CET 00:00:00 - 10/01/2010

مساحة رأي

بقلم: يوسف وهيب
انتظرونا المذبحة المقبلة.. حادث فردي

حادث فردي لن يؤثر على علاقات الشعبين الشقيقين، حين يتعرض المصريون في الخارج لحوادث اعتداء او قتل او انتهاك منظم ضد مجموعات منهم أو كما يقال عنصري الأمة في الأحداث الداخلية التي ترتكب تحديدًا ضد المسيحيين.

سأم ما بعده سأم من هذه الاسطوانة المشروخة التي يرددها بعض الكتاب والصحافيين وراء الداخلية وبعض المسئولين الحكوميين عقب كل حادث طائفى يكون ضحاياه ليسو مسلمين، ولعل أبشع جملة تتحامل على نفسيتك وعقليتك في سماعها بتقزز ونفور شديدين هي: "إحنا الاتنين عنصري الأمة ونحن أبناء وطن واحد"! تلك الجملة التي تحمل في طياتها كل عناصر الانقسام، ولطالما ظللنا نردد هذه الكلمات فنحن نؤكد على الفرقة والانقسام ونساهم في تمييع كل القضايا التي تخص المصريين من المسيحيين ولا يتم بحثها ولا محاولات حلها في إطار المواطنة، بل نتوهم أن كل شيء يمكن أن تنهيه المجالس العرفية للأسف، ونحن في القرن الواحد والعشرين نقتل القانون حتى لو كان أعرجًا ينقصه ضمير القاضي العادل خاصة في مثل هذه القضايا لصالح أفكار البداوة والقبلية التى لا تضع في اعتبارها حقوق الآخرين خاصة المختلفين في العقيدة، بالقدر الذي تنظر به إلى حقوق البعض الذي يتوقف على انتمائهم القبلي والديني.

مذبحة نجع حمادي الأخيرة تؤكد بما لا يدعو مجالاً للشك أن هناك تقصيرًا على كل المستويات يصل إلى درجة التواطؤ، وأول مظاهر هذا التقصير المشبوه تجلى في هذا الغياب الأمني المريب، وحتى لا يكون الكلام على إطلاقه نوجز الأسباب أو المقدمات التي تجعل الكثير من الأقباط بل كل صاحب بصر وبصيرة يدرك للوهلة الأولى وربما تصيبه الدهشة على الأقل من هذا التقصير الذي كما أسلفنا يصل إلى درجة التواطؤ، أول هذه الأسباب أنه كالمعتاد في الأعياد المسيحية وفي الظروف العادية جدًا يتم تكثيف الحراسة خاصة أمام وحول المطرانيات في عواصم المحافظات والمراكز، هذا في الأحوال التي يصفونها بالهدوء وعدم وجود ما يعكر ما يسمونه الوحدة الوطنية، أما ثاني الموجبات للتكثيف الأمني فهي أجواء الاحتقان التي سبقت الاحتفال بالعيد ببضعة أسابيع، حيث شهدت مراكز دشنا وفرشوط بذات المحافظة "قنا" في آخر أسبوعين من العام المنتهي 2009 حوادث عنف طائفي وصلت في بعض القرى إلى تهجير المسيحيين وإجلائهم عن بيوتهم ومحالهم التي تم نهبها لأسباب لا تمت للدين بأي صلة، حيث أشيع أن سبب هذه الاعتداءات اكتشاف علاقة غير شرعية بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة، لذلك كان من باب الاحتياطات على الأقل أن يتم تأمين المطرانية والشوارع المؤدية إليها، وثالث هذه الأسباب وهو أخطرها على الإطلاق ما اعلنه الأنبا كيرلس "مطران نجع حمادي" أنه أبلغ أمن الدولة برسائل الموبايل التي تحوي تهديدات بالاعتداء على المطرانية وقتله هو شخصيًا لرفضه الصلح المشروط في أحداث فرشوط، حيث تعنتت الأجهزة المعنية وشيوخ العرب في المجالس العرفية في استحقاق الأقباط المعتدى عليهم للتعويضات عن ممتلكاتهم التي تم نهبها وتدميرها، أليس هذا الأمر وحده كان كافيًا بتكثيف التواجد الأمني؟!

