بقلم: إسحاق صبحي
يومًا بعد يوم يزداد المشهد وضوحًا، فالمتأسلمون مصرون على سحب الأقباط إلى ساحة النزال رغم أنفهم، ومن الواضح أنهم لن يسمحوا للمسيحيين بالبقاء على الحياد أو في مقاعد المتفرجين.
الجميع يعلم أن الأقباط لا يريدون الانزلاق إلى تلك المواجهة الرخيصة، وبخاصة أن الخصم لا يلعب بشرف ولا يتقيد بأخلاقيات من أي نوع، كما أن المسيحيون يعلمون جيدًا أن جائزة مثل هذه المواجهة هي جثة الوطن لا أكثر وأن الجميع خاسرون لا محالة.
لقد أثبتت جريمة نجع حمادي ومن قبله بسنوات حادث أبو قرقاص إضافة إلى غزوة الزيتون ومن قبلها ومن بعدها مئات الجرائم التي لا تنتهِ، أثبتت جميعًا أن مواجهتنا مع قوى التخلف والرجعية والظلام لم تعد اختيارية إذ أننا مجبرون على خوضها مهما كان الثمن فادحًا.
من نافله القول أن النظام تخلى عن الشارع للمتأسلمين، وأفسح لقوى الظلام ودعاة الارتداد للقرون الوسطى مجالاً لم يكن أكثرهم طموحًا يحلم بربعه.
ومن جهة أخرى، فإن المسيحيون ومعهم كافة القوى المستنيرة تجنبوا الاحتكاك بهذه التيارات المتحجرة والممولة بترودولاريًا على نطاق واسع، الجميع إذًا تجنبوا مواجهة جماعات الإسلام السياسى وفضلوا ترك الملعب خاليًا أمامهم ليعيثوا فسادًا ما شاء لهم الهوى.
فلم يكتفِ هؤلاء بالملعب المفتوح أمامهم وبالساحة التي احتكروها، والمتأسلمون يعلمون جيدًا أن بقائهم في الملعب منفردين كفيلاً بانصراف الجمهور عن المشاهدة حيث لا يوجد تنافس أو إثارة تبقيهم في بؤرة اهتمام الجماهير، ويعلم تيار الظلام والتخلف أن المواجهة مع الأقباط سهلة وقليلة التكلفة مدوية النتائج، لذلك فاستهداف الأقباط كان وما زال هو الهدف اللذيذ لهؤلاء الأنذال الجبناء.
لا يرغب الأقباط في مواجهة هذه الكلاب المسعورة، يريدون بوضوح أن يتركوا هذه المسألة برمتها للنظام (وهم يصطفوا مع بعض).
النظام لن يفعل ذلك صدقوني، فالنظام الحالي هو امتداد لنظام يوليو الذي جاء للحكم عبر صفقة تاريخية مع الإخوان المسلمين، ثم هو امتداد لنظام السادات الذي سحق القوى المعارضة عبر صفقة أخرى شهيرة مع الإخوان أيضًا.
وبوجه عام.. طالما أن النظام عسكري الصبغة فلن يتراجع عن تسييس الدين وتديين السياسة بكل السبل، ولا بأس من التضحية بكام قبطي كل كام يوم عشان الأمور تمشي.
لن يحل مشكلة الأقباط إلا الأقباط أنفسهم.
نحن نحتاج لمواجهة هؤلاء الظلاميين ومعهم النظام المتواطئ بتحركات نشيطة داخليًا وخارجيًا، لماذا لا يقوم الأقباط بمقاضاة النظام المتخاذل والمتراخي أمام المحاكم الدولية؟
لماذا لا يضع كل صاحب محل أو شركة لافتة صغيرة يكتب عليها "الدين لله والوطن للجميع"؟
لماذا لايفعل ذلك كل موظف قبطي؟
يقوم المتأسلمون بإغراق وسائل المواصلات العامة بملصقات ومنشورات تكرس التخلف والرجعية، يفعلون ذلك للوصول لرجل الشارع، فلماذا لا نفعل نحن؟
علينا أن نواجههم بطريقتهم، لماذا لا نقوم بتوزيع ملصقات تطالب بحرية المرأة وهذه النقطة تحديدًا هي مقتلهم الأكيد؟
لماذا لا نحاصرهم بتوزيع ملصقات تحتوى مقولات كتاب مصر المستنيرين ودعاة الحرية، مقولات تعلي شأن الوطن وتلفت انتباه الناس إلى قيمة الوطن الذي نعيش جميعًا على أرضه؟
ومن المتوقع في هذه الحالة أن يتوقفوا عن استخدام لعبة الملصقات خاصة بعد أن يظهر لهم منافسين لم يكونوا في الحسبان.
علينا البدء بدراسة أساليب تحرك هذه الجماعات ومواجهتها بأساليبها، فالمصل المعالج للمرض غالبًا ما يكون من جنس المرض نفسه، يجب محاصرة هؤلاء والتضييق عليهم ووضعهم في وضع المدافع لا المهاجم، فانسحابنا إلى داخل الكنيسة سيسلبنا فرصة الدفاع عن أنفسنا وعن مستقبل أولادنا.
نحن لا ندعو لحمل السلاح ولا النضال العنفي خاصة وأنهم سيرحبون بذلك ايما ترحاب، في المقابل نحن مطالبين بنضال وكفاح دائم ونشط ولا ينتظر حتى تقع الجرائم وهجمات الإرهابيين بل أن نحاصر هذا الوباء ونواجهه على مدار اليوم مواجهة لا تهدأ، ومن المتوقع أن يتخذ الأمن موقفًا متحاملاً ولن يعدم وسيلة للتنكيل بالمسيحيين، فهو يقاتل للاحتفاظ بهذا الملف داخل القبضة الأمنية، لكن على كل حال فالمواجهة أصبحت ضرورة حياة والموت في معتقلات الأمن لا يختلف كثيرًا عن الموت بالرشاشات عند أبواب الكنائس. |