بقلم: علي سالم |
بمكر الأنثى وبراعة الإعلامي، سألت المذيعة ضيفها: لو سألك شاب: هل أنضم لجماعة الإخوان المسلمين؟.. بماذا تجيبه.. نعم.. أم لا..؟ صمت الضيف لحظات وأجاب: لا.. الضيف هنا هو الأستاذ أبو العلا ماضي، الخارج على جماعة الإخوان بلا خصومة، والداخل في الحياة المدنية بحزب جديد، عجز حتى الآن عن الحصول على موافقة على وجوده، ربما لأنه كان يوما ما عضوا في الجماعة. وأنا أعتقد أن هذه الـ«لا» الهامسة، تشكل ضربة للجماعة تتضاءل إلى جوارها كل الضربات التي وجهت لها على مدى السنوات الطويلة الماضية. وهي إجابة توقفت أمامها طويلا، إنه ليس مجرد شاهد من أهلها، بل هو «أهلها» شخصيا، بما يجعل شهادته صادقة وأمينة إلى أبعد الحدود، بفرض أن لها حدودا. هل هي لحظة صدق مع النفس عجز عن ترويضها والإفلات من استحقاقاتها كما يفعل المثقف المحترف عادة عندما يجد نفسه ضعيفا لا يحميه سقف؟ أم أنها المروءة الإنسانية التي تفجرت في وجدانه فجأة وطلبت منه أن ينقذ شابا على وشك أن يضيع؟ أنا أعتقد أن الأستاذ ماضي هو خير من يحدثنا عن «اللا جدوى»، ولو أن وقت البرنامج كانت فيه بقية لسألته المذيعة السؤال البديهي التالي: لماذا.. لماذا تنصح هذا الشاب بألا ينضم للجماعة؟ لست أزعم أنني أعرف ماذا ستكون إجابته، غير أنني لو كنت مكانه لأجبت: لا جدوى سياسية أو اجتماعية أو دينية ستعود عليه من انضمامه للجماعة في هذا العصر.. هذا هو عصر الحرية، الإنسان الفرد هو بحد ذاته حزب وجماعة ومؤسسة، الشاب في هذا العصر في حاجة إلى من يشاركه التفكير من أجل تحقيق فرديته. لقد انتهى ذلك العصر الذي تسمع فيه وتطيع بعض الناس لأنهم أكبر منك سنا وأكثر تقوى. اهتم بنفسك وبعملك وببلدك وكن صادقا مع نفسك ومع الناس، ولا داعي للانضمام لتنظيم، جدواه الوحيدة هو الاشتراك في تلك اللعبة السخيفة، أن تدخل السجن كل عدة أعوام أو أيام بتهمة الانضمام لجماعة محظورة وغير محظورة في الوقت نفسه، لا داعي للاشتراك في لعبة تدخل فيها السجن لأنها محظورة، بينما صور زعمائك تحتل عناوين الصحف وبرامج الفضائيات لأنهم غير محظورين.. هذه هي «اللا جدوى» في أوضح مثال لها. هذه الـ«لا» لم تأت عفو الخاطر ولا كانت بنت اللحظة، لا بد أن الأستاذ ماضي فكر فيها كثيرا من قبل، واكتشف أن تكنولوجيا الاتصالات الحديثة صنعت إنسانا آخر، من المستحيل فيه أن يقوده زعيم أو مرشد عام. وإذا فرضنا أن الأستاذ حسن البنا - رحمه الله – ما زال يقود هذا التنظيم، ولم يكن لهذه التكنولوجيا وجود، هل ستكون هذه إجابته؟ مستحيل، وذلك لأن كلمة «لا» في ذلك الوقت، بل لسنوات كثيرة لاحقة، لم تكن تعني فقط الخروج على الجماعة، بل المروق من الدين ذاته. والويل كل الويل لمن يرتكب مثل هذا الجرم. ستكون المقاطعة العامة الشاملة النهائية الكاملة من أفراد الجماعة هو ما ينتظره، وربما ما هو أكثر هولا. لقد تغيرت الدنيا واكتسبت الحياة في مصر مواصفات جديدة، وهذه التكنولوجيا مكنت الشبان في مصر من مشاهدة ما يحدث لإخوتهم الشبان في الشارع في إيران بعد أن وصل الجناح المتشدد من رجال الدين إلى سدة الحكم. هكذا يمكن قراءة