بقلم: أكرم هارون
بادئ ذي بدء: أوجه كلمات تعزية صادقة من القلب إلى أسرة الراحل الكريم الأستاذ عدلي أبادير ولأسرة "الأقباط متحدون"، بل إن العزاء لنا جميعًا وللشعب القبطي كله وللمسلمين العقلاء والمستنيرين، لأننا جميعًا افتقدنا شخصية قديرة وعظيمة لها وزنها وثقلها في احتضان هموم ومشاكل الأقباط، بل كل مشاكل مصر، وعزاؤنا أنه ترك لنا موقع "الأقباط متحدون" وأعماله الجليلة المختلفة التي تتحدث عنه، فحقًا وإن مات فلم يزل يتحدث بعد.
إنها حالة من عدم التوازن النفسي والتي أحاطت بي طوال الفترة الماضية، حالة من الشعور بعدم الرضا، حالة من الملل شملت كل المكنون الداخلي وشارفت على أن تتحول إلى بدايات لمرض الاكتئاب، حالة نفسية يمكن تسميتها بحالة من "القرف العام"، ولكني جلستُ مع نفسي أخيرًا وكان لابد ولا مفر من جلسة الحساب النفسي الداخلي تلك للخروج من هذه الحالة التي لا أرضاها، وعلى ما أذكر؛ لقد استمرت تلك الحالة أكثرمن شهرين، قاطعت فيها الإنترنت، وقاطعت فيها قلمي وزهدت عن الكتابة لفترات، وكنت كلما أشتاق للإمساك بالقلم وأشعر أنه لابد وأن أعبر عما بداخلي، أتركه مرة أخرى عازفًا عن الكتابة أو هاربًا بإرادتي نحو قنوات التليفزيون والستالايت، أحاول البحث بين مئات القنوات عن لقاءات حوارية تصقل من نفسي، أو أخبار وردود أفعال عما يجري حولنا من أمور عدة ملتهبة على ساحات المجتمع المصري وعلاقاته الطائفية ومشاكله السياسة والاقتصادية أو.... أو جرعات دينية أو حتى التسلية في فيلم ما، وذلك كله نابع من إحباطي وضيقي للحواداث الطائفية المختلفة الأخيرة في ديروط وفرشوط وانتهاءً بمذبحة نجع حمادي.
لقد أحسست بحالة من "القرف العام" من هذا المجتمع الصامت وسلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية حتى السلطة الرابعة وهي الصحافة كان لها نصيب من هذا الإحساس العام بـ"القرف" في بعض الأوقات.
فنحن كمسيحين نخوض ونتجرع كأسًا من المرارة في بلدنا مصر نتيجة عدم الحصول على كافة حقوق المواطنة التي تجعلنا شركاء حقيقين لإخواننا المسلمين في وطننا، وليس شركاء بالشعارات والهتافات و"تبويس" اللحى وموائد الطعام التي تجمع رجال الدين المسلمين والمسيحين، فيتبادلون الابتسامات والتحيات ويدلون بالتصريحات البراقة التي تشعر معها أن كل المشاكل انتهت، وأننا سوف نبدأ صفحة جديدة من الحياة لا يعكر صفوها أي شيء، وأنه سيتم حل كل مشاكل المسيحين في مصر، إلا أننا نجد المشاكل تتجدد والحوادث تقع ويتكرر سيناريو المصالحات وتبادل الاحضان والابتسامات والأمل الزائف في طي الصفحات القديمة وفتح صفحة جديدة، وهكذا ولا حلول بل الأسوأ هو ما يحدث من تجذر الغل في الصدور وازدياد مساحة الألم والمرارة في القلوب وكبر الضغينة والكراهية في النفوس، فدعونا يا قادة الشعب مسلميه ومسيحيه وحكومته، لا نضحك على أنفسنا بما نفعله إزاء كل حادث يقع ضد الوحدة الوطنية من مسكنات للمرض لا رجاء منها.
