بقلم: جرجس بشرى
كنت قد كتبت في مقال سابق على موقع الأقباط متحدون مقالاً بعنوان "أسلمة المواطنة"، وأشرت فيه إلى أن المواطنة التي أدرجت في الدستور المصري في مادته الأولى قد تم أسلمتها هي أيضًا، إستنادًا إلى المادة الثانية من الدستور المصري وهي المادة التي تنص على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وقد نجحت هذه المادة في إتمام مُخطط أسلمة الدولة المصرية بشكل رسمي ومؤسسي لدرجة أن رأينا ولمسنا أسلمة المجال العام والقضاء والجهاز الأمني والإداري في الدولة ومقاومة الحكومة المصرية للحريات الدينية بل هوادة.
تعجبت جدًا واستغربت بشدة تصريحات الرئيس المصري محمد حسني مبارك في خطابه بمناسبة عيد العلم، الذي أعرب فيه عن أمله في مجتمع مصري لا مجال فيه لفكر مُنحرف يخلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين.
الغريب أن الرئيس يقول ذلك وحزبه الحاكم يجيد وبجدارة لعبة إقحام الدين في السياسة والسياسة في الدين، والدليل المادة الثانية من الدستور الذي يصر الرئيس وحزبه وبرلمانه وحكومته على عدم المساس بها وكأنها نصًا إلهيًا!!، الغريب أن الحزب الحاكم نفسه يلجأ للمؤسسة الدينية الإسلامية لإستطلاع رأيها في شرعية ما يقوم به من قرارات وسياسات اقتصادية وأمنية وصحية، وكثيرًا ما يستعين بهذه المؤسسة في موسم الإنتخابات، وتمارس الحكومة بالتبعية هذه اللعبة لدرجة لجوء بعض الوزارات إلى الإعتماد على آلية الفتوى في بعض القرارات.
والأغرب من ذلك ما قاله الدكتور محمد كمال "أمين التثقيف والتدريب بالحزب الوطني الحاكم" في حواره مع صحيفة الجمهورية أمس الأحد، والذي أكد فيه على أن الدولة المدنية يجب أن تكون هدف الجميع مسلمين ومسيحيين لأن البديل مرعب وهو قيام دولة متطرفة تميز بين الرجل والمرأة وهذه الدولة المتطرفة يكون التمييز فيها على أساس دستوري وقانوني ومؤسسي!!
المدهش أن كلام الدكتور محمد كمال تجاهل أننا في دولة التمييز فيها يتم على أساس دستوري ومؤسسي وقانوني، بدليل وجود المادة الثانية التي هي المصدر الرئيس للتشريع وبعض القوانين التي تحكم المسيحيين في مصر بالشريعة الإسلامية، وتناسى الدكتور محمد كمال التمويل الهائل الذي تنفقه الحكومة المصرية على الدعوة للإسلام والحج والجوائز والمسابقات الدينية في المؤسسات الرسمية بالدولة..
والسؤال هنا: هل يخاطب الحزب الحاكم أناس جهلاء وعالم ساذج؟ وهو يمارس هذا النفاق السياسي بل خجل أمام الجميع، فالمواطنة تم أسلمتها في مصر بفعل المادة الثانية، ويجري الآن على قدم وساق خصخصتها لتصبح حكرًا على المسلمين والمتأسلمين..
فمتى يستيقظ الحزب الحاكم قبل فوات الأوان؟ |