CET 00:00:00 - 21/01/2010

مساحة رأي

بقلم: مودي يوسف
هل رأيتَ الأوراق تتساقط بعد أن تحولت للونها البني القاتم من على أشجارها التي رفضت تمامًا أن تكمل هذه الأوراق حياتها عليها؟ وهل قمتَ يومًا بقصد أو بدون قصد بسحق بعض هذه الأوراق بحذائك وأنت تسير في أحد شوارع بلدتك؟ وهل تخيلتَ يومًا بأن هذه الأوراق الصغيرة قد تصرخ من الظلم و الألم الذي تعرضت له منكَ ومن غيرك خصوصًا بعد أن هوت من أعلى بيتها على غصن يافع كان يحملها لفترات متعددة ولكنه وبدون مقدمات وفقط بسبب تغير الحالة الجوية قرر أن يجبرها على الانتحار وألقى بها من العالي إلى الأسفل؟ ولعلك أعجبت مرارًا وتكرارًا بمنظر الشجرة وهي خالية من تلك الأوراق التي كانت تعمل على أن تظهرها بصورة جيدة يستمتع بها كل الماريين بها وربما التقطت صورًا متعددة لشجرة أرسلتها لصديقك عبر الأنترنت لتبهره بمنظر تلك الشجرة الخاوية في فصل الخريف معلقًا أعلى هذه الصورة أو أسفلها بأنها شجرة الخريف الرائعة.

ربما وربما فعلتَ الكثير أو مرت عليك مواقف أكثر وأكثر من تلك التي حاولت أن أصفها لك ولكنني أدركتُ أن ليست الشجرة وحدها التي ترفض أوراقها ولكن يوجد بشر أيضًا يرفضون من لهم أو من ينتمون إليهم. الأمر لا يمكن إدراكه إلا إذا وقعنا في هذه التجربة من رفض أو أن ينظر لك الآخرون بأنك منبوذ ومرفوض ويجب عليك أن تتهاوى من أعلى هذه العلاقات التي تربطك بهم أو تلك المعاملات التي تستهدف أن تتبادلوا معًا الاحترام المتبادل ولكنك قد تفقد هذه وتلك في لحظة لا تدرك أنت وقتها سوى أنك تمر بخريف الحق وربيع الباطل.
قد يرفضك المجتمع بدون إبداء أسباب حقيقية واضحة، ولكنه قد يقر بما ليس بالحقيقة ليثبت لك أن الأمور تسير على ما يُرام وأن كل شيء يمر بشكل طبيعي وقد يأمرك بأن تبحث بداخلك عن بعض الأمور التي جعلتك أن تصبح هكذا أو لأن تشعر بهذا الشعور. وقد تظهر الصورة بأنك أنت الوحيد الذي ترى ذلك وأن الأمر لا يتعدى سوى بعض الأمور النفسية التي قد تكون تمر بها وجعلتك تشعر بمثل هذا الشعور الغريب تجاه بعض الأمور أو بعض الأشخاص أو بعض الأفكار. وقد يكون الأمر غاية في الوضوح، فيقر الجميع بأن كل ما تشعر به هو الحقيقة وأنه لابد وأن تعيش حياة يملأ جوانبها الإحساس بالقهر والظلم والخوف من المستقبل وأنك غير مصرح لك أن تثبت عكس ذلك وأنك لابد وأن تتكيف مع هذه الأمور بشكل أو بآخر حتى يتسنى لك الإحساس بالأمان والاستقرار الذي يرفع فقط في شعارات وهمية لا أساس صحيح لها.

لقد جاءت هذه الحياة لتحمل لكل إنسان بعض الأمور الإيجابية في حياته وبعض الأمور السلبية أيضًا، وقد تأتي الحياة بكثير من الفرح وقليل من الحزن أو بقليل من الفرح وكثير جدًا من الحزن. وقد يكون بداخلنا إحساسات لا يشعر بها أحد غيرنا ولا يدرك أسبابها غير كل من يتذوق منها كأسًا وراء الآخر ليترنح في النهاية ويتخبط بين جدران وهمية لا وجود لها ويصيح في فراغ لا يوجد أحد فيه ليسمعه، فيصرخ ويصرخ ويتألم ويحاول ولكنه غير مدرك أنه يعيش في فراغ وسكون النفس القاتمة الخالية حوله سوى من بعض أشجار الصبار التي يملؤها الشوك من جميع جوانبها ولا يُسليه في تلك الصحراء القاحلة سوى صدى صوته الذي يعود له متكررًا مرددًا نفس النداء ولا أحد يسمع أيضًا.
خريف الحق هو ضياعه الاستهتار به وبمن يتحمل المسئولية في محاولة لإثباته وربيع الباطل هو المحاولات الجادة لإبطال الحق وإخفائه وإخافته من أن يرى الشمس حتى لا يحترق. وما بين الربيع والخريف يعيش الجميع على أمل أن يمر هذا وذاك بسلام وكل ما يحاولون أن يفعلوه هو أن يعيشوا فقط للعيش وأن يستمتعوا بما يقابلهم ويدر لهم السعادة وينحنوا طوعًا واختيارًا لأحمالهم ومنغصات حياتهم ويستمتعوا أيضًا بمحاولات للفكاك منها أو الإقرار بأنها الواقع ولا غيره.
ولكن لا ننكر أن هناك من يواجه الحياة بكل هذه المتاعب بشجاعة وبأمل وبروح الوجود والإيمان بأنه يستطيع ان يغير وإن كان هو وحده الذي يشعر بهذا، ونجد أن هذا في النهاية وبنسبة ليست بالقليلة ينجح ويقدم لهذه الدنيا نموذجًا يُحتذى به من الشجاعة والقدرة على تغيير الواقع المؤلم مهما كانت المغريات أو التهديدات لمحاولة أن يتوقف عن فعل ذلك ولكنه ولأنه يمتلك هذه العقلية المتحررة القادرة الواعية المؤمنة برسالتها أيقن تمامًا أن الأمور يجب ألا تسير هكذا وأن السباحة ضد التيار لابد وأن تكون برغم من أن مواجهة الأمواج العالية الثائرة في البحر ليست بالأمر السهل أو اليسير.

