CET 00:00:00 - 01/04/2009

مساحة رأي

بقلم - مجدي ملاك
ما حدث وشاهدناه جميعاً في اجتماع القمة الأخير يُعبّر بما لا يدع مجال للشك أننا أمام ثقافة عربية أصيلة لها العديد من الصفات تمثل قمة الغياب لمفاهيم إنسانية في التعامل البشري من احترام الآخر وإعطاء الفرصة للاختلاف دون أن يؤثر هذا على علاقات الدول، أن لا يستخدم كل شخص التجريح في الآخر كوسيلة للتقليل من شأنه أمام المجموع ولكن هذه عادات عربية أصيلة، فكما تعود الدكتور في الجامعة على اعتبار نفسه المنزل من السماء الذي يجب أن يسمع الكل له، وله كل الحق في السخرية من الطلبة وكما يعطي الوزير الحق لنفسه للسخرية من الآخرين لأنه في المنصب الأعلى ويشعر بأن الآخرين هم في المستوى الأدنى من الثقافة والتعليم وحتى من الإنسانية الواجبة الاحترام في كل الأحوال.

هكذا هو المشهد العربي مزيد من إظهار القدرة على احتقار الآخر ونبذه فالكل هو الملهم والإمام كما قال العقيد القذافي في كلمته في القمة العربية التي تعقد بقطر في الفترة الحالية، فما عَبّر عنه الزعيم القذافي لم يكن وليد كلمة أو موقف أو حدث يشهده العالم العربي ولكنه نابع في الأساس من ثقافة عربية متأصلة بالسخرية من الآخر والرغبة الحميمة في تولي الزعامة.
فالعقل العربي مازال يسيطر عليه نظرية الحاكم الملهم وهو ما دعا القذافي أن يستدعى نظرية إمام المسلمين في كلمته، فالنظرية لم تكن إلقاء كلمة بقدر ما هي رغبة في استدعاء ثقافة الانتقام التي اختزنها الرئيس القذافي منذ قمة عام 2003 عندما قامت السعودية في هذه القمة بالتهجم على القذافي وقالت أنه جاء عن طريق الاستعمار، وهو ما قاله القذافي وفنده بعد مرور أكثر من خمسة سنوات على ذلك الموقف ليرد بنفس المنطق الذي استخدمته السعودية.

والسؤال الذي يراودنا في هذه اللحظة إذا كان الرؤساء الذين يحكمون البلاد بهذا التدني من المستوى في التعامل مع بعضهم البعض فماذا يكون الحال في التعامل بين هؤلاء الرؤساء وشعوبهم؟!!
اعتقد أن الإجابة تفسرها الكثير من الانتهاكات التي نراها على مستوى الشعوب العربية بدون استثناء واحد كما يؤكدها مستوى التقدم في تلك الدول والمقصود هنا بالطبع ليس التقدم الاقتصادي أو الثروة ولكن التقدم هنا يقصد به مستوى التنمية البشرية في تلك الدول من تعليم وثقافة وحقوق للمرأة وغيرها من المقاييس التي اعتمدتها الأمم المتحدة لقياس تقدم الشعوب بمجموعة من المعايير تحتل الثروة فيها الجزء الأقل في حساب ذلك التقدم، ولعل هذا ربما يزيد من نظرتنا التشاؤمية لواقع العالم العربي المستقبلي الذي وبلا شك تحيط به الغيوم وعدم القدرة على التوقع بما سيكون عليه الحال في الفترة القادمة، ذلك لأن جميع المؤشرات سلبية ولا تصلح لأي توقع به قدر من التفاؤل. 

القذافي لم يعبر عن الدولة الليبية في كلمته أثناء القمة ولكنه عبر عن أزمة العالم العربي التي نعيش فيها وهي أزمة نتاج سنوات تغييب العقل واعتبار الزعماء ملهمين من الله يجب إطاعتهم تحت أي ظرف وهي نظرية ضيقة وغير صحيحة فلا يمكن أن نعتبر البشير الذي قتل مليون وشرد ضعف هذا العدد أنه جاء بموافقة من الله وإلا اعتبرنا الله شخص دموي وقاتل ويعشق سفك الدماء وحاشا لله أن يكون هكذا!! ولا يمكن أن نعتبر العاهل السعودي الذي يعتبر المرأة عورة وتصدر فتاوى في دولته بضرورة إعادة المرأة مرة أخرى إلى المنزل أنه شخص تقدمي أو حليف للثقافة العالمية، ولا نقبل أن يكون الرئيس المصري ديمقراطي طالما لم نصل لتداول السلطة الحقيقي الذي يسمح بالتنافس الشريف بين مختلف الأحزاب ليبقى الأفضل والقادر على تغيير مصر تغيير حقيقي يشعر به المواطن والعالم، لذا الحل الأمثل من وجهة نظري الذي يجب أن تكون منه بداية التغيير الحقيقية هو في القدرة على مواجهة هؤلاء الرؤساء العرب المغيبين عن واقعهم ولا يمثلون أي ثقافة تذكر داخل مجتمعات هي أحوج فيه للثقافة التقدمية وليس لثقافة الأمام.

وعلى المجتمع المدني والشعوب داخل تلك الدول أن تبدأ في التحرك من الآن نحو إعمال تغيير حقيقي بعيداً عن ثقافة الإمام لأن إذا كانت ثقافة الإمام قد أوصلتنا لهذه المرحلة من التخلف في مختلف المجالات، فإن عدم مقاومة تلك الثقافة في الفترة القادمة سوف يمثل الأسوأ على كافة الأصعدة وسوف يعني أننا لا نريد التغيير لأنفسنا ونصر أن يقودنا الإمام نحو المجهول.
 
  
 
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق