CET 16:09:56 - 22/11/2013

مقالات مختارة

محمد سوني

 حتى لا نتوه

الثورة المصريه واليمين المصري ... ببساطه

سوف أعيد مقدمة مقالي السابق على صفحتي ، عن الثورة المصرية واليسار المصري ، في مقدمة هذا المقال لإرتباطها الوثيق بنفس الموضوع ، وهي أن التيارات السياسية تتنوع مابين تيارات يسارية  و تيارات يمينية ، ويتم هذا التصنيف على أساس القرب أو البعد عن قضايا العدالة الإجتماعية ، أو نصيب الفقراء من الثروه وعمليات التنميه ، فكلما كان التيار السياسي أقرب للعدالة الإجتماعية كان أكثر قربا من اليسار ، وبالعكسن من ذلك كلما كان التيار السياسي أكثر قرباً من النظام الرأسمالي والسوق الحر كان أكثر يمينية . وهذا تعريف علمي وعالمي وليس ذماً أو مدحاً في أحد ، وتصنف على أساسه كل أحزاب العالم . مع حفظ الألقاب لجميع الأسماء الوارد في هذا المقال ..

والحديث هنا عن التيار السياسي الثاني في مصر وهو التيار اليميني ، ويخضع لنفس المعيار ، فهناك يمين ديني راديكالي ( أي أقصى اليمين ) ويؤمن بشكل كامل بالنظام الرأسمالي والسوق الحر ، الذي يحقق مصالح الطبقة الرأسماليه بشكل مطلق بدون أي إلتفات لحقوق الطبقات الأخري إلا بالحسنات والصدقات ، ولا يؤمن بأي حقوق إقتصادية أو إجتماعية للفقراء ، ولا يؤمن بالحريات السياسية إلا لتوصيلهم إلى السلطة ثم ينقلبون عليها ، لإيمانه بأنهم خلفاء الله على الارض ، وبأنهم ينفذون أوامر الله ، وأن مبدأ السيادة للشعب يتعارض مع هذه المعتقدات ، ولا يبالون بحقوق الإنسان ، فجميع حقوق الإنسان مقيدة بما لا يعارض شرع الله كما يكررون في كل شيء ، وكذلك لا يؤمنون بحرية الفكر والعقيدة ، وهم طائفيين بإمتياز بالنسبة للمختلفين معهم في الفكر أو العقيدة أو حتي في المذاهب الدينية لنفس الدين ، وموقفهم من الإستقلال الوطني يشوبه كثيراً من علامات الإستفهام لتعارض ذلك من فكرة الخلافة التي يؤمنون بها ، فهم أصلاً ضد فكرة الأوطان ولو أظهروا غير ذلك ، لأن ما يؤمنون به يتعارض حتما مع هذه المسائل الوطنية ، ويمثل هذا التيار حزب الحرية والعدالة و تنظيم الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتيار السلفي وجميع التنظيمات الجهادية .

والأمر الغريب أن هذا التيار القابع على صدورنا منذ أكثر من ثمانون عاماً ، لم ينجب مفكراً واحداً ، أو أديباً واحداً ، أو شاعراً موهوباً واحداً ، أو كاتباً مميزاً او موضوعياً واحداً ، أو فناناً حقيقياً واحداً ، وذلك لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا ، وهي في كل الأحوال ظاهرة تستحق التأمل والدراسة . 
ويوجد تيار يميني محافظ ( يتخذ شكلاً مدنياً ) ، وهو تيار يميني راديكالي أيضاً أي ( أقصي اليمين ) ، وهذا التيار يغلب عليه الرغبه في المحافظة على الوضع الطبقي والسياسي والإجتماعي كما هو سائد دون تغيير ، ويرتبط هذا التيار إرتباطاً وثيقاً بالفساد الناتج عن الزواج بين السلطه والثروه ، ولذلك يعارض دائماً أي تغيير حتى ولو كان في شكل النظام السياسي للحكم ، وينتمي لهذا التيار غالبية المنتفعين من الأنظمه السابقة ، وتتمركز في أيديهم كل ثروات مصر ، وينتمي لها كل رجال الأعمال المحتكرين للأنشطة الإقتصادية في مصر ، وكبار الملاك العقاريين ، وأصحاب الثروات الطائلة ، وكبار تجار السلاح والمخدرات والسماسرة ، و ايضاً هؤلاء الذين يطلق عيهم مليونيرات أو مليارديرات دون ذكر نشاطهم أو وظائفهم ، وجميع رموز النظام السابق المتعاقبين ، وجميع أباطرة المحليات ، وهو ما أطلق علية بعد الثورة  ( باليمين الفلولي ) ، وهو لا يختلف عن اليمين الديني إلا أن هؤلاء يفضلون ( الجلباب واللحية والمسبحة ) وهؤلاء يفضلون ( البدلة والقبعة والسيجار ) ، ويعتبر كلاً منهم سبباً رئيسيا في وجود وتغول الآخر ، فقد كانت سياسة السادات في بداية السبعينيات بإطلاق اليمين الديني الطائفي ليعمل ضد كل فصائل اليسار المناهض لسياساته ، سببا رئيسيا في تغوله بعد ذلك لدرجة قتله هو شخصيا في وسط جيشه وأمام أعين عشرات الأجهزة الأمنيه التابعة لنظامه . وكذلك كان وجود هذا التيار الظلامي والهمجي والرجعي سبباً رئيسياً في حالة الفراغ السياسي التي تعيشه مصر ، مما أتاح الفرصة لليمين الفلولي أن يغتصبوا مصر وينهبوها لأكثر من أربعون عاما ، بحجة أن البديل هو الإرهاب والطائفية ، واصبح بحكم المصالح المشتركه ، كلا منهم ظهيراً للآخر ، وبديلاً له عند سقوطه ، ليأتي الآخر مكانه يطبق نفس السياسات ويخدم نفس الطبقات ، و يعتبر هذا أحد أهم المعوقات الكبرى لتحقيق أهداف الثورة المصرية . وينظر اليمين الفلولي للديمقراطية على انها ديكور يجمل بشاعته ويبعد عنه انتقادات دولية هو في غنى عنها ، وليجنب أصدقائه الاستعماريين الجدد الحرج أمام الشعب المصري وأمام المجتمع الدولي ، وهو صانع كل ماتعيشه مصر من كوارث ومآسي وبؤس وتخلف وجوع و مرض ، وهو تيار التفريط في السيادة الوطنية والإستقلال الوطني لصالح الأمريكان والصهاينه وحلفائهم الإستعماريين الجدد . وكان يمثلهم الحزب الوطني المنحل ، ولم يتبلور لهم احزاب مستقرة حتى الآن ، ولكنهم القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ذات التأثير الأكبر في أغلب نواحي الحياه في مصر .

ويشكل اليمين الراديكالي ( اليمين الديني واليمين الفلولي ) ، ثنائية النظام الحاكم قبل الثورة ، فهذا له السيطرة على السلطة ، وذاك له السيطرة على الشارع ، وذلك بإتفاق ضمني غير معلن ، وهو ما قامت الثورة المصرية ضده ، وكان من المفترض انها تخلصت منه لتحل نظاماً جديداً يحقق أهداف الثورة المصرية ، وهي العدالة الإجتماعية والحرية والإستقلال الوطني .
ويوجد أيضاً تيار ليبرالي يميني ، وهو يؤمن بالنطام الرأسمالي الحر ، ولكن هذا التيار يرغب في إصلاح النظام بما يتناسب مع المنظومه العصريه والقيم العالميه من ديمقراطية سياسيه تسمح بتداول السلطه ، والحفاظ على حقوق الإنسان ، وتطوير طبيعة العمل السياسي بحيث يكون مدنياً حديثاً ، ويؤمن بحق التظاهر والإضراب ، ولكن من منطق التنفيس وتفادي حدوث إنفجارات شعبيه ، وأيضا لإيمانه بان تحسين ظروف العمال يؤدي لزيادة الإنتاج ، وكذلك يؤمن بأن محاربة الفساد تقلل من تكاليف الإنتاج ، وتحسن ظروف المنافسه في الأسواق المفتوحة طبقا للإتفاقيات التجارية ، كإتفاقية الجات وغيرها ، ويؤمن بتطوير التعليم ، وتحسين الرعاية الصحية ، وتطوير منظومة التأمين الصحي ، ويتخذ من الأنظمه الأوروبيه نموزجاً له ، وأيضا يؤمن بتتطوير التعامل معها للإستفادة من تجربتهم في التطور العلمي والتكنولوجي ، ويؤمن بالشفافية في الحكم والإدارة ، ويهتم بقضايا التنوير في المجتمع . ولكن يظل هذا التيار بعيدا عن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للفقراء ، ويعبر هذا التيار عن قطاعات واسعه من الرأسمالية المصرية ، وبعض الشرائح العليا من الطبقة الوسطى ، وأهم من يمثلهم حزب الوفد ويرأسه السيد البدوي ، وحزب المؤتمر ، ويرأسه عمر موسى . وكان لهذا التيار دور واضح في الموجة الثانية الكبري للثورة المصرية في 30 يونيو 2013م .

ويشكل التيار اليميني الديني الراديكالي ، والتيار اليمين المحافظ الراديكالي ، والتيار الليبرالي اليميني ما يسمى ( التيار اليميني المصري ) .
ويوجد تيار ليبرالي وسطي ، وهو يؤمن بفكرة تنمية الديمقراطية في السياسة كما في المجتمع ، بما يعني العمل على اعادة توزيع الثروة لصالح العمل والعاملين في ظل اقتصاد السوق الحر ، ويتبنى مواقف أكثر تقدمية من اليمين المتطرف واليمين الليبرالي في قضايا الحرية بكل معانيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، بمكافحة الاحتكار الاقتصادي ، وتشجيع الصناعات المتوسطه والصغيرة ، وفرض الضرائب التصاعدية ، ومنح إعانات بطالة لمدة مقابل تدريب تأهيلي ، ويطالب بإلغاء دعم الأغنياء وخاصة في مجال الطاقة ، وتوفير الخدمة الصحية وعمل مظلة تأمينية لكل المصريين ، وتشجيع الاستثمار ، ويعمل مع القوى الثورية ، والقوي اليسارية ( الاشتراكية والقومية) في مسائل كثيرة مثل الحريات العامة وحقوق الإنسان وقضايا التنوير ، ويرغب في بناء دولة ديمقراطية حديثه على النموزج الغربي ، ويؤمن بالشفافية في في الحكم والإدارة . ويعبر هذا التيار عن الطبقة  الوسطى و طبقة الرأسمالية الوطنية المصرية ، وكان هذا الفصيل من التيارات الرئيسية التي شاركت في الثورة المصرية بموجاتها الكبرى في 25 يناير2011  و30 يونيو 2013 م ، وطوال هذه الفترة كان له إسهامات في تصويب مسار الثورة ، و أهم من يمثلهم حزب الدستور ويرأسه سيد قاسم المصري ، ويضم شخصيات عامه مثل احمد البرعي ، و بسنت فهمي ، وجورج اسحق ، وباسل عادل ، وجميلة إسماعيل ، وكمال عباس ، وأسسه  محمد البرادعي مفجر وأيقونة الثورة المصرية بموجاتها الكبرى في 25 يناير 2011م ، و30 يونيو 2013م ، وتواصلها ايضا ً . والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ، و يرأسه محمد ابو الغار ، وبه شخصيات عامه مثل حازم الببلاوي ، و مرفت التلاوي ، و زياد بهاء الدين ، و محمد نور فرحات ، و فريد زهران ، و زياد العليمي ، و باسم كامل . وهناك ايضاً حركة 6 ابريل وهي حركه شبابية ليبرالية وسطيه ويعبر عنهم احمد ماهر.

ويشكل التيار الليبرالي اليميني ، و التيار الليبرالي الوسطي ، ما يسمي (التيار الليبرالي المصري) ، ويجمعهم التمسك بالديمقراطية السياسية ، ومحاربة الفساد بكل أنواعه ، وكذلك محاربة الاستبداد ، والدفاع عن حقوق الإنسان ، وحقوق المرأة ، والدولة المدنية الحديثة ، واستقلال القضاء ، وتطوير الأجهزة الأمنية بما يتناسب مع مفهوم الدولة العصرية ، والإسهام في جميع مجالات الثقافة ، و قضايا التنوير ، ويتفق التيار الليبرالي المصري ، مع القوة الثورية ، واليسار المصري ، في جميع هذه القضايا ،  وهو تيار سياسي أساسي في المعادلة المصرية الجديدة ، وأحد أهم مكونات الثورة ، بصرف النظر عن التباين السياسي أو الفكري مع القوى الثورية أو فصائل اليسار ،  في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفقراء ، لأن الديمقراطية التي إختارها الشعب المصري لتحقيق أهداف الثورة وهي ( العدالة الإجتماعية والحرية والإستقلال الوطني ) ، تقتضي أن يكون هناك تناقس بين جميع مكونات الشعب المصري ، بالشروط التي تلتزم بها جميع ديمقراطيات العالم .  وهي الحفاظ على مكونات الدولة العصرية الحديثة والمدنية والديمقراطية ، والإلتزام بقواعد الديمقراطية كاملة ، والا يكون الفكر أو الممارسة السياسية طائفية أو عنصرية أو انقسامية أو تكفيرية ، وعدم إستخدام العنف في فرض الأفكار والآراء ، ناهيك عن الإرهابيين ، إضافة الي هؤلاء المدانون في قضايا فساد أو قتل أو إفساد للحياه السياسية .

وينتمي للتيار الليبرالي المصري ، كثيراً من المفكرين والمثقفبن والأدباء والشعراء والفنانين والشخصيات العامه ، غير المنظمين داخل أحزاب ، ويعبرون عن أفكارهم وأرائهم بالطريقة التي تناسبهم .
وينتمي أيضاَ لهذا التيار الليبرالي رموز تاريخية كبيرة ، ففي السياسة مصطفى كامل وسعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وفؤاد سراج الدين ، وفي الفكر طه حسين وسلامه موسي و لطفي السيد ولويس عوض ، وفي الأدب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ، وفي الفقة جمال الدين الأفغاني ورفاعه الطهطاوي وعبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده وعلي عبدالرازق ، وفي الاقتصاد طلعت حرب . وهم بالكثرة التي يستحيل معها حصرهم ، حيث ينتمي لهذا التيار أغلب قادة الفكر والثقافة والأدب والتنوير في مصر منذ بدايات القرن الماضي وحتى الآن .

ملحوظة :
1 ــ هذا المقال ليس حصراً للأحزاب اليمينية ، أو الليبرالية ، فهي أكثر من ذلك بكثير ، ولا تقييم لها ، ولا إنحياز لأحدهم ،  ولكن هو مجرد وصف لواقع كما أراه ، وسوف يكتمل هذا الوصف بملاحظاتكم وتعليقاتكم على المقال .
2 ــ هذا المقال إستكمالاً لمقال سابق لي ، على صفحتي ، عن الثورة المصرية واليسار المصري ، والمقالين مجرد محاولة لتوضيح الصورة عن ( الثورة المصرية و التيارات السياسية المصرية ) ، وأتمنى من الله أن أكون قد وفقت فيما قصدت .
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع