بقلم: منير بشاي
عائشة (ليس إسمها الحقيقى) شابة مصرية مسلمة نابهة أرسلتها مصر فى بعثة تعليمية للدراسة فى إحدى جامعات كاليفرنيا. تقابلنا معها منذ بضعة شهور وحدث تعارف أدى إلى ود متبادل. زارتنا فى منزلنا عدة مرات،..أكلنا معا وخرجنا معا وتبادلنا الحديث فى شتى المواضيع. كانت تقول رأيها دون تحفظ وكنا نفعل المثل، وكنا نتفق غالبا ونختلف نادرا ولكن اختلاف الرأى لم يكن يفسد للود قضية. وقلت لها مرة أننى لدى إبنتان واحدة مسيحية والأخرى مسلمة وهى أنت. وأعترف أن الخلاف فى الرأى مع أبنائى الطبيعيين كان أحيانا يفوق أى خلاف فى الرأى مع عائشة. كانت علاقتنا مع عائشة نموزجا مثاليا لما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين مسلمى مصر ومسيحييها.
وعندما وقعت أحداث التخريب فى فرشوط وبعدها أحداث القتل العشوائى فى نجع حمادى كانت عائشة متألمة أشد الألم. وبعد أن شاهدت فيديو كليب لجنازة الضحايا كتبت لى رسالة تقول فيها أنها لا تستطيع أن تمنع نفسها عن البكاء
وعندما بدأت مباريات كرة القدم التى لعبت فيها مصر كانت عائشة تحضر إلى منزلنا لنشاهدها معا. وفى هذه لم يكن إختلاف فى الرأى...فقد كنا جميعا نؤيد نفس الفريق وهو الفريق القومى المصرى. هللنا له عندما إنتصر وسالت من أعيننا الدموع عندما إنهزم. فالفريق المصرى يمثل مصر وأيضا يمثل جميع المصريين.. أو هكذا ظننت.!!
وهنا يمكن لمن يريد أن يمتدحنى أن يفترض فى حسن الظن. ولمن يريد أن ينتقدنى أن يصفنى بالسذاجة. فلم يخطر بذهنى أن أعرف أسماء اللاعبين أو أفكر فى إنتمائاتهم الدينية. فمن البديهات أن يضم المنتخب القومى الذى يمثل مصر خيرة اللاعبين فى مصر بعيدا عن أى إعتبارات أخرى.
ولكن موقفا لمدرب الفريق حسن شحاتة وما تلاه من تصريحات لتبرير موقفه قد فتح عينى. فقد قيل أن المدرب حسن شحاتة منع لاعبا ممتازا إسمه ميدو من الأشتراك فى المنتخب. وعندما سئل عن سبب ذلك برر قراره بالقول: مهما كانت مهارة وقدرات اللاعب فنحن لا نقوم بضمه للمنتخب إلا إذا كانت علاقته طيبة مع الله ويشهد له الناس بأنه على خلق رائع.
ويبدو أن هذا التصريح هو السبب وراء دخول النعرة الدينية فى اختيار اللاعبين فى المنتخب القومى والتى أدت الى استبعاد ميدو المسلم لغير تممسكه بدينه وأيضا الى إستبعاد كل لاعب مسيحى لإختلافه فى العقيدة. ويبدو أن هذا هو السبب وراء تصرفات اللاعبين الذين تجدهم يسجدون الى الأرض كلما أحرزوا هدفا ومن هنا جاءت تسميتهم بفريق الساجدين مع أن اسمهم الأصلى هو فريق الفراعنة.
ولا أدرى كيف يمكن استبعاد اللاعبين المسيحيين ضمن كل لاعب آخر غير متمسك بالدين من الإشتراك فى فريق سماته المميزة هى السجود لله وكأن المسيحية لها اعتراض على موضوع السجود لله من حيث المبدأ. فالمسيحيون أيضا يسجدون لله ويصلون طلبا لمعونة الله وبالذات عندما يقدمون على مهمات مصيرية هامة. ولكن المسيحيون يؤمنون أن هناك جانبين لكل نجاح وهما إرادة الله ومسئولية الإنسان وكلاهما يسيران فى خطين متوازيين لا يناقض الواحد الآخر. قوة الله تعمل مع مجهودات الإنسان وخبرته واعداده. أيضا يؤمن المسيحيون أن الصلاة هى علاقة سرية بين الإنسان وخالقه وأنها ليست شو إعلامى لنوال المديح من الناس. فقد قال السيد المسيح: متى صليت فلا تكن كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين فى المجامع وفى زوايا الشوارع لكى يظهروا للناس. الحق الحق أقول لكم قد إستوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صليت فإدخل إلى مخدعك وإغلق بابك وصل إلى أبيك الذى فى الخفاء فأبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية. (متى ٦:٥-٦)
خلط الدين بالرياضة مسألة خطيرة لأنها ستؤدى إلى هذا الفرز الدينى الذى نعانى منه فى مصر.هذا بالإضافة إلى أنه يمكن أن يؤدى إلى الإساءة إلى الدين ذاته فى الوقت الذى كنا نظن أننا نكرمه . فإذا كنا نعتبر أن النصر قد تحقق لنا بقوة ومعونة الله، فهل عندما ننهزم يكون هذا نتيجة ضعف الله...وحاشا لله!! وهل الدول الوثنية التى لا تعرف الله عندما تنتصر علىالدول المؤمنة يكون هذا معناه إنتصار الكفر على الإيمان؟
وهل بعد هذا التطرف الدينى الذى وصل حتى لمجالات بريئة مثل الرياضة نستطيع أن نتساءل ماذا جرى لمصر؟ وكيف يقوم المتطرفون بقتل أخوتهم فى الوطن فى نجع حمادى إرضاء لله وربما يقدمون بعدها سجدة لله شكرا على توفيقه لهم فى القضاء على الكفار؟!
لن تتقدم مصر إلا بعد أن يكون هنك المزيد من فكر عائشة والقليل من فكر حسن شخاته.
|
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|