CET 00:00:00 - 31/03/2009

مساحة رأي

بقلم: القس/ رفعت فكري سعيد
ما يعانيه البهائيون من انتقاص لحقوقهم وعدم إثبات ديانتهم في البطاقة والاكتفاء بوضع (_) شرطة أمام خانة الديانة, وكذلك ما يعانيه الطفلان أندرو وماريو من إجبار على امتحان مادة الدين الإسلامي وضمهما إلى حضانة أبيهما الذي اعتنق الإسلام, وكذلك ما يعانيه محمد حجازي وماهر الجوهري وغيرهما ممن اعتنقوا المسيحية وتركوا الإسلام, كل هذه الأمور وغيرها من أحداث ومواقف جسام –يندى لها الجبين– تؤكد أن لدينا مشكلة كبرى في حرية الإعتقاد رغم التشدق والزعم بأننا نحترم الحريات وحقوق الإنسان!!

إن من حق الإنسان وجدانياً وعقلياً أن يتجه الجهة التي يرتضيها اقتناعاً منه, وحرية الضمير أو حرية الإعتقاد هي حق كل فرد في أن يؤمن أو لا يؤمن، في أن يعتقد في شيء أو فكرة أو لا يعتقد، في أن يعتنق عقيدة مغايرة للعقيدة السائدة أو معارضاً لها.
وحرية الإعتقاد حرية مطلقة فلا سبيل لشخص أو لسلطة على الضمائر ولا مصلحة لها في حمل شخص على التمسك بدين يعتقد بطلانه أو التخلي عن دين يعتقد صحته، وتكمن الحرية الدينية في صميم أي مجتمع عادل وحر، وهي مجسدة برسوخ بمثابة قيمة تأسيسية كمبدأ عالمي، كما أن الحق في حرية الدين يُشكّل حجر الزاوية للديمقراطية، فهو المقياس الحيوي في تشكيل وصون نظام سياسي مستقر، وبالمقابل.. فإن التقصير في حماية حرية الأديان والحقوق الإنسانية الأساسية الأخرى، يُنمي التطرف ويقود إلى عدم الاستقرار والعنف.
لذا فإن تقييم أوضاع الحرية الدينية يعتبر مؤشراً هاماً في تشخيص الصحة العامة والإستقرار لدولة ما، وتعتبر حرية الضمير أو الإعتقاد من الحقوق الراسخة في القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

وحرية الإنتماء للدين هي القناعة الشخصية بالإيمان بذلك الدين عن فهم ودراسة بحيث يصبح الفرد مؤمناً وداعياً في نفس الوقت, فإن مبدأ حرية الإنسان في الإنتماء لأي دين التي وردت في الفقرة الأولى من المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وردت لتحسم الأمر أمام كل الدول والمجتمعات بأن هذه الحرية أساسية للإنسان فهو حر في اعتناق الدين أو التحلل منه أو تغيير دينه، ولقد جاء نص المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:-
1- لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
3- لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
4- تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينياً وخلقياً وفقاً لقناعاتهم الخاصة.

وقد وقعت مصر على هذه المواثيق والقوانين الدولية ومن ثم فهذه المواثيق صار لها قوة القانون المصري وفقا للمادة (151 ) من دستور جمهورية مصر العربية التي تقول (رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة).
هذا فضلاً عن المواد الواردة في الدستور المصري والتي تؤيد المساواة وحرية الإعتقاد فالمادة (40) من دستور جمهورية مصر العربية تقول (المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة)، كما تؤكد المادة (46) على حرية الإعتقاد إذ تقول (تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية).
ويؤدي مبدأ حرية الضمير إلى نتائج أساسية بالنسبة للنظام الإجتماعي من جهة ووضع السلطة من جهة أخرى، فلكل فرد أن ينظم حياته وفقاً لمعتقداته وليس للسلطة التدخل في المعتقدات الفردية، ومع ذلك ينبغي عليها أن تأخذها في الحسبان ((لحماية هذا الحق لكل فرد)) ومن هذه النتائج أن يكون لكل فرد حرية تبني ما يشاء من آراء وفي التعبير عنها، وأن لا تكون هناك جريمة أصلاً في تكوين الرأي إلا عندما يكون التعبير عنه علناً من شأنه إلحاق الأذى بالغير، ومن حيث المبدأ تخرج المعتقدات الخاصة عن طائلة تدخل السلطة والمجتمع، فلكل كائن بشري أن يختار خياراته الأساسية بمنأى عن كل ضغط خارجي، فهو يستطيع الإختيار بين الزواج والعزوبية.... والإسلام والمسيحية والبهائية أو غيرها، فمن حق أي إنسان أن يختار ويقرر كل تفاصيل حياته من أبسطها إلى أخطرها.. فالأعمال والقرارات بسيطة كانت أم خطيرة هي التي تصنع الشخصية وهي التي تحدد المصير، ولكن من المؤسف أن السياق التاريخي يفرض في كثير من الأنظمة والمجتمعات والبلدان العربية -التي تحرص على أفكارها المتوارثة وبخاصة لصالح الدين- تجاهل هذه القواعد والأفكار, فهذه الحرية ليست مطلقة ولكن هناك قيود و حدود لا تبيح التنقل بين الأديان, لأن هذه المجتمعات تظن أن تغيير الدين يهدد أمن المجتمع وسلامه الاجتماعي وطمأنينة أهله الذين يحيون في ظله بكل وداعة وسلام وحب وإخاء!!
وهذه الحدود يمكن إيجازها في الآتي:-
1- إن حدود الإعتراف بالحرية الدينية في هذه المجتمعات لا تمتد لتشمل غير الديانات الإبراهيمية –اليهودية والمسيحية والإسلام- ومن ينتمي لأحد الأديان الوضعية كالبوذية أو البهائية مثلا فهو مشرك وكافر.
2- هناك من ينتمون للديانات الإبراهيمية ولكنهم في ذات الوقت يتهمون إخوتهم من يدينون بديانات إبراهيمية ولكن مغايرة لدينهم بأنهم ضالون ومنحرفون وكتبهم المقدسة تحرفت وتبدلت.
3- إن حدود الإعتراف بالحرية الدينية للأقليات الدينية في هذه المجتمعات ليست مطلقة أو مجردة من القيود بل هناك قيود وحدود تفرض على حرية المغايرين دينياً وعلى حرية العبادة في تلك البلدان.
4- ليس من حق أي إنسان يدين بدين الأغلبية أن يغير دينه ويعتنق الدين الذي يشاء، ومتى فعل هذا فمصيره القتل وإراقة الدم.

