بقلم: ماجد سمير
لم تشهد عبادة الأصنام في العالم قبل ظهور الأديان أي خلاف، كانت كلها تقريبًا متشابهة، وتشابهت الخامات التي استخدمها العرب لآلهتهم في العصر الجاهلي مع كل خامات الأصنام في العالم، وقام العرب بالتميز عن العالم كله بصنع إله من العجوة بعد أن ينتهي العربي من الصلاة يأكل الإله، ومَن مِنّا ينسى مشهد في أحد الأفلام القديمة التي سأل خلالها أحد الأفراد "سُراقة" تاجر الآلهة قائلاً: بكم هذه الآلهة يا سُراقة؟ فأجاب التاجر: أنها بخمسة دنانير، فرد الرجل: سآخذها بثلاث، فشخط التاجر في الزبون مستنكرًا: إنه إله العجوة، فما كان من الرجل إلا أن أكل الإله فورًا، فقفام سراقة من مكانه وصرخ فيه غاضبًا بتعجب: أأكلت الإله يا رجل؟!
وعلى نهج الجملة التعجبية التي قالها "سُراقة" للزبون حتى يتأكد مما رأته عيناه وأن الزبون أكل الإله فعلاً وأنه غير مصاب بتهيآت، نجد مصر تسير منذ فترة طويلة في طريق أكل القواعد، نسن القوانين ولا ننفذها، نخترع القواعد ونكون أول من يقوم بتكسيرها، اخترعنا قانون المرور والمثلث وحقيبة الإسعاف وخلافه ولا يتم تنفيذه إلا حسب المزاج، نضع -ولا أقصد هنا أننا نلد– القوانين بسرعة لا تُقارن بأي مكان في العالم ونأكله مثل إله العجوة بنفس السرعة.
فعلى سبيل المثال الوزير المصري يتفرد عن كل الوزاراء في العالم بأنه "بروحين"، وربما يستخدم مشترك لكي يقوم بأعمال متنوعة في نفس واحد، وغالبًا ما تكون متضادة حتى نؤكد للزميل "سُراقة" أننا أيضًا وضعنا القانون حتى نأكله.
فمعظم الوزراء أعضاء في مجلس الشعب وهو شكل لا يمكن أن يُعقل، لأن عضو في الحكومة الذي يدافع عن خططها وأهدافها وفي الوقت نفسه عضو في البرلمان المعني بمحاسبة الحكومة "واخدها فحت وردم"، يتخذ القرار ويقومه، ومن المفترض أن الدور الثاني لعضو البرلمان هو سن القوانين، ولأن "السن" له حكمة تغيرت الصورة الذهنية لعضو مجلس الشعب فأصبح دوره خدمي لأبناء منطقته وتم الخلط بين دوره ودور المجلس "المحلي" و"طفح " دور البرلماني، لأنه نجح في توصيل المجاري لأبناء دائرته.
وربما لو بُعِثَ "سُراقة" للحياة مرة أخرى سيجد أن تجارة القوانين تجارة أكثر ربحًا من تجارة الآلهة إبان العصر الجاهلي، وستدر عليه أمولاً مناسبة لحياة كريمة، وإن كان سيسأل نفس السؤال القديم وبنفس علامات التعجب التي بدت واضحة على وجهة منذ ما يزيد عن 1400 عامًا وسيكون لسان حاله: أأكلت القانون يا رجل؟! |