بقلم: فاضل عباس
هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط أصبحت من القضايا الخطيرة في المنطقة، وتبعث على القلق لمن يعتقد بأن هذا الشرق عليه أن يكون متنوعًا ومتسامحًا دينيًا، فالمسيحيون هم من أهل الشرق وكانوا جزءًا من الحركة الوطنية العربية، فقد سيطروا في لبنان وفلسطين وساهموا في حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وكانوا قوة رئيسية في العراق.
ولكن ماذا يحدث اليوم؟ فقد انخفضت نسبة وجود المسيحيين في الشرق من 20% إلى 5% نتيجة الهجرة المكثفة إلى خارج المنطقة، ففي مصر التي كانت مجالسها النيابية لا تقل فيها نسبة تمثيل الأقباط عن 5% في زمن محمد علي باشا، اليوم يكادون ينقرضون، وتركيا التي كان يعيش فيها ملايين المسيحيين قبل قرن واحد فقط، فقد وصل تعدادهم إلى 150ألف مسيحي فقط، وتعداد المسيحيين الذي كان يمثل خمس سكان القدس عام 1948، أصبح اليوم لا يتجاوز 2%، وفي بيت لحم حيث مسقط رأس السيد المسيح "عليه السلام"، كانوا يمثلون 80% من تعداد السكان، واليوم يمثلون نحو ثلث تعداد المدينة، وفي العراق الذي كان يوجد به 4,1 مليون مسيحي إبان العدوان الأمريكي - البريطاني عام 2003، بينما اليوم تشير التقارير إلى هروب نصفهم.
الأسباب التي تؤدي إلى هجرة المسيحيين عديدة، فأولها هو سيطرة الإسلام السياسي على الحياة العربية وممارسته للتمييز السياسي والاجتماعي في بعض البلدان ضد المسيحيين، ولذلك فحالة التأسلم قد أوجدت الضيق الاقتصادي للمسيحيين بما يدفعهم إلى الهجرة، ولكن هذا لا يُبرىء ساحة بعض الأنظمة العربية الرسمية التي ترفع شعار الديمقراطية، بينما جزء كبير منها يتغلغل فيهم ذوو التوجهات الدينية المتعصبة ويمارسون التمييز ضد المسيحيين، فيمنعون بناء الكنائس، ويقتلون المسيحيين باستخدام مفرط للقوة ضدهم، ويمنعون التحول العقائدي ويقفون ضد الحريات الدينية.
والمشكلة الكبري هي الحالة الحزبية العربية والتي تتسم بالطائفية، فالمسيحيون لا يستطيعون تشكيل حزب على أساس ديني ولكن في المقابل يمنح الحركات الإسلامية فرصة تشكيل حزب على أساس ديني وإن تم تمويه الأهداف بداخله، وحتى الأحزاب اليسارية والليبرالية تخترق طائفيًا فتصبح لديهم مشكلة مع المسيحيين وهي حالة لا تنفصل عن الأجواء الملوثة في الوطن العربي، فغياب الديمقراطية الحقيقية وسيطرة التطرف والطائفية قد أوجد الأرضية لهجرة المسيحيين.
كما وتقع المسؤولية على عاتق المسيحيين أنفسهم، فهم من هذه الأرض ولا يجب الهروب من الواقع بالهجرة للغرب بما يعزز الانقسام الديني بين غرب مسيحي وشرق مسلم، فعليهم النضال ضد كل من ينتهك حقوقهم والتمسك بالأرض التي يعيشون عليها، فهي أرضهم وأرض كل مواطن بغض النظر عن دينه، وهي مسؤولية المثقفين المسلمين في رفض هذه الهجرة، وتشكيل جبهة موحدة ضد التطرف ورفض للهجرة، فالتنوع الديني في الشرق الأوسط وفصل الدولة عن الدين هو ركيزة أساسية لدولة المستقبل الديمقراطي، والدفاع عنها مسؤولية المسيحيين والمسلمين. |