CET 00:00:00 - 12/01/2010

مساحة رأي

بقلم: صبري الباجا
بدت تصريحات وتلميحات د. البرادعي حول احتمال ترشيحه لانتخابات الرئاسة القادمة بمثابة إضاءة شمعة أنارت الطريق المظلم ونحت جانبًا شبح التوريث المفروض كبديل أوحد  والمدمر لمستقبل مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وسرعان ما سرى شعاع الضوء ليكشف، وبوضوح عن مصر الثرية بشخصيات أبنائها من ذوي القامات الرفيعة والمكانات المرموقة عالميًا ومحليًا، وليكشف، وبوضوح أشد، حالة التقزم السياسي للمنفردين بتمثيل أدوار البطولة على المسرح السياسي في مصر، وجوقة المرددين لاسطوانة التوريث المشروخة بأن البديل الوحيد المؤهل لحكم مصر هو جمال مبارك (النجل الأصغر للسيد الرئيس)، المحمي بترسانة قانونية ودستورية معيبة، تمنع وتعوق أية منافسة عادلة ونزيهة من مجرد محاولة المشاركة الحقيقية وليست الصورية؟!!.
وعندما أعلن البرادعي عن  ضرورة إزالة كافة القيود والقوانيين المعيبة التي تقف عائقا أمام، أي مصري يرغب في  خوض انتخابات الرئاسة، سارع رموز النظام بتسمية ذلك المطلب، الذي وجد استجابة واسعة من قطاعات عريضة من المصريين داخل وخارج مصر، بـ (الشروط) التي يفرضها البرادعي على  الدولة، متسائلين بخباثة هي أقرب للبلاهة: وهل من مرشح في أمريكا  يطلب تعديل الدستور كشرط لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية؟!!! وكما لوكان الدستور المصري وتعديلاته المعيبة، وخاصة المادة (76) المادة الفضيحة، قد تم إعداده بمستوى الديموقراطية الأمريكية، ومن العجب أن يصدر ذلك عن أستاذ للعلوم السياسية.
 وفي نفس السياق، يُزايد أستاذ متخصص في القانون ومن أجل الإبقاء على الأوضاع السائدة مرددًا، في صفاقةـ: من يُريد أن يخوض انتخابات الرئاسة فليتقدم وفقـا لقواعد اللعبة السائدة. يُضاف لذلك وصلات البذائة والأكاذيب التي  أداها رؤساء وكتاب الصحف القومية بكفاءة تفوق آداء سيدات الحواري والأزقة في هبوطها، وبقدر وافٍ من التوافق والتناغم الشديد مع ما تكتبه الصحافة الإسرائيلية، وإن كانت صحفنا القومية قد مارست قدرًا من التدني والإسفاف أكبر بكثير مما صدر في صحف إسرائيل!!.
 ولعل أحد كشوفات الشمعة التي أضائها البرادعي هو المظهر الفاضح  للمستوى الفكري لرموز النظام المتصدرة خشبة المسرح السياسي، وتبين أي مستوي هابط انحدر إليه كُتاب يتقاضون ملايين الجنيهات من عرق الشعب وكده لتكون كتاباتهم موجهة لإرضاء قاريء وحيد هو الذي بيده أمر بقائهم أو عزلهم!!
وعندما يرفض الرجل خوض انتخابات الرئاسة من خلال أي حزب سياسي معين، فذلك يرجع إلى قناعته التامة بغياب الإطار الدستوري الشرعي الذي يُتيح لأي مصري الترشيح لهذا المنصب، مشيرًا إلى أنه سيخوض المنافسة مستقلاً إذا توافرت الضوابط والإجراءات الكفيلة بذلك.
 هذا بجانب كون عملية ترشيحه على حزب معين لن تضيف  شيئًا إلى مكانته واحترامه، وإنما على العكس ستضفي عليه ظلال حزبية ضيقة، وتحمل الرجل أوزارًا حزبية لم يكن يومًا طرفًا مشاركًا فيها، وفي أقل الأحوال ستظهره بمظهر المتبني لأجندة الحزب الضيقة، بينما مجيئه كمستقل وعلى أجندة وطنية أوسع  هو الأفضل له، وحسنا فعل الرجل حين حسم الأمر.
  
