بقلم: إسحاق صبحي
السنة باينة من أولها، ومن بواخة 2009 وغلاسة 2010، القديمة انتهت بخبر حزين والجديدة بدأت بفاجعة.
لا أعرف ماذا يمكن أن اأتب عن شخص بحجم عدلي أبادير.
هل اقول رحل مهندس النضال القبطي على مستوى العالم؟
هل أنعى رحيل زعماء المهجر؟
هل أقول رحل رجل عظيم في زمن الأردياء؟
هل نعدد صور ولمحات رائعة من كفاح الرجل؟
لا... لن أفعل، فالمشكلة أن الرجل ببساطة شديدة كان أكبر حقًا من كل هذه الكلمات المدبجة وقصائد المديح.
لطالما بحث أبادير عن المتاعب وجلب لنفسه أصنافًا وألوانًا عديدة من وجع الدماغ، إخلاصه لقضية مواطنيه الأسرى وتفانيه في إيصال صوتهم المتألم الحبيس إلى العالم الحر، كل هذا لم يجعله يهنأ بيوم راحة حتى في أيام الشيخوخة حيث الراحة ليست ترفًا ولا رفاهية.
بعض الأحيان أجدني أسأل نفسي، تُرى ماذا لو أُتيحت لي فرصة الحياة في سويسرا، ماذا لو أصبت من الثروة مليونًا أو اثنين؟ تُرى هل كنت لأكرس كل هذا من أجل الدفاع عن المسيحيين المصريين؟
أصارحكم يا أعزائي، واسمحوا لي أن أكون صادقًا قليلاً مع النفس ومعكم أيضًا، فإن الإجابة في الغالب هي "لا" من دون شك.
حقًا، فكيف أقاوم إغراء التمتع بحياة رغدة هادئة أشعر معها بالرضا عما حققته، كيف كنت سأحرم نفسي من التنقل بين بلدان أوروبا الجميلة، أسبوع في باريس ثم أسبوع في ريف ألمانيا الرائع يومين في جبال الألب ثم رحلة صيد في الغابات الاسكندنافية تليها جولة نهرية في حوض الدانوب أو الراين.
سحقًا لي لو فكرت لحظة واحدة في مسيرات ومظاهرات ومؤتمرات مرهقة ومتعبة في زيورخ وواشنطن وشيكاغو، وتحضيرات ووجع قلب ومصاريف بالملايين وتعب أعصاب.
لماذا التضحيات وتعريض النفس للشتيمة والبهدلة وطولة لسان السفلة ولمامة الشوارع اللذين تذخر بهم جميع أركان الحياة السياسية المصرية وصحافة مصر وإعلام مصر لسوء حظ هذا الوطن المنكوب؟
لماذا إنكار الذات وبذل الغالي والثمين من أجل قضية فرص نجاحها تبدو شبه معدومة؟
رحل أبادير.... نعم رحل دون حتى أن يحقق شهرة أو صيت كان هو الأجدر بهما.
هل تصدقوا أن رجلاً بهذا التفاني والعطاء لا توجد صفحة عنه في موسوعة مثل ويكيبيديا؟ لقد وجدت صعوبة حتى في البحث عن تاريخ ميلاد راحلنا الكبير.
أرجو من أحباءه سرعة تصحيح هذا الخطأ الجسيم بإنشاء صفحة فورًا تتضمن كل المعلومات المتاحة عن هذا الرجل، من أجل أن يُتاح للأجيال القادمة الإطلاع على صفحة من النضال النزيه والأمين والمستمر حتى النهاية.
لكن ومع كل هذا فلعل القدر كان رحيمًا بك يا سيدي.
نعم فقد شاءت السماء أن ترحل قبل أن تسمع خبر فاجعة بشعة مؤلمة لأقصى الحدود.
رحلت قبل أن ترى يد الغدر تحصد الأبرياء وتغتال شهداء نجع حمادي لترمل وتثكل وتيتم وتقتل فرحة العيد.
شاء السيد الرب ألا يضيف لآلامك ألمًا وفوق أوجاعك حزنًا، فلم يكن ضروريًا وأنت على وشك الإنتقال لأمجاد السماء أن يُعاد تذكيرك بمذابح ومآسى أبو قرقاص والكشح والزاوية الحمراء وغيرها.
ولعلك يا سيدى قبل أن تذهب قد رأيت وطالعت بوادر تفكك وتشقق جماعة الغربان وحزب الخراب، الأب الشرعي لكل هذا البلاء، عصابة الإجرام الذي بات سقوطها مسألة وقت لا أكثر، فالتاريخ على وشك أن يتقيأ جماعة الإجرام وأن يزيل عن جبينه وصمة عار كللت جبهته قرابة القرن من الزمان ليبصر المستقيمون والشرفاء من أمثالك ذلك فيفرحون. |