء في بيت المجرم..
شلبية: عمَّ تتحدَّثين يا نعيمة؟
نعيمة: أتحدث يا شلبية عن الحرامي فتح الله ابن العمدة. هو الذي سرق حافظة نقود المزارع، وقد رأيته بنفسي.. سأذهب وأشهد بذلك..
ادارت ظهرها واتجهت صوب الباب والكل في ذهول. خرجت ولم يمنعها احد.
نظر الرجلان كلِّ منهما الى الآخر وخرجا ايضا دون كلمة منهما.
افترشت شلبية الأرض حزينة مهمومة لا تعرف ماذا تقول أو تفعل! وعارف غارق في القروش التي ضاعت منه بسبب تصرف نعيمة.
لم يكن العمدة موجودا في داره عندما اقتاد الخفير الشاب المتهم الى الدار، ولكنه وجد ابن العمدة فتح الله في انتظاره بعدما سمع بنبأ القبض عليه، وما ان رآه، حتى انهال عليه صفعا وركلا وسباً، ثم امر الخفير بان يضعه في غرفة (الحجز) لحين عودة العمدة من المركز، وطلب ايضا وضع خفيرين للحراسة حتى لا يهرب.
وضع الشاب في غرفة (الحجز) بدار العمدة، ولم ينطق بكلمة. كان في حالة من الذهول شلَّت تفكيره، فكأنه يساق كالذبيحة الى المقصلة.
الجميع يعلم ان العمدة لا يرحم، وبخاصّة في جرائم السرقة والقتل.. الحرامي في رأيه انسان عديم التربية ويجب مجازاته على ما فعلت يداه، ومجازاة أهله لعدم تربيتهم له واهتمامهم به. فكان كلُّ من عرف بالحادث، يشعر بالأسى على هذا الشاب الذي دفعته اقداره الى ارتكاب مثل هذا الجرم الذي لا يحبه عمدتهم.
(يتبع) |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|