هذه الـ«لا» قراءة جديدة. تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في مصر لم يعد بالقوة التي كان عليها بعد أن عجز مرشدوها عن الاستجابة لروح العصر. لقد اكتسبت الجماعة قدرا كبيرا من الضعف إلى الدرجة التي جعلت الأستاذ ماضي في لحظة صدق مع النفس وانعدام الخوف التقليدي من الجماعة، ينصح الشباب بالابتعاد عنها لضعفها ولا جدواها. ليس الأمن المصري وحده هو من وجه الضربات إلى الجماعة، بل ثقافة العصر العامة، تلك الثقافة التي تسللت أو لعلها تلبست عددا من زعماء الجماعة، كان من بينهم الدكتور حبيب نائب المرشد العام الذي تخلى عن كل مناصبه في الجماعة، وأعلن أنه سينشئ مركز دراسات. هو نجم من نجوم الجماعة كان من المتوقع والطبيعي بوصفه نائبا للمرشد أن يتم تعيينه مرشدا، كما أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح هو نجم هو الآخر، غير أن المرشد العام الشيخ عاكف استجمع كل ثقافة الماضي القديم وقام بتعيين - «بلاش والنبي حكاية الانتخابات دي.. مفيش انتخابات ولا حاجة» - الدكتور بديع الذي لا يعرفه أحد. إنها إحدى لحظات التاريخ التي يتمكن فيها القديم من ضرب الجديد في مقتل. هناك في أي مجتمع ثقافة عامة سائدة ومن بين السائد تقاليد سائدة أيضا، وبخاصة في الإدارة. من الشائع في مصر الآن أن يحرص صاحب كل منصب كبير على أن يحل محله شخص لا يفوقه قوة. والأفضل بالطبع ألا يعرفه أحد ولا يعرف قدراته - بفرض وجودها – أحد. من هذا المنظور يكون الشيخ عاكف، بغير أن يدري، قد وجّه للجماعة ضربة العمر - المريحة لكل الأطراف - بطرد العناصر القريبة من روح العصر والليبرالية، فحكم بذلك على الجماعة بانعدام روح التجديد. لقد نجا الدكتور عصام العريان - إلى حين - من عملية الخروج الكبير. وفي صورة فوتوغرافية نادرة نشرتها الصحف كان يقف وراء المرشد الجديد الدكتور بديع في مؤتمر صحافي. كان العرق يتصبب على وجه المرشد بينما هو ممسك بالميكروفون، وأخرج الدكتور عصام منديله وأخذ يجفف له عرقه. لم يشعر المرشد بالحرج، لم يتناول المنديل شاكرا ويجفف عرقه بنفسه، استمر ممسكا بالميكروفون مسترسلا في الكلام. هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي نرى فيها مثل هذه اللقطة، غير أننا كثيرا ما شاهدناها في الأفلام المصرية.. غرفة عمليات جراحية، جراح كبير يجري عملية ومعه عدد من الدكاترة المساعدين وعدد من الممرضات، الجراح الكبير منهمك في العمل، يتصبب العرق على جبينه - «طبعا التكييف عطلان» - وعلى الفور تبدأ إحدى الممرضات بتجفيف عرقه. إنها ما نسميه بثقافة المهنة، أن تقدم على فعل تحتمه ثقافة المهنة في مناسبة بعيدة تماما عنها. ولكن اللقطة في الأفلام المصرية طبيعية لأن الجراح لن يتوقف لتجفيف عرقه، أما المرشد العام الجديد فكان يجب عليه أن ينقل الميكروفون ليده الأخرى ويجفف عرقه بنفسه، غير أنه لم يفعل، وهو ما يمكن قراءته.. لقد أمسكت بالميكروفون أخيرا.. لن أفلته من يديَّ كلتيهما لأي سبب من الأسباب.. المطلوب فقط من حضراتكم هو أن تسمعوني وأن تطيعوني.. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |