بقلم: زهير دعيم
قد نَمقِتُ أحياناً ظرفاً مُعيَّناً...
قد نمقت تصرّفاً مُعيّناً... فنصرخ ونرفع عقيرتنا قائلين: ظلم وقع... إجحاف حلّ!!!
ولكنّ الحُّرّ هو رجل المواقف، رجل المهمّات الصّعبة، الرجل الذي يقول للأعور أعور "بعينه" وللحقّ زِه وبوركَت يمينكَ.
ولعلّ التربية الصحيحة المُمنطقة بالحرّية والمُسوَّرة بالديمقراطية الحقيقية هي الميزان الحقيقي، فالديمقراطية تُربّي وتُدرّب النّفس على قولة الحقّ، بل على الفصل بين القمح والزوان، والغثّ والسمين، حتّى ولو كان الأمر موجعاً لا يروق لنا.
مَن مِنّا لم يسمع عن قضيّة موشيه كتساف رئيس دولة إسرائيل السابق، والذي أتهم بالإغتصاب والتحرّش الجنسي وأحيل إلى القضاء، وسيُبتّ بمصيره قريباً.
موقف لا يزيد إسرائيل شرفاً ولا يرفع من قيمة هذا الرجل المسئول الذي كان إلى عدة أشهر خلت الرجل الأوّل في الدولة، كيف انحدر به الزّمن إلى مزالق مُخجلة قد تطيح به إلى إحدى الزنزانات.
لستُ أعرف إن كان بريئاً أم مذنباً، فالمحكمة هي وحدها التي ستُقرّر والعدل هو الذي سيقول كلمته مع أنّ الإتهام شائك، مُخزٍ وفظيع.
لا أدّعي المعرفة ولا أعرف الحقيقة، ولكنني أعرف حقيقة أخرى واضحة وضوح الشّمس: أنّ هذه المحاكمة على ما فيها من إحراج كبير لإسرائيل، تحمل وتُظهر الديمقراطية الإسرائيلية في أبهى حُللها، في منطقةٍ لا تخلو من كنس المخالفات والجرائم تحت السُّجاد، فكم من زعيم عربيّ يغتصب ليس فقط الحسناوات بل مقدرات الشعب كلّه، ويصول ويجول في دنيا الرذيلة، ولا يلقى إلا التصفيق والتأليه.
وكم من سيّاسيّ كبير في عالمنا الشّرقيّ غزا المُحصنات، فلم يفز إلا بالتهليل والتكبير والتصفيق لرجولته وفحولته.
لست بصدد أن القيَ التُّهم جُزافاً ولكنه الواقع المرير المُبطَّن بالكلام المعسول، والمُصان بالجند والمخابرات وقوى الظلام المرئية وغير المرئيّة.
واستمراراً لهذه الحقيقة -حقيقة الديمقراطية الإسرائيلية الحقّّة- تأتي خطوة أخرى لا تقلّ عنها انفتاحاً، حيث أن القضاء الإسرائيلي اختار لهذه المهمّة الصعبة -والأولى في تاريخ الدولة- اختار قاضياً عربياً.
صحيح أنه قاضٍ مشهود له بالعدل والحزم والمواقف الجريئة، وقد سبق وبتّ في الكثير من القضايا الجنائية الشرسة ونال إعجاب الجميع، نعم إنه رجل المهمّات الصعبة، والقضايا الشائكة، والعارفون ببواطن الأمور الناصتين أبداً لصوت الحقّ يُقرّون أنّه لا يخشى في الحقّ لومة لائم ولا يهاب إلا ساكن الأعالي، ولكنه يبقى عربياً ومن الأقلية العربية.
إنّه قاضي المحكمة المركزية ابن يافا البارّ جورج قرّا، فتأملوا معي... قاضٍ عربيّ يُنتخب ليحاكم رئيس دولة اليهود!!! أليس هذا الشيء ملفت للنظر ويدعو إلى الوقفة والوقفات؟... أليس هذا سبَقٌ يضاف إلى هذه الديمقراطية سواء أحببنا أعمالها أو لم نحبّها، وسواء صفّقنا لها أم لم نُصفِّق، ولكنها قولة الحق العاري!!!...
عربيّ من الأقليات ينتخب إلى جانب قاضيتين!! -أيضاً مكرمة-
ليحاكم رئيس الدولة السّابق.. أمر جلَل.
جورج قرّا سيكون المسئول الأوّل، وهو الذي سيدير الدّفة، وهو الذي سيقول الكلمة الفصل: "أنت مذنبٌ "... أم "أنت بريء"... إلى غياهب السجن أو إلى الهواء الطّلق!!! أمر يدعو إلى الإحترام.
سعادة القاضي جورج قرّا نرفع قبعتنا إحتراماً لك، ونُصلّي لساكن الأعالي أن يهبك حكمةً، لترفع الحقّ كعادتك عالياً ورؤوسنا كذلك..
وأخيراً ماذا علينا لو تعلّمنا من غيرنا أصول اللعبة الديمقراطية؟!!! |