إن ما يحدث في هذه السيناريوهات العقيمة أشبه بمريض الأنفلونزا الذي هاجمه هذا المرض بضراوة فنتج عنه ازدياد في درجة حرارة المريض، وحسب معلوماتي الطبية القليلة، أعرف أنه إذا ما حدث هذا الارتفاع في درجة الحرارة، فلابد من معالجة المريض بالمضاد الحيوي الفعال، وإن أصر الطبيب على عدم إعطاء المريض المضاد الحيوي واكتفى بمخفضات الحرارة اعتمادًا على أن المضاد الحيوي له آثار جانبية، فهو غالبًا لم يعالج المرض بل أزال أعراضه فقط وبصورة مؤقتة، ومن المؤكد أيضًا أن المريض ستتدهور حالته وستهاجمه الأعراض مرة أخرى ولكن بصورة أعنف وأشد ضراوة من ذي قبل، وقد يصل الأمر إلى الالتهاب الرئوي والوارد أن يؤدي لوفاة المريض، وكل هذا لأن السيد الطبيب يرى أن المضاد الحيوي له آثار جانبية – هذا بالضبط ما يحدث مع مشكلة المسيحين في مصر وتعامل الدولة معها، فالدولة هي الطبيب والمرض هو مشاكل الفتنة الطائفية في مصر، والدولة تتعامل بسيناريوهات المصالحات والشعارات والأحاديث الودية وهذه هي خافضات الحرارة ولا تريد استخدام المضاد الحيوي الذي هو بالطبع الحلول الجذرية لمشاكل الفتنة الطائفية والاعتداءات التي تحدث على المسيحين وهو هنا يتمثل في إقرار حقوق المواطنة الكاملة للمسيحين مثل تيسير بناء كنائسهم وعدم التمييز بين المسيحين وإخوانهم المسلمين في الوظائف وغيرها مما يطالب بها مسلمو مصر المستنيرون لجانب إخوانهم المسيحين.
ويري غالبية مسئولي الدولة أن هناك آثارًا جانبية للدواء الناجم قد تتمثل في إثارة حفيظة المتشددين المسلمين وما قد يستتبعه من أحداث – وبالطبع هذا الخطأ ذاته لأنه كما يوجد المتشددون يوجد أيضًا المعتدلون، والشرعية والعدالة لا يختلف عليها أحد والظالم قد يخشى الوقوف أمام قطار العدالة إذا قرر قائده المسير دون تردد وإن كنا نردد في المصالحات تلك الشعارات التي لا تغني ولا تسمن من جوع عن متانة العلاقة بين مسلمي ومسيحيي الوطن وأننا لا تهزنا الأحداث الصغيرة وما شابه من هذه الشعارات عند اشتعال الحوادث الطائفية وحدوث الاعتداءات على المسيحيين، فالأجدر أن نعتمد على هذه العلاقة ونردد هذه الشعارات والهتافات عند رد الحقوق لإصحابها وإعطاء المسيحيين كافة حقوق المواطنة في بلادهم.
وأتوقف أمام العبارة السابقة "الظالم قد يخشى الوقوف أمام قطار العدالة إذا قرر قائده المسير دون تردد" حيث أتذكر أحد مشاهد فيلم "أيام السادات" والذي جمع بين محمد حسنين هيكل والرئيس السادات حينما كان السادات يشكو لهيكل من مراكز القوى المتمثلة في بعض الشخصيات في مراكز الحكم، والتي تكبل يديه وتفكيره وتحاول تهميشه تمهيدًا للانقلاب عليه، فكان رد هيكل المشجع والمحفز للسادات (الشرعية معك) وقد كان وقام السادات باقتلاع كل مراكز القوى في حركة التصحيح عام 1971 وأعطته الشرعية الطاقة والوقود لتثبيت حكمه وفعل ما يريد واستقرت له الأمور في البلاد.
ولذا يا قائد البلاد ويارئيس البلاد يا من صرّحت أنك رئيس لكل المصرييين، أوجه حديثي إليكَ مهما حاول البعض من حاشيتك ومستشاريك من إخافتك من ردود أفعال المتشددين إذا ما قررت إعطاء حقوق المواطنة الكاملة للمسيحين، فالشرعية معك لأنك ترد حقوقا لأصحابها الذين هم من أهل البلد ومواطنيها، ولست تعطي منحة أو هبة لهم – هي حقوق مشروعة ومطلوبة ولابد أن يستردها أصحابها، سواءً أخذوها الآن أو انتزعوها فيما بعد.
وقد يسأل القارئ ولماذا هذا الإحساس بـ "القرف العام" من سلطات الدولة الأربع وغالبية المجتمع؟ ولهذا حديث آخر .. |