غير أن الدهشة لا تزال تشكل ملامح وجوه الأغلبية خاصة من ترديد البعض لهذه التبريرات الحكومية الساذجة أن المجزرة كانت امتدادًا للانتقام الثأري أو من توابع حادث فرشوط ودشنا، حيث الواقعة التي تم فيها خلط الدين بالجنس كما ذكرنا، ولمن يتحدثون بجهل ويكررون مرددين كالببغاوات أن الصعيدي لا يأخذ ثأره هكذا بالقتل العشوائي أو الجماعي، كما ألمح إلى ذلك الكاتب الصحفى "ابراهيم عيسى" في مقاله اليومي بجريدة الدستور يوم الجمعة الماضية 8 يناير تحت عنوان دال هو "أجراس الرصاص"، ووضع يده على كبد الحقيقة حين كتب "منذ متى يثأر الصعايدة بقتل عشوائي للناس؟ فأخذ الثأر يتم من الشخص القاتل أو من عائلته وليس بالقتل العشوائي"، واعتبر عيسى أن تقديم الجريمة كأنها جريمة ثأر إهانة لذكاء الأقباط واستهانة بمشاعرهم، و هذا فهم حقيقي لتركيبة الشخصية الصعيدية، حيث أنك لو كنت مطلوبًا في ثأر وذهبت مثلاً إلى قرية طالبي دمك لأداء واجب عزاء لا يتم قتلك للثأر منك إلا بعد أن تغادر حدود القرية وتصل إلى بلدك، فالصعيدى شهم وعاقل جدًا فيما يخص مسألة أخذه ثأره من أي إنسان، النقطة الأهم أنه لو كان مترصدًا لك ليأخذ بثأره في الظلام مثلاً فإنه يستوقفك وينادي عليك باسمك حتى لا يقتل شخصًا غريبًا أو من خارج عائلتك.

الأغرب أن الداخلية وحكومة التليفونيست نظيف لا تنظر مطلقًا إلى جرائم خطف القاصرات القبطيات وأسلمتهن بعد الاعتداء عليهن جنسيًا تحت دعوى العلاقات العاطفية مسألة أخلاقية أيضًا تستوجب الثأر أو حتى مجرد غضب الأقباط مثلما تحاول تكييف مجزرة نجع حمادي أنها بسبب العادات الصعيدية المتمثلة في الأخذ بالثأر لانتهاك عرض فتاة في علاقة بينها وبين شاب مسيحي.

أخيرًا إما أن للحكومة والداخلية وكتاب الجهل بالعادات والتقاليد أن يدركوا أن الانحراف والجنس لا دين لأي منهما! وكأن عشرات الوقائع من الانحرافات المتنوعة التي تحدث يوميًا ويكون طرفاها مسيحيين أو مسلمين لا تستحق الثأر العشوائي هكذا، ولكن حين يتصادف أن يكون طرف فيها مختلف الديانة تقوم الدنيا ولا تقعد!
ويبرر أشاوس الجهل أي مذبحة بانها أخذًا بالثار.. أما حل مشاكل الأقباط ورد ما يقع عليهم من اعتداءات فلنتركها للمجالس القبلية، ولا عزاء للقانون، ولا لحقوق المواطنة، والغريب أننا نرى وزراء خارجية كوزير خارجية إيطاليا يصدر بيانًا يدين فيه مجزرة نجع حمادي ولم نسمع من مسئول حكومي واحد أي كلمة اللهم إلا هذه الاسطوانة المشروخة على لسان أحمد نظيف "إننا شعب واحد وإحنا عنصري الأمة" اللذان لن يلتقيا أبدًا طالما استمرأنا تكرار أمثلة هذا الكلام الإنشائي الذي يزيد الاحتقان ولا يعالج شيئًا أو يداوي جرحًا..
وانتظرونا بعد الفاصل العرفي والتواطؤ الحكومي اللذين يمهدان للمذبحة المقبلة، انتظرونا وصفقوا كثيرًا حين يذكر البابا أسماء المسئولين والوزراء الذين جاءوا للتهنئة بالعيد وبالمذبحة أيضًا، ولا تنسوا الاستمرار في تشجيع حكومة الحزب الوطني التي تدعي أن مصر دولة مدنية وهي دولة إخوانية حتى النخاع حتى لو تظاهرت بعداء الإخوان سياسيًا.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق

الكاتب

يوسف وهيب

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

بعد الفاصل العرفي وتدليس الأمن والصحافة

جديد الموقع