بقلم: منير بشاى
لمصر أن تفتخر أنها قد نجحت في تقليص دور الجماعات الإرهابية داخل مصر. فمنذ فترة طويلة لم نسمع عن عمليات إرهابية قامت بها هذه الجماعات ضد الدولة أو السواح الأجانب أو مسيحيي مصر.
ولكن في المقابل، لمصر أن تفتخر أو تخجل – طبقًا لقناعة من ينظر للموضوع- لأنها قد نجحت في تحويل عشرات الملايين من المواطنين المسلمين إلى إرهابيين ضد المسيحيين، جيرانهم في السكن، وزملائهم في العمل، وشركائهم في الوطن. أولئك المسلمون الذين كانوا يشاركونهم السراء والضراء، وكانوا يومًا الملاذ الذي يحتمى فيه المسيحيون عندما كانوا يتعرضون إلى اعتداءات من الجماعات الإرهابية، ولا أملك إلا أن أتساءل: هل حدثت مفاوضات مع هذه الجماعات أدت إلى نوع من المقايضة الرسمية أو غير الرسمية أنتجت هذا الوضع الحالي؟! هذا مجرد سؤال؟
اليوم عيد الميلاد المجيد، وبدلاً من الاحتفال بفرحة العيد، تأتينا الأخبار المحزنة التي حولت العيد إلى مأتم بالنسبة لكثير من أقباط مصر، لقد فتح ثلاثة رجال النار من مدافعهم الرشاشة، وهم يسيرون بسيارتهم، على المصلين المسيحيين الخارجين من صلاة عيد الميلاد بكنيسة مار يوحنا بنجع حمادي، أدت إلى مقتل سبعة على الأقل غير المصابين بجروح.
واليوم بالذات أحسست بألم لم أشعر به منذ زمن بعيد، لقد تقطعت أوصال قلبي صباح اليوم وأنا أستقبل مكالمة تليفونية تأتيني من صعيد مصر، لم يذكر لي الشاب المتصل اسمه بالكامل مغبة ما يمكن أن يحدث له لو عُرف من هو، كان يتكلم بصوت مرتعش وهو يردد: انقذونا...إنقذونا... قال لى إنهم عاجزون عن عمل أي شيء. وطالبني أن نعمل ما نستطيع لوقف الاعتداءات المتكررة ضدهم. وطبعًا لم أدعِ أننا هنا في المهجر نمتلك مصباح علاء الدين السحري، أو أنه بيدنا الحل السريع للمشكلة، وإلا كنا قد استعملناه منذ زمن بعيد. قلت له إننا معكم بكل قلوبنا وسنستمر في تأييدكم بكل ما نملك وأن نعلن مأساتكم على العالم الخارجي ونطالب الضمير العالمي بالتدخل. وسنستمر في مطالبة السلطات المصرية أن تضطلع بواجبها في حماية مواطنيها المسيحيين.
وصراحة لا أعلم إذا كان هناك إنسان داخل مصر أو خارجها يملك هذا الحل السريع بعد أن تركت السلطات المصرية الأمر يتفاقم بهذه الدرجة المريعة، بينما كان المسئولون يدفنون رؤوسهم في الرمال، متصورين أنه لا توجد مشكلة، أو مفضلين تأجيل الحلول الصعبة، والالتجاء إلى الحلول التجميلية السهلة، أو متغنين بالنسيج الواحد وتلاحم عنصرى الأمة مع الأحضان والقبلات. هذا بينما الداخل خراب ودمار وكراهية. ومازال السؤال يتردد:- متى يقف نزيف دماء الأقباط؟
- يبدأ وقف النزيف عندما تعترف الدولة أن هناك مشكلة كبيرة في يدها، وأنها إن لم تتحرك بسرعة، سيؤدى هذا إلى نتائج خطيرة لا تحمد عقباها.
- يبدأ وقف النزيف عندما تعترف الدولة أن دماء الأقباط ذات قيمة لا تقل عن دماء السواح الأجانب.
- يبدأ وقف النزيف عندما يقف رئيس الجمهورية ويعلن مسئوليته عن حماية المواطنين الأقباط، ويُعلن أنه جاد في الضرب بيد من حديد على من يُعتدى عليهم، ويُعطي الدليل على ذلك بتصحيح القوانين والممارسات الجائرة ضدهم ومعاملتهم بالمساواة.. سيادة الرئيس: إن صمتك في وجه ما يحدث يُمكن أن يُفسر على أنكَ إما راضٍ بما يحدث أو أنكَ لا تبالي بما يحدث أو أنكَ عاجز عن حماية مواطنيك.
- يبدأ وقف النزيف عندما نرى القضاء المصري يُعامل المعتدي المسلم على أرواح المسيحيين بنفس المعاملة التي يلقاها المعتدين على أرواح المسلمين.
- يبدأ وقف النزيف عندما نرى الإعلام المصري يحترم العقيدة المسيحية ولا يصفها بالكفر ولا يصف شركاء الوطن المسيحيين بالكفار.
- يبدأ وقف النزيف عندما يتوقف شحن المواطنين المسلمين في خطب الجمعة في الجوامع ضد المواطنين المسيحيين وحضهم على استعمال الجهاد المقدس ضدهم.
- يبدأ وقف النزيف عندما يتم تغيير مناهج التعليم ونزع ما يحض على الكراهية وبث قيم التسامح بين الطلاب، ويعلمهم ثقافة الاختلاف وكيفية التعامل مع المختلف في الرأي والعقيدة.
للأسف الوضع الحالي في مصر لا يبشر بالخير، والحاضر الأليم لا يُنبيء بمستقبل مشرق. فالمشوار أمامنا طويل قبل أن يتم معالجة مشاكل العنف الطائفي في المجتمع المصري.
هذا عندما نبدأ فعلاً المشوار، ولا أعلم إن هناك نية في البدء في العلاج في وقت قريب أم لا!!. وإلى أن يتم هذا، ستمضي مأساة وتأتي بعدها مأساة أخرى، وسنظل نتساءل:
- متى يقف نزيف دماء الأقباط؟
- متى يجف سيل دموعهم؟
- متى ينجلي الليل ومتى يطلع النهار؟
Mounir.bishay@sbcglobal.net |