أتذكر تلك القصة التي حكاها لي أبي وأنا في سن صغير لا يتعدى التسعة أعوام عندما قال إن مجموعة من العائلات ذهبت في رحلة خلوية على أحد الجبال العالية، وفي أثناء استمتاع الجميع بالرحلة، سمع صوت صراخ لسيدة ممن كن موجودين مع هذه الرحلة، وعند سؤالها عن سبب صراخها، قالت بأن هناك بعض الأساور الذهبية التي تملكها سقطت منها من أعلى الجبل، وقبعت بأسفله، وبما أنها كانت غالية الثمن وثمينة جدًا، فصرخت وأرادت أحد الرجال أن ينزل ليحضرها لها مرة أخرى. ولكن ما من أحد حاول فعل ذلك لأن الجميع – رجالاً – أصابهم الخوف على حياتهم فهم قد لا يعودون للحياة مرة أخرى لأن النزول بالحبال لأسفل الجبل وإحضار الأساور الذهبية والصعود مرة أخرى لأعلاه أمر قد يكون بالمجاذفة فعله. وعندها شعرت هذه السيدة باليأس، ولكن فجأة ظهر هذا الصبي الصغير الذي كان يبلغ من العمر اثنى عشر عامًا، وقرر التحدي وقرر أن ينزل لأسفل الجبل، وليحضر ما تريده هذه السيدة، وتحدى الجميع، حتى الرجال الذين خافوا عليه أيضًا من النزول لأسفل الجبل، ولكنه رفض الانصياع لمحاولاتهم أن يهزموا شجاعته، ولكنه اشترط أمرًا واحدًا، اشترط أن من يُمسك الحبل هو شخص واحد فقط وهو أبيه، وقال لابد أن من يُمسك الحبل هو أبي ولا أرضى بغير ذلك، وبالفعل نزل هذا الصبي الصغير وأحضر الثمين الذي فقدته السيدة وأعاده إليها مرة أخرى.

هذا هو ما نريده بالضبط لنحاول أن نغير الواقع، فالشعارات والصرخات وحدها لن تجدي ولن تفيد، ولكن يجب أن نتحلى بروح الشجاعة التي ليست الغوغائية أو البلطجة أو تحدي من هم أعلى منا أو عدم الانصياع لهم بل هي شجاعة الفكر التي تحررنا من أفكار الماضي وتجعلنا نواجه تحديات الواقع وننظر للمستقبل بنظرة واعية ثاقبة. نحتاج لأن نقرر ولا نتراجع، بل نبدي آراءنا وأفكارنا بكل احترام وبكل حب للجميع حتى نغير الأمور ونعيدها لنصابها الصحيح، فيكون الخريف للباطل، ويزدهر ربيع الحق بزهوره المتلألأة التي هي نحن، ويجب أن نتمسك بأن يكون لدينا إيمان في الله الذي يجب أن يقود حياتنا ويمسك بحبلها ويرشدنا لما هو أفضل لحياتنا ولكل من حولنا.
لا تجعل الظروف التي تحيط بك تقحمك لأن تيأس وترفع يدك مستسلمًا، بل كن شجاعًا وتمسك بما تؤمن به بداخلك، فأنتَ إنسان ولك حق، كما لا تنسى أن واجباتك يجب أن تقدمها مسبقًا قبل المطالبة بحقوقك، فاحترامك لواجباتك هو احترامك لحقوقك، واحترامك لنفسك في شتى المجالات والمواقف الحياتية.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

الكاتب

مودى يوسف

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

خريف الحق وربيع الباطل

حاجة تغيظ

أنا حقًا لا أدري!!!

عادتنا وللا هنشتريها؟

جديد الموقع