بقلم: أنطوني ويلسون
يوم الخميس 31/12/2009.. ودّع مسيحيو مصر داخل مصر وخارجها علمًا بارزًا في سماء الحرية، المهندس عدلي أبادير يوسف نيح الرب يسوع المسيح روحه في فردوس النعيم مع القديسين أباؤنا ابراهيم واسحق ويعقوب.
عزيز على الإنسان أن يفكر في الموت.. أو كما نقول نحن المؤمنين الانتقال، لأن الرب يسوع نفسه عندما مر بهذه التجربة طلب من أبيه في السماء أن يعبر عنه هذه الكأس.. كأس الموت.
ومع أن صعوبة الموت الذي هو انتقال عند المؤمنين والتي عبر عنها رب المجد في بستان الزيتون عندما كان يصلي، نجد النصرة عليه في القيامة، أين شوكتك يا موت وأين غلبتك يا هاوية؟
نعرف جميعًا أن الحقيقة الوحيدة في حياة كل كائن حي هي الموت.. لكن قلائل هم الذين يختارون موتهم لحياة خالدة. وطبيعي من يختارون الموت هنا لا أعني الذين يقدمون على الانتحار باختيار الوسيلة الانتحارية التي تؤدي إلى ازهاق الروح.. وهنا يوجد فارق بين الموت أي ترك الروح للجسد وبين الانتحار بإزهاق الروح عن طريق الانتحار.
أما القلائل الذين يختارون موتهم لحياة خالدة، هم أولئك الذين يعملون طوال حياتهم على ترك أثر أو آثار لصالح الإنسان وحرية الإنسان ومن أجل الحياة الحرة الكريمة للبشر. هؤلاء هم الذين بالفعل يختارون موتهم لحياة خالدة، لأنهم أعطوا دون أنتظار ثمن العطاء، أسعدوا دون انتظار كلمة شكر، ضحوا دون المعايرة بتضحياتهم من أجل الناس عامة والمضطهدين والمسلوبة حقوقهم والفقراء والمحتاجين خاصة. فوضعوا أرواحهم فوق كفوف أيديهم غير خائفين من موت الجسد مفضلين عليه حياة الروح الأبدية. وبهذا الاختيار يكونون قد حصلوا على الامتياز الكبير الذي لا يحصل عليه الموتى الآخرون، إمتياز الذكرى الطيبة الخالدة خلود الأرض حتى المنتهى. ويؤكد لنا هذا تاريخ الإنسان منذ وجد آدم وإلى آخر آدم في الوجود.
الخلود لله وحده.. أما الإنسان للزوال والاندثار، وهذا الإنسان الزائل وهب الله بعضًا من نسله صفة الخلود.. لن نختلف على تعريف كلمة خلود، لكن نتفق على أن خلود الذات الإلهية خلود أزلي لا يحده مكان أو زمان أو فعل أو عمل، لأنه الله الخالق للمكان والزمان والإنسان وكل أفعاله وأعماله خالدة، أما الإنسان فخلوده محدود بالمكان والزمان والفعل والعمل.
المهندس عدلي أبادير يوسف ولد على أرض أباءه وأجداده . مصر.. نشأ وترعرع على أرضها، هاجر مثله مثل الملايين من الأقباط المسيحيين الذين استشعروا الاضطهادات التي تنتظرهم، فغادروا الأرض. لكنهم لم يتركوا الوطن فحملوه بين ضلوعهم، في قلوبهم، في وجدانهم وفي عقولهم، وعملوا على إعلاء اسمه أينما حط رحالهم على أرض الغربة في جميع أنحاء العالم، وأصبحوا السفراء الحقيقيون لوطنهم مصر الذي حملوه معهم. ويشهد على ذلك سمعتهم العطرة وتبؤهم أعلى المراكز لكفاءاتهم العلمية والعملية والأدبية بعد أن حُرموا منها في بلدهم مصر بسبب الاضطهادات الدينية التي تُمارس ضد كل الأقباط المسيحيين الذين ما زالوا يعيشون على أرض الوطن مصر.
انتقل إلى الأمجاد السماوية المهندس عدلي أبادير يوسف على أرض وطنه الثاني سويسرا بعد أن جاهد الجهاد الحسن وأكمل السعي وينتظره أكليل البر.
أما عن الفعل والعمل فهنا.. وهنا فقط.. الفارق بين إنسان وآخر، في المسيحية نقول عند موت الإنسان أعماله تتبعه، وأعمالك يا أيها الراحل تتبعك في السماء، وتشهد على مدى إيمانك المسيحي الذي طبقته عملاً وفعلاً بما قمت به من أجل أم الدنيا مصر. مصر المحبة التي حوّلها التطرف الديني إلى مصر أخرى بعد عنها الحب وحل محله الكره والتمييز العنصري الديني، وعدم قبول الآخر واضطهاده بشتى أنواع الاضطهادات المعنوي منها والمادي، فعملت يا عدلي أبادير يوسف على الوقوف والتصدي لهؤلاء الغوغائيون المتطرفون طيور الظلام.
في الاغتراب كثيرون التهوا في جمع المال والثراء والعيش الرغيد، لكنك على الرغم من الثراء المالي الذي حققته، سخرته من أجل أقدس قضية بشرية على الإطلاق.. قضية استرداد الحق المسلوب لشعب هو أصل البلاد وسليل العظماء، فأذلوه وخطفوا بناته القصر واغتصبوا أرضه وعرضه وحرقوا كنائسه وسجنوا كهنته.
لم تسكت وبدأت العمل، ولم تكتف بالقول وأصدار الشعارات بل عقدت المؤتمرات في كبريات مدن العالم وأخبرت العالم كله بجميع لغاته بالصوت والصورة لما يحدث لأبناء مصر من المسيحيين. بل وقفت شامخًا عام 2005 وأعلنت ترشيح نفسك للرئاسة في مصر لتكون أول مسيحي يكسر حاجز الاحتكار لهذا المنصب ويزيح من صدور أخوة وأخوات لك في الوطن مصر خوف المشاركة في الطلب بحقوقهم المشروعة.
لم يقهرك المرض وعملت من أجل المحتاجين في مصر فأرسلت لهم المساعدات اللازمة. أسست صرحًا إعلاميًا وأعطيته اسم "الأقباط متحدون"، معنيًا بذلك المعنى اللغوي الحقيقي لمعنى الأقباط متحدون.. أي.. المصريون متحدون.
هناك الكثير والكثير جدًا الذي سمعت عنه وغيره مما لم أسمع عنه.
وعلى هذا الخلود الذي أشرت إليه بالنسبة لفقيد الإنسانية المهندس عدلي أبادير يوسف، مبني على ما تركه الإنسان المصري عامة والمسيحي خاصة من الاعتزاز بمصريته والوقوف في وجه الفتنة الطائفية، وتغير مظهر مصرالحضاري الذي أساءوا إليه باسم الدين، وضرورة تغيير المادة الثانية من الدستور وتفعيل القانون ليكون الفيصل بين الناس دون تفرقة لا بسبب دين أو عرق أو جنس أو لون وفصل الدين عن الدولة. ومن أهم مطالبه.. إعادة الحق المسلوب للمسيحي، وهو حق المواطنة الكامل الذي يساوي بين أبناء مصر في الواجبات والحقوق، وهذا ما كرس له حياته حبيبنا المتنيح المهندس عدلي أبادير يوسف.
لذا أجد نفسي لا يمكننى أن أقول وداعًا عدلي أبادير يوسف.. لأنه لا وداع للخالدين. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|