إن حرية الإعتقاد أو الحرية الدينية كما هي معروفة في العالم أجمع هي حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من عقيدة وحريته في إقامة شعائر هذه العقيدة علناً وبحرية, وحريته في الدعوة إليها طالما يفعل ذلك بطريقة سلمية ودون إكراه والأهم حريته في أن يتحول من أي دين إلى آخر، فهذه هي حرية الإعتقاد في تعريفها الحقيقي ولكن المؤسف إن حرية الإعتقاد في رأي بعض الناس هي طريق ذو اتجاه واحد نحو دين واحد, أما عند حدوث العكس فهنا لا بديل سوى القتل وإراقة الدم.. ولهولاء نقول أن من يطالب بحرية الإعتقاد يجب أن يطالب بالحرية للجميع أو ليصمت, لأنه إذا كانت حرية الإعتقاد مقيدة في حدود اعتناق دين واحد فقط, في هذه الحالة تصبح حرية الإعتقاد مجزأة ومشوهة وعرجاء, ومن ثم يكون المنادون بهذه الحرية المجزأة العرجاء مفتقدين للمصداقية في أبسط صورها.. أما من يزعم أن حرية الإعتقاد هي في اتجاه واحد فقط ونحو دين واحد فقط فنحن نختلف معه إختلافاً كلياً وجزئياً.
إن حرية الإعتقاد مطلقة ومتعددة الطرق ولم تكن أبداً طريق ذو اتجاه واحد.. إن احترام حقوق الإنسان وأولها حقه في حرية الإعتقاد أصبح اتجاهاً انسانياً عاماً وقانوناً دولياً وهو مايجب أن ننادي به جميعا, والتأكيد على حق المواطنة في مصر بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو اللون أو العرق هو السبيل الوحيد لوضع حد لأي فتنة دينية أو تدخل من أي جهات خارجية.
إن أصبحنا جميعاً فعلاَ متساوين أمام القانون حكاماً ومحكومين، أغنياء وفقراء، مسيحيين ومسلمين، لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات فلن تكون هناك أي مشكلة طائفية أو غيرها.
إن المواطن الصالح يقاس ليس بديانته ولكن باحترامه القانون، وبالخدمات التي يقدمها للمجتمع, لذا فإن مصادرة الحريات الدينية استبداد ما بعده استبداد، لأن الأصل هو حرية الفرد الكاملة وغير المنقوصة في اختيار ديانته، حتى ولو كانت البهائية أو البوذية.. أو اختياره أن يكون لا دينياً أو لا أدرياً أليس هذا ما ينص عليه الدستور المصري وكل أعراف حقوق الإنسان؟ قد يكون بعض الناس بحسب وجهة نظر البعض منحرفين في عقائدهم، أو حتى كفاراً أو ملحدين أو مشركين، فهل يعطينا ذلك الحق في انتهاك حقهم الإنساني في حرية الإعتقاد؟
إنها قضية مصير ومستقبل.. هل تحترم مصر حرية العقيدة كما ينص عليها الدستور المصري والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها مصر أم لا؟ القضية هل نحترم في مصر حقوق المواطنة.. حق المواطن المصري في الحياة والأمن والعمل والتعبير عن الرأي و حرية الإعتقاد وإقامة شعائره الدينية, كما هو النص في الدستور المصري نفسه أم لا؟ وإذا لم نحترم حقوق الإنسان كما يحترمها العالم المتقدم فنحن في أزمة حقيقية أمام أنفسنا وأمام العالم من حولنا!!
القس / رفعت فكري سعيد
راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق