CET 00:00:00 - 29/12/2009

مساحة رأي

بقلم: سوزان قسطندي
يستهوينى فى نهاية كل عام (على الأقل) أن أحاسب نفسى وأقيس مدى أمانتى كما حجم تقصيرى فى الأعمال الموكّلة إلىّ، وأراجع ما حدث من كبوات كما إنجازات فى نطاق مسئولياتى فى المجالات الحياتية المختلفة.. ولا يسوءنى ان أطلب آراء بعض المقربين إلىّ من أهل الثقة فيما يرونه فىّ من ضعفات وتقصيرات- لعلمى بأن الآخر هو مرآتى الصادقة الكاشفة لخفايا نفسى.. أفرح بالإنجازات وما يبدو من نجاح دون أن أدع الغرور يتملك منى إذ أقدِّم الشكر الله، وأتعلَّم من الأخطاء وما يبدو من فشل دون ان أدع اليأس يتملّك منى فيعيقنى عن أن أكمل مسيرة حياتى بنشاط- عملاً بقول السيد السيح "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لو9 : 62)..  ثم أقدَّم صلاة لله وأطلب منه المعونة والحكمة والإلهام لتأدية المهام بشكل أفضل فى العام القادم.

وهكذا تذكِّرنا نهاية العام (كما نهاية اليوم) بنهاية العالم ومجئ اليوم الذى نقف أمام الديان العادل نقدَّم حساب وكالتنا.. حينما نسمع صوته المهيب "إعطِ حساب وكالتك" (لو 16: 2).. ثم تُفتَح الأسفار وتُكشَف الأفكار وتُفحَص الأعمال.. نطلب من السيد الرب أن يسمعنا عندئذ صوته الفرح "نعماً أيها العبد الصالح والأمين كنت أميناً فى القليل فأقيمك على الكثير أدخل إلى فرح سيدك" (مت 25: 14- 30).

يقول مارلو "إن الحياة لا تساوى شيئاً، ولكن شيئاً لا يساوى الحياة"..
فالحياة هى قيمة عظمى وهى سعى مستمر- يجب أن يكون موجَّهاً نحو خدمة الإنسانية إن أردنا أن نكون أصحاب رسالات وسفراء أو وكلاء أمناء لله على الأرض.. تستحق منا الحياة أن نعيش كل لحظاتها بتركيز ونضع كل كياننا فيما نقول أو نفعل لنحظى بثمار أمانتنا.. فإن كنا نحاسب أنفسنا فلكى نتقدّم فى الأمانة فكراً وقولاً وفعلاً، وإن كنا أمناء فنحن أسعد الناس بالحياة.

هناك فلاسفة كبار إعتبروا الإستمتاع الشهوانى بالحياة أسلوباً لقهر الموت، فرأى هيرودوت "أنه مادام الموت مسلَّطاً على رقاب العباد فلماذا لا نأكل ونشرب ونرقص" ؟! وهكذا ففى إستهزائهم بقوة العدو الذى لا يُقهَر-الموت، قد فقدوا قيمة الحياة وقوتها، فهزمهم الموت وحُسِبوا مائتين!َ! وهذا ما أشار إليه الرسول بولس "إن كان الأموات لا يقومون فلنأكل ونشرب لأننا غداً نموت" (1كو 15: 32) !!
ولكن الوكيل الأمين لله يقهر الموت بالحياة الدائمة.. حينما تهدف حياته إلى تحقيق رسالة سيده تكون حياته بلا نهاية -حتى ولو توقفت قليلاً فى محطة القبر- لأنه عرف معنى وجوده بل حرر كيانه من عبودية الموت ورأى نفسه أمام حقيقة الخلود !! وهذا ما أشار إليه السيد المسيح بالأمثال "من هو الوكيل الأمين الحكيم الذى يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم العلوفة فى حينها، طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا، بالحق أقول لكم أنه يقيمه على جميع أمواله" (لو 12: 42- 44).

ربما على الأرض هنا حب الحياة، ولكن فى الخلود هناك حياة الحب..
ومن المفارقات أن العالم يفتقر إلى الحب بينما يدّعى الحياة !! العالم  المتحارب والمتصارع على المال والسلطة والماديات -وفى سبيل ذلك يقهر القوى الضعيف ويزيح الغنى الفقير وتغلب القسوة على الرحمة والبهيمية على الإنسانية- يضل طريقه إذاً نحو الموت !!
فلنستيقظ لأنفسنا وإنسانيتنا وحياتنا ورسالتنا.. ولنكن وكلاء أمناء ننير ظلمات العالم بالحب لكى نتأهل معاً لحياة الحب اللانهائى.
يقول برتراند راسل فيلسوف القرن العشرين "بحثت عن الحب، لأن الحب يحقق لى النشوة لدرجة أننى كنت على إستعداد لأن أضحى بحياتى كلها من أجل ساعات قليلة من النشوة الغامرة.. وبحثت عن الحب، لأنه إنتشلنى من العزلة- هذه العزلة الروحية الرهيبة التى تجعل مشاعرنا ترتجف.. وتطلعت إلى الحب، لأنه يفتح أمامى عالماً صوفياً صغيراً كالذى عاش فيه القديسون والشعراء والملائكة.. هذا هو الحب الذى بحثت عنه ووجدته أيضاً.. وقد رفعنى الحب إلى السماء، لكن الشفقة على المعذَّبين قد هبطت بى إلى الأرض حيث صدى الصرخات تتردد فى قلبى وتمزِّقه وبكاء الأطفال الجياع وأنين الضحايا المعذَّبين وحشرجات الشيوخ البائسين والذين هم عبء ثقيل على أبنائهم، هذا الفقر وهذا العذاب وعزلة العاجزين كلما هزّت قلبى وأوجعت عقلى، وقد حاولت أن أخفف بعض الألم ولم أستطع، فتعذَّبت أنا أيضاً.. كانت هذه حياتى وأؤمن أن هذه الحياة تستحق أن أعيشها، ولا يزال يسعدنى أن أعيشها من جديد لو أُعطيت لى هذه الفرصة مرة أخرى".

وعن الحب يقول بولس الرسول "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لى محبة فقد صرت نحاساً يطن أو صنجاً يرن، وإن كانت لى نبوة وأعلم جميع الأسرار وكل علم وإن كان لى كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لى محبة فلست شيئاً، وإن أطعمت أموالى وإن سلَّمت جسدى حتى احترق ولكن ليس لى محبة فلا أنتفع شيئاً.. المحبة لا تسقط أبداً، وأما النبوات فستبطل والألسنة فستنتهى  والعلم فسيبطل" (1كو 13).
الحب إذاً هو محور الحياة وملؤها.. فلتكن هذه هى رسالتنا فى العام الجديد..
وكل عام وأنتم بخير.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٨ تعليق