تهـاوي خطوط النظام الدفاعية
في مواجهة رفض د. البرادعي خوض الانتخابات من خلال أي حزب  سياسي، ومطالبته بإزالة العوائق المصطنعة التي تحول بين أي مصري والوصول من خلال انتخابات حرة ونزيهة إلى المنصب الرفيع، وبعد تحطم خطوط دفاع النظام الأولية والتي تمثلت في الهجوم الشخصي على شخص البرادعي، والتي أدت لزيادة شعبيته، سارع البعض إلى تفسير الأمر على أنه نوع من الاعتذار الدبلوماسي الموجه للقوى الشعبية والأحزاب التي طالبته بالتقدم للترشيح لانتخابات الرئاسة 2011، والهدف الواضح هو التشكيك للحد من تراكم الزخم، وتشتيته إن أمكن  كخط دفاع ثانٍ للنظام ضمن منظومته الدفاعية، بعد انهيار خط دفاعه "حملة السباب والأكاذيب ضد الرجل".
وفي محاولة أخرى لوقف تقدم د. البرادعي والتأييد الشعبي الذي التف حوله،  سارعت مجموعة أخرى لمطالبته، من باب إدعاء الحرص عليه وعلى سمعته، أن  يبقى محتفظًا بهالته التي اكتسبها من منصبه الرفيع كمدير لوكالة الطاقة النووية ولا يخسرها في سوق الانتخابات الرئاسية المحلية!!، ودعاة الحرص عليه هذه المرة يمثلون خط دفاع ثالث من خطوط الدفاع عن النظام، وإن كان الشكل والأسلوب يـبدو أكثر رقـة، وإن لم يخلُ من السوقيـة عندما طالبه أحد الكُتاب بالبقاء في "وكالة الطاقة النووية"  بدلاً من الذهاب إلى "وكالـة البــلح"  قاصدًا (انتخابات الرئاسة المصرية)..
خطوات عملية فاعلة:
لكن مما يدفع بالأمل قدمًا، ويهدم كل خطوط النظام الدفاعية والساعية إلى تهبيط الهمم، أن أغلب ردود الفعل الصادرة عن بعض الأحزاب وذوي الفكر من المثقفين والنشطاء السياسين كانت مؤيدة لبرامج البرادعي لتحقيق ما يُطالب به، وأن أفكارًا ناضجة لم تتوقف عند مجرد التأييد شأنها شأن غالبية القوى المطالبة بالتغيير، وإنما قدمت مقترحات عملية منها على سبيل المثال: أن يبدأ البرادعي من الآن، إذا كان جادًا، في اختيار أركان حملته الانتخابية وكوادر مشروعه السياسى فيدخل إلى الحلبة بمجموعة أفراد يحظون بالقبول الاجتماعي والسياسي، ولدىكل منهم روابط طبقية ومهنية ونفوذ، ولابد من وجود النقابيين في الحملة، خاصة النقابات الرئيسية وهي نقابات الصحفيين والمهندسين والمحامين والأطباء.. ثم النقابات العمالية والاتحادات الطلابية والسعي لإنشاء نقابة أو اتحاد للفلاحين لتحريك الريف في اتجاه التأييد.
كما أن آراء ومقترحات ذكية أخرى ترى أن انتخابات عام 2010 البرلمانية هي الممهدة لانتخابات الرئاسة في العام التالي، وأن الحزب الوطني بدأ التحضير لها، بينما يتخبط المطالبون بالتغيير، ويشجبون، ويدينون دون خطة عمل فعالة، وبما أن تعديل الدستور لن يتحقق دون ضغط شعبي قوي، ودون موافقة أغلبية مجلس الشعب، فإن المطلوب هو منافسة الحزب الوطني في هذه الانتخابات البرلمانية الوشيكة منافسة جادة وموحدة، وهو ما نراه صحيحًا وقد سبق أن اقترحناه من قبل في سلسلة مقالات تحت عنوان "سيناريوهات المستقبل السياسي لمصر"  وقد يكون من المناسب إعادة عرض ما يخص هذه الجزئية مرة ثانية:
حول الانتخابات البرلمانية المصرية القادمة (2010 ):
مما لاشك فيه أن مستقبل التطور السياسي في مصر متوقف على نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة في 2010.
  ومن المتوقع ألا تخرج نتائج الانتخابات عن آحد الاحتماليين التاليين:
الاحتمال الأول:
فوز الحزب الوطني الحاكم باغلبية مطلقة وفي هذه الحالة ليس بخافٍ النتائج المتربة على ذلك:
* سيتم الاستمرار في نفس السياسات مع استمرار مبارك الأب على رأس النظام، أو نقل السلطة بـ "التوريث" لمبارك النجل، وكل ما سيُضاف هو المزيد من الإجراءات القمعية، والمزيد من معاناة المواطنين خاصة مع انعكاسات الأزمة العالمية على الاقتصاد المصري وعدم تبني النظام لأية حلول جذرية أو جادة لحل المشكلات المتراكمة.
  وتشيرالأحداث الجارية إلى استماتة النظام لتحقيق ذلك بعدة أساليب منها:

* إعادة تشكيل قوائم الناخبين في الدوائر الانتخابية بشكل يمكنه من تحقيق أهدافه.
* استمالة بعض الأحزاب الورقية والتحالف معها ووعدها ببعض المقاعد البرلمانية في المجلس القادم، مقابل عدم انضمامها لجبهة المعارضة.
* السعي لتخريب الأحزاب التي يمكن أن تلعب دورًا، ولو محدودًا، في الانتخابات القادمة عن طريق إثارة الخلافات، والنزاعات من داخلها أو التضييق على أنشطتها الجماهيرية.
* الضرب بعنف لكل القوى النشطة سياسيًا، ومحاربتها إعلاميًا، وملاحقتها بقوانين استثنائية كما في حالات جماعة الإخـوان المسلمين وجماعة "شباب 6 إبريل" وقـادة وكوادرالحركة العمالية.
* عسكرة المحافظات والمحليات بقيادات بوليسية ، والتمسك بها رغمًا عن سوء أدائها، لضمان عمليات تزوير لصالح الحزب الوطني خاصة في بعض المحافظات ذات الاتجاهات المناوئة للنظام.            
* البدء في تأهيل بعض الوجوه الجديدة في الحزب الوطني، خاصة الموالين للجنة السياسات لترشيحهم كبدلاء لبعض الوجـوه وقيادت الحزب المستهلكة والمكروهة جماهيريًا، كنوع من تجميل وجه الحزب الوطني تحت شعار "فكر جديد" أو الشعار المستحدث "من أجلك أنتَ".
* ومؤخرًا الحملة الشرسة التي قادها رموز النظام وصحافته ضد د.البرادعي وضد أي مظهر شعبي مؤيد له، وآخرها تصرف النظام في مواجهة التوكيلات  الرسمية.
 
الاحتمال الثاني:
 حصول أحزاب المعارضة والمستقلين على أغلبية نسبية، أو أغلبية عددية تستطيع بها أن تحرم الحزب الوطني من الأغلبية المطلقة والانفراد بحكم مصر ومستقبلها السياسي، ولن يكون تحقيق هذا الأمر سهلاً، مع نظام متشبث بالحكم والاستئثار به ولو أدى إلى  خراب البلاد ودمارها، لكن في ذات الوقت ليس هو بالأمر المستحيل تحقيقه، وإذا ما تحقق ذلك يكون في مقدور المجلس الجديد  إلغاء القوانين المقيدة لحرية الترشيح، وتشكيل حكومة انتقالية تجري الانتخابات بحيادية ونزاهة، وإنهاء العمل بقانون الطواريء، وسيكون الوقت متاحًا لإجراء بعض التعديلات الدستورية العاجلة قبل الانتخابات الرئاسية التي ستتم بعد قرابة العام من تشكيل المجلس النيابي الجديد.
ويقتضي ذلك من القوى المطالبة بالتغيير التنسيق مع كافة الأطياف السياسية المتوافقة مع الأجندة  الوطنية، والاتفاق على خوض الانتخابات البرلمانية القادمة بقائمة موحدة في مواجهة قائمة الحزب الوطني، واستغلال فرصة الحراك السياسي غير المسبوق بعد مبادرة د. البرادعي، وتم حماية مطلبها (بانتخابات نزيهة) بمظلة رقابة وإشراف دولي للانتخابات، وحراستها بوعي جماهيري ودعم من منظمات وجمعيات المجتمع المدني، يمكن حصد أغلبية مقاعد برلمانية لصالح قوي التغير خاصة في:
* محافظات شبه مغلقة في وجه الحزب الوطني كمحافظة بور سعيد وغيرها.
* محافظات بها أغلبيات مهمشة كما في محافظة أسوان (المسيحيون والنوبيون) يمكن استقطابها للأجندة الوطنية والتي فيها الخلاص لمعاناتهم.
* محافظات بدأت في تكوين جبهة معارضة للحزب الوطني (من أعضاء بمجلس الشعب الحالي ونشطاء سياسيين) كما في تجمع (جبهة العمل الوطني) بمحافظتي قنا والأقصر بجنوب مصر.
   التعاون مع تجمعات يمكن الحصول على تأيدها وأصواتها مثل تجمع أصحاب المعاشات، وجماعات "6 ابريل" و"صوتي مطلبي"، بجانب جماعات "لا لبيع مصر" والشفافية والنقابات الحرة الأخذة في التشكيل (نقابة الضرائب العقارية)  ومراكز حقوق الإنسان، والجمعيات الخيرية وذات النفع العام.
 
اقتراحات أخري

ولقد أضافت التعليقات التي أبداها القراء على مقالات السادة الكتاب خاصة في صحف الشروق والمصري اليوم، أفكارًا جيدة منها أن على البرادعي وغيره ممن يطالبون بالتغيير، ويقدمون أنفسهم رموزًا أو قادة، ألا يكتفوا بالمطالبة، ولكن عليهم أن يضعوا الخطط، وأساليب التحرك، وأن أولى الواجبات «الحركية» عليهم جميعًا هي خوض انتخابات مجلس الشعب المقبلة، إما من خلال حزب الجبهة الوطنية، أو كمستقلين، وذهبت بعض الاقتراحات إلى أن على البرادعي أن يرشح نفسه فيها، متوقعين فوزه فيها نظرًا للتأييد الشعبي الكبير الذي حظى به استعداده للترشح للرئاسة معها، كما اقترحت بعض الآراء أن تنطلق حملات من المثقفين وسائر قيادات النخبة لحفز أكبر عدد من المستقلين والمعارضة الحزبية على الترشح، ودعمهم للفوز بمقاعد برلمانية لتغيير موازين القوى داخل مجلس الشعب، كوسيلة يمكن معها تعديل مواد الدستور إذا حصل هؤلاء المرشحون (مستقلون ومعارضون) على الأغلبية.
ويبقى لشباب المدونين ومستخدمي شبكة الإنترنت في مصر دور هام وحيوي في حركة التغيير، وقد فعلها هنا في الولايات المتحدة الشباب الأمريكي، وبشكل حسم الأمر في النهاية لصالح "أوباما".
وقد تضمنت الأفكار أهمية مشاركة المصريين بالخارج بالتصويت في الانتخابات القادمة، وخصت المصريين بالولايات المتحدة بأهمية الدور الذي يمكنهم القيام به، وهو العمل على تحييد الإدارة الأمريكية ومنعها من التحالف مع النظام المصري أو دعم استمراره كنوع من المكافأة لامتثاله بالقيام بتنفيذ الأجندة الأمريكية في المنطقة، وهو دور هام ومطلوب بشدة من المصريين بالولايات المتحدة القيام به من خلال تجمعاتهم والجمعيات والمنظمات التي ينتمون إليها، وفي ظني أنهم قادرون على ذلك.

كاليفورنيا / الولايات المتحدة
s.elbaga@yahoo.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق