CET 00:00:00 - 08/01/2010

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر
في رحلته الأبدية سافر راحلنا الكريم عدلي أبادير أحد فراعنة مصر العظام خلال فترة أعياد الميلاد المجيد، وكأنه يريد أن يحتفل بالعيد مع الرب يسوع، وفي العيد يقول الكتاب لا تظهروا أمامي فارغين، وماذا يا ترى سيقدم الراحل الكريم إلى السيد المسيح؟:
أراه يقدم ذهبًا في شكل العطاء، فقد فرق وأعطى المساكين. بره دائم إلى دهر الدهور. يرتفع قرنه بالمجد. ربح بالوزنات التي منحها الرب له, فقدم المائة ولم ينقص يومًا إلى الستين أو الثلاثين. استخدم المال ولم يستخدمه المال، فكان أمينًا في القليل فأعطاه الرب الكثير وظل أمينًا إلى النفس الأخير.

هل سمعنا يا سادة رجل سخّر كل أمواله من أجل قضية أحبائه الذي لا يعرفهم بالاسم, فعندما كان يعقد المؤتمرات بسويسرا كان يغطي التكلفة بالكامل ابتداءًا من قاعة المؤتمرات ومصاريف رحلة وإقامة كل الحضور شاملة الطائرات والانتقالات والإقامة الكاملة في فنادق سويسرا. كان كل همه أن يكسب أصدقاء للدفاع عن قضية الأقباط، كان له الدور الأول في تحريك قضيتهم وإعلان حقوقهم أمام جميع المحافل الدولية, حتى أصبح لهم تواجد بأجندة هيئات حقوق الإنسان المحلية والدولية وهبوا جميعهم للدفاع عن القضية, وأسمع العالم بالاضطهاد والظلم الواقع عليهم حتى أصبحت قضية الأقباط معروفة لدى الإعلام العالمي والميديا الدولية, وأضحت القضية على كل لسان في الكونجرس الأمريكي ومجلس السيناتورات البريطانية والمجالس التشريعية في كل البلاد الأوربية والأمريكتين واستراليا وكندا, وأصبح في كل قارة وبلد من هذه القارات والبلاد لوبي قوي يمثل أقباط مصر, رفع أبادير صوت الأقباط في العالم كله. إنه حقًا من معدن الذهب, وحينما يقدم نفسه أمام الديان العادل في اليوم الأخير يقدمها كذهب نفيس.

كان عطاؤه لا يعرف حدود بل كانت مساهمته المالية تدفق على الأديرة والملاجئ والمؤسسات الاجتماعية ولكل محتاج وفقير ومريض دون أدنى طنطنة، لم يعرف شماله ماقدمته يمينه، أعطى للرب أمواله (لأني جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبًا فآويتموني عريانًا فكسوتموني مريضًا فزرتموني محبوسًا فأتيتم إليّ مت 36:25)، لقد نفذ وصية الرب فقدم للرب ذهبه وماله. هو ذهب إلى المجد وهو ذهب مقدم للرب كرجل كان ثريًا وخادمًا للرب، إنسان نفسه غالية أمام الله مثل الذهب وأغلى... في حياته وبعد موته.
ثم يقدم نفسه لبانًا ذو رائحة طيبة تصعد بحرقها بأوجاع الأقباط بخورًا يشتمها الرب رائحة ذكية ويتنسمها منه رائحة رضا. فالكاهن الذي يقدم البخور هو راع أو مدبر, وكان الفقيد هو الراعي للأقباط بلا منازع حتى سموه الجميع كبير الأقباط وكان عظيمهم, كان مدبرًا لشئونهم مهمومًا بقضاياهم مدبرًا لاحتياجاتهم، أليست هذه وظيفة الراعي الأمين؟ قدم نفسه كرائحة المسيح الذكية بأعماله الكثيرة وتضحياته العديدة وخدماته الجليلة. إنه لبان دخل إلى النار.. نار الله المقدسة اشتعلت فيه واستسلم هو لها فتحول إلى محرقة بخور.

قدم للرب أيضًا مرًا، فقد قاسى الألم المرير يوم ظلمته الدولة, واجتاز معصرة الألم ظلمًا وحقدًا في قضية زائفة، وأترك للراحل أنطون سيدهم صاحب امتياز حريدة وطني ذكر الأحداث... نعم لقد أسدل قضاؤنا العادل على ستار هذه المأساة المؤلمة التي استمرت أربع سنوات وخمسة أشهر، قضى منها أغلب المتهمين سنة ونصف في غياهب السجن ومحاكمات طويلة، ومعاملة لا تتسم إلا بالشذوذ والعنف والإرهاب.
إن الطريقة التي تم بها القبض على هؤلاء المواطنين، والتشهير الفظيع بهم في الصحف والمجلات، والصور المخجلة التي نُشرت لهم في جميع وسائل الإعلام، والتفتيشات الإرهابية التي جَرت لمنازلهم ومكاتبهم، والمؤتمرات الصحفية التي امتلأت بالاتهامات والتشنيعات جعلت قلوبنا تُدمي من أجل أحباب وأخوة أعزاء.

لقد بلغ الحقد والامتهان لإنسانيتهم أن كانوا يقودون المتهمين في شوارع القاهرة من دار القضاء العالي حتى مقر النيابة مُكبلين بالأغلال لاستعراضهم في الشوارع أمام الجماهير!!، وعندما عاتبت أحد كبار المسئولين على هذه المعاملة القاسية، ضحك ضحكة صفراء واعدًا بالنظر في هذا الأمر.
حتى المصوغات والمجوهرات العائلية والموروثة من الآباء والأجداد اسُتوليَّ عليها واتُخذّت أداة للتشهير والتشنيع وخرجت صوّرها في الجرائد بتعليقات مُذرية.
ومن المؤسف أن خرجت الصحافة المصرية كلها وعلى رأسها "الأهرام" و"الأخبار" بأكبر حملة تشهير بالمتهمين الأبرياء يوميًا وعلى مدى شهور وأثناء المحاكمات، مما أساء إساءة بالغة بهؤلاء الأبرياء وبسمعتهم (انتهى).
ومرارته أيضًا تتمثل في غربته بعيدًا عن أهله وأحبائه وأصدقائه وأعماله وشركاته التي تأممت في عهد عبد الناصر, وترك كل ممتلكاته فنهشوها وسلبوها, وخرج خالي الوفاض من مصر غير نادمًا, ولكن الرب لا ينسى تعب المحبة فبارك في كل ما تمتد إليه يديه بالخير والبركات الوفيرة في سويسرا.. لم يفرغ كوز الزيت ولا كور الدقيق.

ومرارته تمثلت في مرضه الأخير الذي نهش جسده الضعيف والآلام التي أثقلت عليه واتعبته, ومع هذا لم ينسَ أبدًا قضية الأقباط لأنها قضيته هو شخصيًا... من يستطيع أن يكون مثله يعتبر قضية أحبائه قضيته الشخصية؟ طول يومه في صباحه ومسائه في نومه وفي يقظته في تعبه ومرضه وفي راحته وشفائه..
فلننظر يا أحبائي إلى نهاية سيرة هذا الرجل ونتمثل بإيمانه وأعماله، وسيقدم راحلنا الكريم عدلي أبادير أمام العرش الإلهي هداياه ذهبًا ولبانًا ومرًا في شخصه فطوباه... ونياحًا لك أيها الفارس النبيل واذكرنا وقضية الأقباط معك أمام رب الأرباب وملك الملوك.
لقد ذهب الذهب.. فابكوا على من ذهب.. ونعيش على ذكرى الفارس الذهب.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق