بقلم: محمد عبد الفتاح السروري لا يتصور بحال من الأحوال أن تقوم مصر بإجراء يكون من شأنه التضييق على قطاع غزة ولا على سكانه البائسين، ولكن المشكلة تكمن أساسًا كما هو معروف في عمليات التهريب التي تجرى من خلال قطاع غزة إلى الحدود المصرية في هذه المنطقة الملتهبة، وهي العمليات التي طالما أذاقت مصر المرار. فأين هي الدولة التي تسمح أن تكون حدودها مستباحة بهذا الشكل وكيف يتصور أن تقف الأجهزة الأمنية والقيادة السياسية في بلد ما مكتوفة الأيدى أمام عمليات تهريب أسلحة من خلال أراضيها؟ الأنفاق المقامة على الحدود المصرية الغزاوية تشكل خطرًا بديهيًا على الأمن القومي المصري، ولا شك في ذلك ولا يجادل في هذا الأمر إلا كل مكابر يرضيه هتاف الجماهير وإرضاء العامة على حساب أي شيء حتى لو كان هذا الشيء هو أمن بلده القومي.. هذا غير حالات الاستباحة الحدودية التي يمارسها سكان قطاع غزة كلما ضاقت بهم سبل العيش في أرضهم، ولا تزال الذاكرة تعي وتتذكر ما حدث من الأخوة الفلسطنيين عندما عبروا جموعًا وفرادى عبر الحدود إلى الأراضي المصرية، وكان الأولى أن يكون اتجهاهم إلى الناحية الأخرى من الحدود المشتركة مع دولة إسرائيل لأن إسرائيل هي التي تحتل أرضهم وهي السبب الرئيسي فيما هم فيه من ضنك وليست مصر، بل على العكس إن الدولة المصرية تتحمل جزء من تبعات هذه المعاناة بحكم الحدود المشتركة، ولكن هذا ليس معناه أن تصبح الحدود السيادية أمرًا مستباحًا لمن يشاء.. لم تنكر القيادة في السلطة الفلسطينية متمثلة في الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولا أيًا من قيادات حركة حماس وجود الأنفاق على الحدود المصرية، ولم ينكر أحد وجود عمليات التهريب التي تُمارس بالفعل، أي أن الأمر حقيقي وواقعي وليس متخيل أو متوقع، ومع هذا لا يزال الاستنكار مستمرًا.. فسبحان مدبر العقول؟ لو أعمل الذين يتبنون خطاب حسن نصر الله عقولهم قليلاً فيما يقول لتنبهوا إلى أن هذا النوع من الخطاب لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج واقعية حقيقية يمكن بعدها إتخاذ إجراء يصب في مصلحة القضية الفلسطينية. تكمن المشكلة عند التحاور مع أساطين العقليات السلفية في أنهم يرفضون تمامًا أطروحات الواقع وييعيشون في عالم ماضوى متخيل في أذهانهم أو على الأقل يحاولون العودة إليه.. لا توجد مشكلة طالما أن هذا المبدأ لا يتعدى الحدود الشخصية (رغم انه توجد مشكلة بالفعل ولكن الحجة هنا على سبيل بيان الرد)، أما إذا تعدت هذه الرؤية إلى ما هو أوسع في الحياة والواقع فلسوف تكون هناك مشكلة بالفعل، وما حجتهم في هذا المقام إلا دليل على ما نقول بمعنى أن مفهوم الأمة الإسلامية لا يمكن أن يتجاوز الواقع ومقتضاياته ولا العصر ومتطلباته؟ فمسألة تحديد الحدود وتنظيم حركة المتنقلين من قطر إلى آخر لا علاقه له من قريب أو من بعيد بمصطلح الأمة الإسلامية ومفهومه في مخيلة بعض مشايخنا الأجلاء الذين هم بالفعل معزولون عن الواقع وعازلين معهم من يستمعون إليهم.. مسألة تأمين الحدود مسألة بديهية وموضوع ترسيمها ليس فعل إستعمار ولكنه إجراء تنظيمي، والحديث في هذا الموضوع حديث لا معنى له لأننا نتحدث عن أمر اتُفق عليه واستقر منذ أمد بعيد حتى صار من المسلمات البديهية، إلا إذا أصر هؤلاء المشايخ ومن ينحو نحوهم على إعادة إختراع الدراجة كما يقول المثل الشهير والذي معناه يغني عن الإطالة. |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |