CET 09:38:31 - 12/01/2010

مساحة رأي

بقلم: محمد عبد الفتاح السروري
كالعادة.. استشاط السيد حسن نصر الله غضبًا من مصر لا لشيء غير أنها مارست حقها الطبيعي في تأمين حدودها وشرعت في إقامة جدار على طول الحدود مع قطاع غزة، ويا ليت الأمر توقف عند السيد حسن نصر فقط بل إن هذا الإستنكار امتد أيضًا إلى بعض المصريين ومنهم على سبيل المثال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي الذي استنكر بدوره هذا الإجراء.
وهنا يبرز سؤال بديهي.. ما هي الجريمة التى ارتكبتها مصر عندما شرعت في مثل هذا الإجراء؟ والسؤال الأولى بالطرح لماذا الآن؟
الجريمة التي ارتكبتها مصر من وجهه نظر المستنكرين لبناء الجدار أن مصر بهذا الإجراء تساعد في خنق القطاع أكثر مما هو مخنوق بالفعل، وأنه لا يجوز لا إسلاميًا ولا عربيًا أن تبني مصر مثل هذا الجدار.. ولنا على هذه الحجة الاولى رد...

لا يتصور بحال من الأحوال أن تقوم مصر بإجراء يكون من شأنه التضييق على قطاع غزة ولا على سكانه البائسين، ولكن المشكلة تكمن أساسًا كما هو معروف في عمليات التهريب التي تجرى من خلال قطاع غزة إلى الحدود المصرية في هذه المنطقة الملتهبة، وهي العمليات التي طالما أذاقت مصر المرار. فأين هي الدولة التي تسمح أن تكون حدودها مستباحة بهذا الشكل وكيف يتصور أن تقف الأجهزة الأمنية والقيادة السياسية في بلد ما مكتوفة الأيدى أمام عمليات تهريب أسلحة من خلال أراضيها؟ الأنفاق المقامة على الحدود المصرية الغزاوية تشكل خطرًا بديهيًا على الأمن القومي المصري، ولا شك في ذلك ولا يجادل في هذا الأمر إلا كل مكابر يرضيه هتاف الجماهير وإرضاء العامة على حساب أي شيء حتى لو كان هذا الشيء هو أمن بلده القومي.. هذا غير حالات الاستباحة الحدودية التي يمارسها سكان قطاع غزة كلما ضاقت بهم سبل العيش في أرضهم، ولا تزال الذاكرة تعي وتتذكر ما حدث من الأخوة الفلسطنيين عندما عبروا جموعًا وفرادى عبر الحدود إلى الأراضي المصرية، وكان الأولى أن يكون اتجهاهم إلى الناحية الأخرى من الحدود المشتركة مع دولة إسرائيل لأن إسرائيل هي التي تحتل أرضهم وهي السبب الرئيسي فيما هم فيه من ضنك وليست مصر، بل على العكس إن الدولة المصرية تتحمل جزء من تبعات هذه المعاناة بحكم الحدود المشتركة، ولكن هذا ليس معناه أن تصبح الحدود السيادية أمرًا مستباحًا لمن يشاء..
شيء غير مفهوم.. لماذا لم يهجم الفلسطنيون على الحدود الإسرائيلية بدلاً من اندفاعهم غير المنظم إلى الحدود المصرية؟

لم تنكر القيادة في السلطة الفلسطينية متمثلة في الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولا أيًا من قيادات حركة حماس وجود الأنفاق على الحدود المصرية، ولم ينكر أحد وجود عمليات التهريب التي تُمارس بالفعل، أي أن الأمر حقيقي وواقعي وليس متخيل أو متوقع، ومع هذا لا يزال الاستنكار مستمرًا.. فسبحان مدبر العقول؟
ونعود مرة أخرى الى السيد حسن نصر، هذا الرجل الذي يجد سعادة بالغة في الهجوم على مصر.. لماذا يغضب السيد حسن نصر الله من شروع مصر في بناء هذا الجدار؟ هل سيمنع هذا الجدار وصول الأسلحة إليه؟ على حد علمي المتواضع الإجابة بالنفي، فالسيد حسن نصر الله لا يمارس مهامه النضالية بأسلحة مهربة من مصر ولكن يمارسه بأسلحة مدعومة من إيران العظمى كما هو معروف.
سؤال آخر.. لماذا لا يركز السيد نصر الله في محاولة تحرير بلاده من الإحتلال الإسرائيلي؟ ألا تحتل إسرائيل الجنوب اللبناني حتى هذه اللحظة؟ ألم تكن صواريخ السيد نصر الله السبب التي جعلت إسرائيل تشن حربها البربرية والهمجية على قطاع غزة وهو القطاع الذي يتباكى عليه الآن السيد نصر الله؟ لماذا لا يناضل في مزارع شبعا المحتلة؟ ولماذا لايحاول أن يحرر الجولان الأسير منذ عقود قد يقترب عددها من سنين عمره؟ المؤسف أن نوعية الخطاب الذي يمارسه السيد حسن نصر الله يجد له صدى في الداخل المصري نظرًا لما يحتويه من مضمون عنتري يرضي مشاعر عوام الناس الذين يفكرون بقلوبهم وليس بعقولهم،

لو أعمل الذين يتبنون خطاب حسن نصر الله عقولهم قليلاً فيما يقول لتنبهوا إلى أن هذا النوع من الخطاب لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج واقعية حقيقية يمكن بعدها إتخاذ إجراء يصب في مصلحة القضية الفلسطينية.
لقد أحسن المتحدث الرسمى بإسم الخارجية المصرية السيد حسام زكي حينما قال أنه أصبح يشعر بالملل من جراء تكرار مقولة تخلي مصر عن الفلسطينين وأن مصر تفرط في حقوق الشعب الفلسطيني وذلك على الرغم من أن الشاهد للعيان يؤكد عكس ذلك تمامًا.
ونأتي لنقطة أخرى وهي الشبهة التي أثارها فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى من خلال برنامج الشريعة والحياة حينما تحدث عن ما يمكن أن يساعد في خنق الشعب الفلسطيني، ويصب معه في هذه الحجة أيضًا أحد مشايخ قناة الناس الذي استنكر هو الآخر بناء الجدار قائلاً ما معناه أنه لا يجوز بناء مثل هذه الجدار بين حدود الدول الإسلامية لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة.. وهنا لا بد لنا من وقفة ونقطة نظام...

تكمن المشكلة عند التحاور مع أساطين العقليات السلفية في أنهم يرفضون تمامًا أطروحات الواقع وييعيشون في عالم ماضوى متخيل في أذهانهم أو على الأقل يحاولون العودة إليه.. لا توجد مشكلة طالما أن هذا المبدأ لا يتعدى الحدود الشخصية (رغم انه توجد مشكلة بالفعل ولكن الحجة هنا على سبيل بيان الرد)، أما إذا تعدت هذه الرؤية إلى ما هو أوسع في الحياة والواقع فلسوف تكون هناك مشكلة بالفعل، وما حجتهم في هذا المقام إلا دليل على ما نقول بمعنى أن مفهوم الأمة الإسلامية لا يمكن أن يتجاوز الواقع ومقتضاياته ولا العصر ومتطلباته؟ فمسألة تحديد الحدود وتنظيم حركة المتنقلين من قطر إلى آخر لا علاقه له من قريب أو من بعيد بمصطلح الأمة الإسلامية ومفهومه في مخيلة بعض مشايخنا الأجلاء الذين هم بالفعل معزولون عن الواقع وعازلين معهم من يستمعون إليهم.. مسألة تأمين الحدود مسألة بديهية وموضوع ترسيمها ليس فعل إستعمار ولكنه إجراء تنظيمي، والحديث في هذا الموضوع حديث لا معنى له لأننا نتحدث عن أمر اتُفق عليه واستقر منذ أمد بعيد حتى صار من المسلمات البديهية، إلا إذا أصر هؤلاء المشايخ ومن ينحو نحوهم على إعادة إختراع الدراجة كما يقول المثل الشهير والذي معناه يغني عن الإطالة.

المفارقة أنه كان من المفترض أن تكون الحكومة الإسرائيلية هي المعترضة على بناء الجدار العازل على الحدود المصرية، وذلك بسبب بسيط وهو أن هذا الجدار سوف يفوت الفرصة على الحكومة الإسرائيلية من أن تجعل سيناء المصرية حلاً لتكدس قطاع غزة وأن تكون مساحتها بديلاً لضيق القطاع بسكان أو كما أصبحت الأردن حلاً لسكان الضفة الغربية قديمًا، ولكن ما حدث هو العكس، لقد جاء الإعتراض من الذين يجب عليهم أن يتشبثوا بالأرض ولا يبرحوها كما فعل أجدادهم.. ولله في خلقه شئون.
إن الجدار الذي تقيمه مصر إنما تقيمه داخل حدودها السيادية والتي لا يباريها فيها أحد، وتلك بديهية أخرى تائهة عن عقول وألباب من يصرخون ليل ونهار، وكأن مصر أقامت سياجًا داخل فلسطين وليس داخل الأراضي المصرية التي طالما رويت بدماء شهداء لم تكن شهادتهم بعيدة عن الدفاع الضمني عن فلسطين وشعبها.. خاضوا حربًا حقيقية وليست حربًا تلفزيونية لا تكلف أبطالها شيئًا بل على العكس تزيدهم رفعة وعلوا في نظر من يرضون بالعنتريات سبيلا.

elsorory@yahoo.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق